السيد محمد تقي المدرسي
إن زينب الكبرى سلام الله عليها كانت أفضل من يحمل رسالة عاشوراء، لكي يوقظ الضمير السابت، ويهز الوجدان الهامد، ويفجر طاقات الرفض في أمة التوحيد.. وقد قامت زينب عليها السلام بهذا الدور عبر الخطاب الجماهيري، فساهمت في إشاعة أدب الشهادة، وثقافة التحدي في الأمة.
وعبر اللّقاء المباشر، ففي الكوفة والشام والمدينة ثم بمصر والشام قامت الصديقة بالتحدث إلى الناس وتحريضهم على السلطة الأموية وبيان ما جرى عليهم في الطف، وفلسفة قيام السبط الشهيد في مقاومة السلطة الغاصبة.
ولقد حفظ التاريخ بعض هذه اللقاءات لما فيه من إثارة معينة وأعرض عن الباقي، ونستشهد بما ذكره التاريخ على ما أغفل ذكره.
كانت زينب شريكة منذ بداية القيام الحسيني في التعبئة من أجله؛ فمثلاً يروي البعض أنه في ليلة عاشوراء، وحيث أوكل الإمام الحسين مهمة المحافظة على المخيم إلى أخيه البطل العباس عليهما السلام وقد كان العباس يراقب الوضع بكل حذر، فإذا به يرى سوادًا بين الخيم فنادى من أنت؟ فإذا به أخته زينب.
قال العباس: ما أخرجك في سواد هذا الليل يا أختاه؟
قالت: جئت لكي أحدثك بحديث..
قال: الآن حلا وقت الحديث.
ثم قصت زينب للعباس كيف أن أباها بعد وفاة أمها الصديقة سلام الله عليها سأل أخاه عقيلاً بأن يدلّه على بنت ولدتها الفحولة من العرب، فلما سأله ما تصنع بها، قال لتلد لي شبلاً ينصر أبني الحسين. ثم أضافت زينب قائلة: يا أخي الحرم حرمك.
وهنالك انتفض العرق الهاشمي بين عيني العباس وقال: أوتشجعيني يا أختاه، لأنعمنّ لك عينًا. وهكذا كانت تحرض بريرًا حسب بعض الروايات، وإننا لنرى الصديقة زينب حاضرة في كل لحظة من لحظات الملحمة الكبرى إلى جنب أخيها الإمام الحسين عليه السلام.
وبعد الفاجعة وحينما أسكنت وأهل بيت الرسالة في دار قريبة من دار الأمارة بالكوفة أمرت بأن لا يدخل عليها إلا امرأة سبيت من قبل، لأنها ذاقت مرارة الأسر مثلها. وهناك قامت بدورها في بث الدعوة، ولعل السبب في اختيار هذا النوع من النساء لأنهن أقرب إلى الاستجابة للدعوة ونقل وقائع المأساة إلى الجماهير المحرومة، وهكذا فعلت في الشام والمدينة.
وبعد عودة السيدة زينب إلى حرم جدها كتب والي يزيد على المدينة المنورة إلى يزيد ما يلي: إن وجودها بين أهل المدينة مهيج للخواطر، وإنها فصيحة عاقلة لبيبة، وقد عزمت هي ومن معها على القيام للأخذ بثأر الحسين، فكتب إليه فرّق بينها وبين أهلها.
كيف قامت الصديقة بإثارة أهل المدينة؟
بالنياحة حيث إنها أقامت مجالس العزاء، وكانت هذه المجالس التي لا زالت مستمرة في العالم الإسلامي حتى اليوم، بمثابة مؤسسة إعلامية تتميز بالتعبئة العاطفية، والتوعية الدينية إلى جانب التزكية والتربية.
لقد كان بكاء السيدة زينب ذا هدف رسالي، حيث إنه لم يكن بكاءً ذليلاً، ولا ندمًا على ما مضى ولا جزعًا من المصائب، وإنما كان بكاء تحد وإيقاظ. وهكذا كانت سائر أفعالها التي تبدو في صورة جزع وهلع. إن ممارستها جميعًا كانت هادفة.. مثلاً حينما ضربت رأسها بمقدم المحمل لم يكن ذلك مجرد حالة عاطفية ساذجة، ذلك لأنها كانت تلهب حماس أهل الكوفة بخطابها الصاعق.
وكانت جماهير أهل الكوفة التي صعقها هول الفاجعة تستمع إليها وتتفاعل معها، فخشيت السلطة من انتفاضة عارمة فأمرت حامل رأسٍ الإمام الحسين عليه السلام أن يقترب من محملها لعلها تسكت. فلما رأته أجهشت بالبكاء وضربت رأسها بمقدم المحمل فانفجر الدم من جبينها، فإذا بأهل الكوفة يزدادون غضبًا على يزيد وابن زياد.
إن زينب الصبورة التي كانت قد شاهدت كل تلك المأساة لم تكن لتجزع من رؤية رأسٍ أخيها بالرغم من هول المأساة على قلبها، ولكنها كانت تثير أعمق المشاعر الإنسانية في الناس، وكأنها تقول لهم إن المأساة عظيمة وعظيمة إلى درجة تستحق شق الرأٍس من أجلها، أو تقول لأعدائها نحن لا زلنا مستعدين للتضحية من أجل الله ولا نأبه الموت.
هكذا كان لزينب سلام الله عليها في مقابل كل تصعيد من جانب العدو تحدٍّ فريد وتصعيد جديد، فلما استخدموا أسلوب الإثارة العاطفية باستعراض الرأٍس الشريف استفادت من أسلوب الاستنهاض بضرب رأٍسها بمقدم المحمل، وهي تقول:
يا هلالا لما استتم كمالا
غاله خسفه فأبدا غروبا
ما توهمت يا شقيق فؤادي
كان هذا مقدرًا مكتوبا (1).
ولعل الشيعة تعلموا من زينب سلام الله عليها الكثير من الشعائر الحسينية التي لا زالت تلهب حماس الأمة، وتبقي فاجعة الطف نابضة بالحياة حتى اليوم وكأنها تتجدد في كل عام.. وفي مجلس الطاغية ابن زياد والطاغوت يزيد كلما تمادى الأعداء في صلفهم لجأت الصديقة زينب إلى البكاء فأسكتت أعتى الأعداء، واجتذبت عاطفة الجمهور.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) موسوعة بحار الأنوار / ج 45 ص 115.
الشيخ محمد جواد مغنية
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ محمد صنقور
الشيخ فوزي آل سيف
عدنان الحاجي
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
الشيخ محمد مصباح يزدي
حيدر حب الله
الشيخ علي رضا بناهيان
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
أحمد الرويعي
أسمهان آل تراب
حسين حسن آل جامع
أحمد الماجد
فريد عبد الله النمر
علي النمر
حبيب المعاتيق
زهراء الشوكان
الشيخ علي الجشي
عبدالله طاهر المعيبد
زينب (والمصائب والأحزان) (1)
حقوق أهل البيت (عليهم السلام) في القرآن الكريم (4)
هكذا بلّغت زينب (ع) رسالة عاشوراء
السجَّاد (ع) هو مَن دفن الحسين (ع) (1)
قافلة السبايا في الكوفة بعد كربلاء (1)
الصّلاة برأس مقطوع
سجود القيد في محراب العشق
السلام على ابن سدرة المنتهى
هل هناك نوع من المياه المعبّأة أفضل من غيره؟
حقوق أهل البيت (عليهم السلام) في القرآن الكريم (3)