من التاريخ

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ فوزي آل سيف
عن الكاتب :
من مواليد سنة «1379 هـ» في تاروت ـ القطيف، درس المرحلة الابتدائية في تاروت وهاجر للدراسة الدينية في الحوزة العلمية بالنجف ـ العراق سنة 1391 هـ. التحق في عام 1394 هـ، بمدرسة الرسول الأعظم ودرس فيها الأصول والفقه وتفسير القرآن والتاريخ الإسلامي والخطابة والأدب، في عام 1400 هـ هاجر إلى الجمهورية الإسلامية في إيران وشارك في إدارة حوزة القائم العلمية في طهران، ودرّس فيها الفقه والأصول والثقافة الإسلامية والتاريخ الإسلامي، وأكمل دراسة المنهج الحوزوي في الفقه والأصول. انتقل لمتابعة دراساته العالية إلى قم في بداية عام 1412 هـ ودرس البحث الخارج، عاد في نهاية عام 1418 هـ إلى وطنه القطيف. صدر له عدد من المؤلفات منها: "من قضايا النهضة الحسينية أسئلة وحوارات، نساء حول أهل البيت، الحياة الشخصية عند أهل البيت، طلب العلم فريضة، رؤى في قضايا الاستبداد والحرية، صفحات من التاريخ السياسي للشيعة" وغير ذلك..

طريق السبايا من الكوفة إلى الشام (2)

مع نفي الخبر تنفتح الأبواب

 

تورط الملتزمون بموضوع خبر إرسال البريد السابق، في سلسلة من المشاكل، فهم لم يستطيعوا الالتزام بما ذكر من أنه سيرجع في أسبوع أو عشرة أيام أو عشرين يومًا أو أكثر، فصار بعضهم إلى احتمال أنهم ربما بقوا في الكوفة مدة شهر من الزمان ولا نعلم ما الذي كانوا يصنعونه خلال هذه الفترة.

 

وإنما الصحيح بعد نفي هذا الخبر بما تقدم.. أن يقال بأنهم بقوا عدة أيام حتى تكتمل حفلة (النصر الأموي) ويظهر ابن زياد باعتباره الفاتح المحامي للدولة ثم يبدأ بتجهيز حراسة مع ركب الأسارى للاتجاه إلى الشام مع اختيار أحد الطرق المناسبة مع إظهار الانتصار لكي يكون هذا رادعًا أمام الناس ألا يتجرأ أحدهم ويعلن الثورة ضد الدولة الأموية، فإذا كان الحسين وهو من هو، ومع ذلك قتل وسبيت نساؤه في البلدان فما ظنك بمن هو دونه؟

 

القائلون بثبيت الأربعين طريقهم واضح

 

بعد هذا طريقهم سهل وسالك في إثبات ما يريدون، فإنهم يستطيعون الاعتماد على ما ورد في الكتب التاريخية، من أن وصول ركب السبايا كان إلى الشام في أول صفر سنة 61 هـ، كحقيقة معتمدة، وأيضًا يعتمدون على ما ثبت بالروايات المعتبرة من أنه (تم إلحاق رأس الحسين عليه السلام بجسده مع ملاحظة أن لا قائل بذلك إلا وهو يثبت أنه كان في الأربعين) ثم يستطيعون أن يثبتوا ذلك من خلال معرفة المسافات بين المدن، وهي تتوافق مع ملاحظة سير الإبل في المسافات الطويلة.

 

وهذا بخلاف المستشكلين فهم لا يقدمون أي نظرية مستقيمة عندهم فضلاً عن أن تكون مقبولة عند غيرهم، وفضلاً عن أن تكون عليها أي قرينة، فهم لا يقدمون سوى مجموعة من الإشكالات والاعتراضات والاستبعادات، وغالبها ناشئ من غير بحث جغرافي أو تاريخي، فهم لا يدرون متى خرج الركب من الكوفة هل هو بعد شهر؟ أو أكثر؟ وفي الطريق حيث أنهم قالوا إنه يمر بأربعين منزلاً وهذا قد يحتاج إلى شهر بل شهرين! ومتى دخل الركب للشام؟ فهو غير واضح، وكم بقي الركب في الشام؟ فهم يقولون: أولًا أنهم سجنوا نحو شهر في دار خربة ثم جعلوا مدة أسبوع لينوحوا، ثم عرض عليهم العودة، متى وصلوا أيضًا إلى كربلاء؟ هو غير معلوم عندهم هل هو بعد عدة أشهر؟ أو هل كان حتى في السنة الثانية؟

 

المسافات وتقديراتها إلى الشام

 

أ/ طريق الذهاب

 

سوف نستفيد هنا مما ذكره المحقق الكرباسي في تتبعه للطريق الذي تم سلوكه في الذهاب إلى الشام من الكوفة حيث يوجد ثلاثة طرق يتجاور اثنان منها ويتباعد الثالث، كما سنستفيد من مما ذكره في موضوع المسافات بين المناطق والمدن والبلدات وربما في رصد بعض الأحداث التي جرت فيها.

 

ذكر المحقق الكرباسي ما مختصره: أن هناك ثلاثة طرق ما بين الكوفة والشام:

 

1/ أقصر الطرق وهو المباشر المار عبر بادية الشام (1006 كلم) وهو الطريق المعهود هذه الأيام -وهو الذي سيكون فيما بعد طريق العودة من الشام إلى كربلاء-.

 

2/ الطريق الموازي لنهر الفرات وهو الذي سلكوه في البداية لكنهم بعد ذلك انعطفوا إلى سلوك الطريق الآخر الموازي لنهر دجلة.

 

3/ الطريق الموازي لنهر دجلة والذي يرتفع إلى الموصل ثم ديار بكر ثم حلب ثم حمص ثم بعلبك وبعدها دمشق، وهذا هو الطريق الذي أوصلهم إلى دمشق، وقد تتبع الكرباسي بحسب الأيام والتواريخ ما يفترض أنهم كانوا فيه في 38 منزلاً وبلدة بين الكوفة ودمشق، وتبلغ طوال مسافاته (2097 كلم) تقريباً.

 

ب / تقديرات المسافات

 

مع ملاحظة أنهم سلكوا الطريق الثالث لأسباب متعددة، وبحسب ما تؤكده الروايات التاريخية، ومشاهد الطريق القائمة فيه، والحوادث التي نقلها المؤرخون في هذه المناطق.

 

فمع ضم ما سبق الحديث عنه، من أن المعدل الوسطي لقطع الإبل المسافة في يوم السفر وهو يكون في الساعة حدود 20 كيلومتراً ومع فرض أنها تسير بحدود ثمان ساعات (سواء كانت تبدأ من السحر كما هو الغالب أو في أول الفجر) فإن ذلك يعني أنها تقطع معدل 160 كيلومترًا في اليوم الواحد وربما تزيد أو تقل.

 

ومع ملاحظة المسافة المذكورة للطريق الثالث، وتقسيم مقدارها على مقدار سير الإبل (160 كلم يومياً) يكون الناتج هكذا ما يقارب 13 يوماً وهو يتوافق مع المذكور من أن دخولهم إلى دمشق كان في أول صفر وأن خروجهم كان في يوم التاسع عشر من شهر محرم سنة 61 هـ، كما قرره المحقق الكرباسي. وأما لو فرضنا بأنهم خرجوا في وقت أبكر من هذا فالأمر أوضح.

 

بل لقد قرر في تاريخ المراقد أنهم وصلوا في يوم الجمعة، وأنه تم تأخير دخولهم دمشق ليتوافق ذلك مع صلاة يوم الجمعة حيث اجتماع الناس ومن خلاله يتم عرض جديد لبيان (النصر الأموي) وهو ما سيأتي الحديث عنه.

 

ج/ طريق العودة

 

سيأتي الحديث عن الآثار التي تركها وجود ركب السبايا في الشام على صورة الأمويين وعلى شخصية يزيد بشكل مباشر، الأمر الذي دعاه للتخلص (من هذا الملف وإغلاقه) والطريق الأسهل في ذلك هو إعادة ركب الأسارى إلى بلادهم، وهذا ما حصل وهنا فلا حاجة لعرض جديد للانتصار بل الحاجة تقتضي من جهة الدولة الأموية لإغلاق الموضوع مما جعلهم يتخذون قراراً بالاستفادة من أقصر الطرق التي تخرج الركب من الشام باتجاه العراق ثم المدينة، وهو الذي لا يتجاوز الألف كيلومتر من خلال قطع بادية الشام. وبالنظر أيضاً إلى نفس المعادلة في قطع المسافة بواسطة الإبل فإن هذه المسافة عبر هذا الطريق لا تحتاج إلى أكثر من ستة أو سبعة أيام، ولكن حيث أنه قد أمر النعمان بن بشير بالرفق والتؤدة، إضافة إلى ما كانت طبيعة الوضع تقتضيه، فإنه قد طال الطريق أكثر من هذا بحيث أنهم عندما خرجوا من دمشق يوم 11/ صفر سنة 61 هـ، وصلوا يوم العشرين من نفس الشهر. فاستغرقوا في هذا الطريق فترة أطول من العادية.

 

إننا مع ما تقدم نجد أنفسنا أمام صورة واضحة، تتطابق مع التواريخ المذكورة، ومع طريق الجغرافيا المتخذ للسير، ومع طبيعة وسرعة النياق والقوافل، ولا نجد في الاستبعادات التي ذكرها مخالفو هذه الفكرة سوى الاستبعادات غير القائمة على بحث ميداني تاريخي أو جغرافي.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد