من التاريخ

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ فوزي آل سيف
عن الكاتب :
من مواليد سنة «1379 هـ» في تاروت ـ القطيف، درس المرحلة الابتدائية في تاروت وهاجر للدراسة الدينية في الحوزة العلمية بالنجف ـ العراق سنة 1391 هـ. التحق في عام 1394 هـ، بمدرسة الرسول الأعظم ودرس فيها الأصول والفقه وتفسير القرآن والتاريخ الإسلامي والخطابة والأدب، في عام 1400 هـ هاجر إلى الجمهورية الإسلامية في إيران وشارك في إدارة حوزة القائم العلمية في طهران، ودرّس فيها الفقه والأصول والثقافة الإسلامية والتاريخ الإسلامي، وأكمل دراسة المنهج الحوزوي في الفقه والأصول. انتقل لمتابعة دراساته العالية إلى قم في بداية عام 1412 هـ ودرس البحث الخارج، عاد في نهاية عام 1418 هـ إلى وطنه القطيف. صدر له عدد من المؤلفات منها: "من قضايا النهضة الحسينية أسئلة وحوارات، نساء حول أهل البيت، الحياة الشخصية عند أهل البيت، طلب العلم فريضة، رؤى في قضايا الاستبداد والحرية، صفحات من التاريخ السياسي للشيعة" وغير ذلك..

قافلة السبايا في الكوفة بعد كربلاء (2)

الموقف الكوفي العام:

 

من الواضح أنه تم شل حركة المجتمع الكوفي عن القيام في الرد على استقدام السبايا وهذا ينبغي دراسته والتأمل فيه، وأنه كيف حصل ذلك.

 

صورة مفترضة لما حدث:

 

لقد تم في اليوم الثاني عشر من محرم صباحاً تعطيل الأسواق في الكوفة، بعد ما أدخل ركب السبايا، واعتبر ذلك عطلة رسمية، ومن الطبيعي أن يخرج الناس للتفرج والاستطلاع كما نجد هذه الحالة في كل المجتمعات حيث يحرص الجميع على أن يكون هو بنفسه شاهد الخبر ما لم يكن هناك مانع يمنعه، لا سيما وأن وسائل الإعلام وهي في ذلك الوقت كسائر الأوقات تستدعي الناس للنظر والاطلاع وإن اختلفت أساليبها وتقنياتها ولكن غرضها واحد وهو الإخبار وإيصال رؤية الدولة للناس من خلال الحدث القائم.

 

يفترض أنهم قد داروا بركب السبايا في الشوارع الرئيسية لينتهي إلى المجمع الرسمي الإداري الذي كان ولا يزال قصر الإمارة ويلحق به سجن، ومن الطبيعي أيضاً أن يكون هناك بعض الإدارات المرتبطة به وبجانبه قريباً منه يكون المسجد الأعظم - الكوفة -

 

كذلك نحتمل أنه تم إلحاق رأس الإمام الحسين عليه السلام مع باقي الرؤوس ليكون أبلغ في إيضاح جانب النصر والفتح الأموي بالرغم من أن الرأس الشريف كان قد سبق أن أوصله خِولّى بن يزيد في صبيحة يوم الحادي عشر محرم إلى ابن زياد كما تقدم في سطور سابقة، وربما يكون لهذه الجهة ما نقل من أن زينب عندما رأت رأس الحسين عليه السلام قد ضم إلى باقي الرؤوس من جديد تمثلت بما هو المشهور عنها. (يا هلالاً لمّا استتم كمالا، غاله خسفه فأبدى غروبا، ما توهّمت يا شقيق فؤادي، كان هذا مقدّرًا مكتوبا).

 

كان من الطبيعي أن ينقسم الناس في مواقفهم إلى أقسام؛ متعاطف، وحزين على ما حصل، وآخر متشمت ممن كان من أنصار الأمويين وثالث وهو غير عابئ كثيراً وهو ما نجده في كل المجتمعات فلا تستوقفه المسألة إلا بمقدار ما ترتبط بحياته اليومية من تأثيرها فيها فائدة أو مضرة.

 

من القسم الأول وجدنا مظاهر من التعاطف النفسي والمساعدة بما يمكن، فإن بعض النساء الكوفيات عندما سألن: من أي الأسارى أنتن؟ قالت سكينة: نحن أسارى آل محمد، فلما سمعت النسوة بذلك، استعبرن وبكين، ورفضن هذا الأمر، وذهبن وجمعن أزراً ومقانع، من بيوتهن وجيرانهن حتى تستتر النساء الأسيرات.

 

ومن ذلك ما نقل أيضاً من أن بعض النساء الكوفيات لما رأين في الركب أطفالاً ويتامى، أقبلن عليهن يناولنهن الجوز والتمر والخبز، فأخبرت الأطفال أن لا يأكلوا من ذلك فإن الصدقة محرمة على آل محمد.

 

بعد العرض العام الأسارى في مجلس ابن زياد:

 

نفترض أنه وبعد أن تم العرض على الناس استقدم ركب الأسارى هم إلى قصر ابن زياد، حيث جمع قادته العسكريين والمستشارين السياسيين، ضمن إحساس بنشوة النصر ولكي يظهر ما في نفسه أخذ يتهكم عليهن، موجهاً كلامه أولاً إلى زينب بنت علي عليهما السلام وقد تنحت ناحية وهي متنكرة حتى لا تعرف. فقال: من هذه المتنكرة؟ فقالوا له: هذه زينب بنت علي بن أبي طالب. فقال لها: الحمد لله الذي قتلكم وفضحكم وأكذب أحدوثتكم.

 

ينبغي أن نلاحظ هنا عقيدة الجبر التي كان يبشر بها الأمويون باستمرار وهي على خط التنافي مع (العدل الإلهي) الذي يراه أهل البيت عليهم السلام، وكيف رتب الأمويون نتائج سيئة واستفادوا من تلك العقيدة الخاطئة بل وأبقوها في الأمة - في الفكر المسلم المتأثر بهم - فهو هنا يرى أن (الله تعالى) هو الذي قتل الحسين وفضحه، وفي موضع آخر سيقول إن الله هو نفسه قتل عليّاً بن الحسين وهكذا! لا أن الذي نفذ الجريمة هو ابن زياد وابن سعد وجنودهما.

 

وينقل ابن أعثم في كتابه (الفتوح) حواراً شبه مفصل بهذا النحو وهو يختلف بعض الشيء عما في الطبري (هذه زينب بنت علي رضي الله عنه، فقال ابن زياد: الحمد لله الذي فضحكم وأكذب أحدوثتكم، فقالت زينب: الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمد صلى الله عليه وآله وطهرنا في كتابه تطهيرًا، وإنما يفضح الفاسق ويكذب الفاجر، فقال ابن زياد: كيف رأيت صنع الله بأخيك وأهل بيتك؟ فقالت زينب رضي الله عنها: ما رأيت إلا جميلاً، هؤلاء القوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم يا ابن زياد، فتحاجون وتخاصمون، فانظر لمن الفلج يومئذ ثكلتك أمك يا ابن مرجانة! قال: فغضب ابن زياد من ذلك، فقال له عمرو بن حريث المخزومي: أصلح الله الأمير إنها امرأة، والمرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها، فقال ابن زياد: لقد أشفى الله نفسي من طاغيتك والعصاة المردة من أهل بيتك، فقالت زينب: لقد قتلت كهلي وقطعت فرعي واجتثثت أصلي، فإن كان هذا شفاؤك فقد اشتفيت، فقال ابن زياد: هذه شجاعة لا حرج، لعمري لقد كان أبوك شاعراً شجاعاً، فقالت زينب رضي الله عنها: يا ابن زياد وما للمرأة والشجاعة؟).

 

موقف نبيل من زيد بن أرقم:

 

ومن الحاضرين في ذلك المجلس كان زيد بن أرقم، الذي وقف موقفاً نبيلاً في المواجهة مع كبر سنه، فإنه لما رأى رأس الحسين موضوعاً بين يدي ابن زياد وهو ينكت بقضيب (عود) بين ثنيتيه ساعة فلما رآه زيد بن أرقم لا ينجم عن نكته بالقضيب قال له: أعل بهذا القضيب عن هاتين الثنيتين فوالذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم على هاتين الشفتين يقبلهما ثم انفضخ الشيخ يبكي! فقال له ابن زياد: أبكى الله عينيك فوالله لولا أنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك. قال: فنهض فخرج فلما خرج يقول الراوي: سمعت الناس يقولون والله لقد قال زيد بن أرقم قولاً لو سمعه ابن زياد لقتله، قال فقلت: ما قال؟ قالوا: مرّ بنا وهو يقول ملك عبدٌ عبُدا فاتخذهم تلُدا أنتم يا معشر العرب العبيد بعد اليوم قتلتم ابن فاطمة وأمرتم ابن مرجانة فهو يقتل خياركم ويستعبد شراركم فرضيتم بالذل فبعداً لمن رضى بالذلّ.

 

وأمر ابن زياد بإخراج النساء وإنزالهن في دار قريبة من قصر الإمارة، وقد تكون إحدى غرف السجون المعدة لمثل هذه القضايا، وذلك أن الذي تولى أمره كان مري بن معاذ الأحمري وهو يصنف على ما نسميه اليوم بالشرطة العسكرية. ثم دعا للصلاة جامعة حيث صار قرب وقت الظهر، وجرى ما سبق الحديث عنه من المواجهة القوية مع الشهيد عبد الله بن عفيف الأزدي.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد