قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ جعفر السبحاني
عن الكاتب :
من مراجع الشيعة في ايران، مؤسس مؤسسة الإمام الصادق والمشرف عليها

حقوق أهل البيت (عليهم السلام) في القرآن الكريم (4)

وجوب مودّتهم وحبّهم (2)

 

إذا كان المراد من ذوي القربى هؤلاء الذين أنيط بهم أمر الهداية والسعادة فحبُّهم ومودَّتهم يرفع الإنسان من حضيض العصيان والتمرد إلى عزّ الطاعة.

 

إنّ طلب المودة من الناس أشبه بقول طبيب لمريضه بعدما فحصه وكتب وصفة: لا أريد منك أجراً إلاّ العمل بهذه الوصفة، فإنّ عمل المريض بوصفة الطبيب وإن خرجت بهذه العبارة بصورة الأجر، ولكنّه ليس أجراً واقعياً يعود نفعه إلى الطبيب بل يعود نفعه إلى نفس المريض الذي طلب منه الأجر.

 

وعلى ذلك فلابدّ من حمل الاستثناء على الاستثناء المنقطع، كأن يقول: قل لا أسألكم عليه أجراً، وإنّما أسألكم مودة ذي القربى، وليس الاستثناء المنقطع أمراً غريباً في القرآن بل له نظائر مثل قوله: (لا يسمعون فيها لَغْواً إِلاّ سَلاماً).(1)

 

وعلى ذلك جرى شيخ الشيعة المفيد في تفسير الآية، حيث طرح السؤال، وقال: فإن قال قائل: فما معنى قوله: (قُلْ لا أَسألكم عليهِ أَجْراً إِلاّ المَودَّة فِي القُربى) أوليس هذا يفيد أنّه قد سألهم مودة القربى لأجره على الأداء؟.

 

قيل له: ليس الأمر على ما ظننت لما قدمنا من حجّة العقل والقرآن، والاستثناء في هذا المكان ليس هو من الجملة لكنّه استثناء منقطع، ومعناه قل لا أسألكم عليه أجراً لكنّي ألزمكم المودة في القربى وأسألكموها، فيكون قوله: (قُلْ لا أسْألكُمْ عليهِ أَجراً) كلاماً تاماً، قد استوفى معناه، ويكون قوله: (إِلاّالمودة في القُربى) كلاماً مبتدأً، فائدته لكن المودة في القربى سألتكموها، وهذا كقوله: (فَسَجَد المَلائِكة كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاّإِبْلِيس).(2) والمعنى فيه لكن إبليس، وليس باستثناء من جملة.(3) وعلى ضوء ذلك يظهر معنى قوله سبحانه: (ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ).(4)

 

وقد تبَّين أنّ حبّ الأولياء والصالحين لصالح المحب قبل أن يكون لصالحهم. كما تبَّين معنى قوله سبحانه في شأن ذلك الأجر: (ما أَسأَلكُمْ عليه مِنْ أَجْر إِلاّ مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبيلاً).(5) فإنّ اتخاذ السبيل لا يخلو من أحد احتمالين:

 

1. مودَّة القربى والتفاني في حبهم الذي سينتهي إلى العمل بالشريعة الموجب لنيل السعادة.

 

2. نفس العمل بالشريعة الذي يصل إليها الإنسان عن طريق حبهم ومودتهم.

 

وبذلك ترجع الآيات الثلاث إلى معنى واحد من دون أن يكون بينهما أي تناف واختلاف.

 

وقد جاء الجمع بين مفاد الآيات الثلاث في دعاء الندبة الذي يشهد علو مضامينه على صدقه، حيث جاء فيه:

 

«ثمّ جعلت أجر محمّد ص مودّتهم في كتابك، فقلت (لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودة في القربى)، وقلت: ما سألتكم من أجر فهو لكم، وقلت: (ما أسألكم عليه من أجر إلاّ من شاء أن يتّخذ إلى ربّه سبيلاً)، فكانوا هم السبيل إليك، والمسلك إلى رضوانك».

 

وإلى ذلك يشير شاعر أهل البيت ويقول:

 

موالاتهم فرض وحبهم هدى    

وطاعتـهم ودّ وودُّهـم تقـوى

 

وأمّا القربى فهو على وزن البشرى والزلفى بمعنى القرابة، يقول الزمخشري: القربى مصدر كالزلفى والبشرى، بمعنى القرابة والمراد في الآية «أهل القربى».(6) وقد استعمل القرآن الكريم لفظة القربى في عامة الموارد بالمضاف، فتارة بلفظة ذي، قال سبحانه: (وِبالوالدين أَحساناً وذي القُربى واليَتامى).(7) وأُخرى بلفظة ذوي، قال سبحانه: (وَآتَى المال عَلى حُبِّهِ ذَوي القُربى وَاليَتامى).(8) وثالثة: بلفظة «أُولي»، قال سبحانه: (ما كان لِلنَّبيّ وَالّذينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكينَ وَلَو كانُوا أُولي قُربى).(9)

 

وقد جاءت مرة واحدة دون إضافة وهي نفس الآية المباركة، فلأجل ذلك يلزم تقدير شيء مثل لفظة «أهل» كما قدَّره الزمخشري أو لفظاً غير ذلك مثل كلمة «ذي» أو «ذوي» أو «ذوي قربى». إلى هنا تمت الإجابة عن السؤال الأوّل حول الآية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1. مريم: 62.

2. الحجر: 30 ـ 31.

3. تصحيح الاعتقاد:68.

4. سبأ: 47.

5. الفرقان: 57.

6. الكشاف:3|81 في تفسير الآية.

7. البقرة: 83.

8. البقرة: 177.

9. التوبة: 113.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد