رغم أن الدافع الظاهري لهجرة الإمام الحسين - عليه السلام - إلى العراق كانت رسائل أهل الكوفة ورسلهم حتى أن الإمام احتج بها عندما واجه الحر بن يزيد الرياحي وعمر بن سعد عندما سألاه عن سر مجيئه إلى العراق فقال: كتب إلي أهل مصركم هذا أن أقدم (1).
إلا أن السر الحقيقي لهجرته - عليه السلام - رغم إدراكه الواضح لما سيترتب عليها من نتائج خطرة ستؤدي بحياته الشريفة، وهو ما وطّن نفسه - عليه السلام - عليه، يمكن إدراكه من خلال الاستقراء الشامل لمسيرة حياته وكيفية تعامله مع مجريات الأحداث.
إن الأمر الذي لا مناص من الذهاب إليه هو إدراك الإمام - عليه السلام - ما يشكله الإذعان والتسليم لتولي يزيد بن معاوية خلافة المسلمين رغم ما عرف عنه من تهتك ومجون وانحراف واضح عن أبسط المعايير الإسلامية، وفي هذا مؤشر خطر عن عظم الانحراف الذي أصاب مفهوم الخلافة الإسلامية، وابتعادها الرهيب عن مضمونها الشرعي.
ومن هنا فكان لابد من وقفة شجاعة تعيد للأمة جانبًا من رشدها المضاع وتفكيرها المسلوب. إن الإمام الحسين - عليه السلام - قد أعلنها صراحة بقوله لما طالبه مروان بن الحكم بالبيعة ليزيد، حيث قال: فعلى الإسلام السلام إذا بليت الأمة براع مثل يزيد.
نعم إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: صنفان من أمتي إذا صلحا صلحت أمتي وإذا فسدا فسدت أمتي، قيل: يا رسول الله ومن هما؟ فقال: الفقهاء والأمراء (2)، فإذا كان صلاح الأمة وفسادها رهن صلاح الخلافة وفسادها، فقيادة مثل يزيد لا تزيد الأمر إلا عيثًا وفسادًا.
إن القيادة الإسلامية بين التنصيص والشورى، ولم يملك يزيد السلطة لا بتنصيص من الله سبحانه ولا بشورى من الأمة، وهذا ما أدركه المسلمون آنذاك حيث كتبوا إلى الحسين - عليه السلام - رسالة جاء فيها: أما بعد فالحمد لله الذي قصم عدوك الجبار العنيد الذي انتزى على هذه الأمة فابتزها أمرها وغصبها فيأها وتأمر عليها بغير رضى منها، ثم قتل خيارها واستبقى شرارها (3).
ولم يكن الولد (يزيد) فريدًا في غصب حق الأمة بل سبقه والده معاوية إلى ذلك كما هو معروف وليس بخاف على أحد، وإلى تلك الحقيقة الممجوجة يشير الإمام علي - عليه السلام - في كتاب له إلى معاوية، حيث يقول: فقد آن لك أن تنتفع باللمح الباصر من عيان الأمور، فقد سلكت مدارج أسلافك بادعائك الأباطيل واقتحامك غرور المين والأكاذيب، وبانتحالك ما قد علا عنك، وابتزازك لما قد اختزن دونك فرارًا من الحق وجحودًا لما هو ألزم لك من لحمك ودمك مما قد وعاه سمعك، وملئ به صدرك، فماذا بعد الحق إلا الضلال المبين.
هذا ونظائره المذكورة في التاريخ ما دفع الحسين إلى الثورة، وتقديم نفسه وأهل بيته قرابين طاهرة من أجل نصرة هذا الدين العظيم، مع علمه بأنه وفقًا لما تحت يديه من الإمكانات المادية لن يستطع أن يواجه دولة كبيرة تمتلك القدرات المادية الضخمة ما يمكنها من القضاء على أي ثورة فتية، نعم إن الإمام الحسين - عليه السلام – كان يدرك قطعًا هذه الحقيقة، إلا أنه أراد أن يسقي بدمائه الطاهرة المقدسة شجرة الإسلام الوارفة التي يريد الأمويون اقتلاعها من جذورها.
كما أن الإمام - عليه السلام - أراد أن يكسر حاجز الخوف الذي أصاب الأمة فجعلها حائرة مترددة أمام طغيان الجبابرة وحكام الجور، وأن تصبح ثورته مدرسة تتعلم منها الأجيال معنى البطولة والتضحية من أجل المبادئ والعقائد، وكان كل ذلك بعد استشهاد الإمام - عليه السلام -، والتاريخ خير شاهد على ذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المفيد: الإرشاد 224 - 228.
(2) القمي: سفينة البحار 2 / 30 مادة أمر.
(3) الجزري: الكامل 2 / 266 - 267، والإرشاد 203.
محمود حيدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ جعفر السبحاني
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ محمد صنقور
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ محمد مهدي الآصفي
عدنان الحاجي
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ شفيق جرادي
حسين آل سهوان
أحمد الرويعي
أسمهان آل تراب
حسين حسن آل جامع
أحمد الماجد
فريد عبد الله النمر
علي النمر
حبيب المعاتيق
زهراء الشوكان
الشيخ علي الجشي
السُؤال في عين كونه جوابًا (1)
فاجعة الطَّفّ: أبعادُها، ثمراتُها، توقيتُها
كعبة الكون، جديد الكاتب حيدر المعاتيق
سورة التكاثر
الدافع الواقعي لهجرة الإمام الحسين (ع) إلى العراق
ثورة الإمام الحسين (ع) الأكثر الأمور حيويّة لتمييز الحقّ عن الباطل
كيف لم يقطع يزيد على السيّدة خطبتَها؟!
طريق السبايا من الكوفة إلى الشام (2)
المؤمن بين الفطنة والتغافل
التّفكير فريضة إسلاميّة