علمٌ وفكر

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عن الكاتب :
أحد مراجع التقليد الشيعة في إيران

شحّة العناصر الترابية على‏ سطح الأرض لعدم كفايتها لأعادة أجسام البشر


الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
شبهة - هناك مسألة شغلت أذهان البعض وأصبحت تمثّل معضلة من معضلات المعاد الجسماني هي مسألة شحّة العناصر الترابية على‏ سطح الأرض.
توضيح ذلك : إننا إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار عدد البشر الذين وضعوا أقدامهم على‏ الكرة الأرضية على‏ مرّ التاريخ وكذلك البشر الذين يلونهم إلى‏ يوم القيامة مع علمنا بأنّ هؤلاء جميعاً سوف يتحولون إلى‏ كميّة هائلة من التراب فإنّه من الصعب جدّاً أن يكفي تراب الكرة الأرضية لإعادة هؤلاء جميعاً يوم القيامة إلّا أن نقول : إنّ البشر يبعثون يوم القيامة بحجم الدُّمى‏، لكنّ هذا غير معقول أيضاً، وعلى‏ أيّة حال فإنّ إعادة هؤلاء البشر بهذه المواصفات تشبه عملية صنع ملايين السيارات مثلًا من كمّية من الحديد لا تزيد على‏ الألف طن.
 

الجواب :
ألم يكن من الأفضل لهؤلاء الذين يطرحون مثل هذه الإشكالات أن يُتعبوا أنفسهم قليلًا قبل طرحها وأن يأتوا بقلم وورق لإجراء احصاء بسيط في هذا المجال ليجدوا أنّ هذه الإشكالات لا أساس لها من الصحة؟
إنّ الماء يشكّل 65 خ إلى‏ 70 خ من جسم كل إنسان. على‏ هذا لا يشكل التراب إلّا ما يقارب 30 خ من وزن الإنسان، فلو فرضنا أنّ التراب يشكّل كلّ وزن الجسم فيا ترى‏ كم هو وزن كميّة من التراب مقدار حجمها متر مكعب واحد؟ إنّه لا يزيد على‏ طنين أو ثلاثة أطنان!، فلو كان الوزن المتوسط لكل إنسان يبلغ ستين كيلو غرام فسوف يكفي كل متر مكعب واحد من التراب لخلق أربعين إنساناً تقريباً.
وطبقاً لهذه الاحصائية فإنّ الكيلومتر المكعب الواحد من التراب الذي هو عبارة عن «مليار متر مكعب» يكفي لخلق ما يقارب ثمانية أضعاف سكّان الأرض الحاليين، وبما أنّ عدد سكان الكرة الأرضية كان قليلًا جدّاً بالنسبة لسكان الأرض الحاليين فإنّه من المحتمل أن لا يزيد عدد جميع البشر الذين وطأوا الأرض على‏ أربعين مليار نسمة.
وكل هذه الحسابات تدور حول كيلومتر مكعب واحد من التراب الذي هو كقطرة في بحر بالنسبة لحجم الكرة الأرضية، فإذا ما أجرينا هذه الحسابات على‏ مائة كيلومتر مكعب أو ألف كيلومتر مكعب من التراب وهي نسبة ضئيلة جدّاً من حجم كل الكرة الارضية فإننا سوف نحصل على‏ أرقام هائلة جدّاً وسوف تتضح لنا حقيقة الأمر بكل سهولة.
فبعد أن أجرينا هذه الإحصائيات على‏ التراب تعالوا لنجري الإحصاءات في هذا المجال من زاوية الزمان.


فنقول : كم هو العمر المتوسط لحياة الإنسان؟ أو بتعبير آخر : كم عمر الجيل الواحد من البشر؟
من المحتمل أن يكون عمر الجيل الواحد ما يقارب الخمسين سنة أو أقل أو أكثر من ذلك بقليل.
بناءً على‏ هذا يكفي الكيلومتر المكعب الواحد من التراب لخلق ثمانية أجيال أي يكفي لخلقهم لمدّة أربعة قرون تقريباً (هذا لو فرضنا أنّ عدد نفوس الأجيال السابقة بعدد نفوس الجيل الحالي، ومن البديهي أنّه لم يكن كذلك).
على‏ هذا فكل ألفين وخمسمائة كيلومتر مكعب من التراب تكفي لخلق هذا العدد من البشر لمدّة مقدارها مليون سنة، ولخلقهم لمدّة أربعة ملايين سنة نحتاج لعشرة الآف كيلومتر مكعّب من التراب فقط.


ونحن على‏ يقين بعدم وجود أيّة نظرية تُقدِّرُ عمر البشر على‏ الكرة الأرضية بأكثر من أربعة ملايين سنة، لكننا لا نعلم كم هي مدّة الفترة الزمانية الفاصلة بين وقتنا الحاضر وبين نهاية الحياة على‏ الأرض.
لذا فإننا لو أجرينا هذا الإحصاء بأي نحو كان فلن يمثّل التراب المتخلّف من جميع البشر على‏ مرّ التاريخ إلّا كمية ضئيلة جدّاً لا تقدّر بأكثر من رقعة صغيرة من الأرض تبلغ مساحتها ألف كيلومتر مكعب لا أكثر في بلد صغير.
هذا بالإضافة إلى‏ أنّ إحصاءاتنا كانت جميعها بحسابات الحد الأعلى‏، لأننا لم نتقيّد بقيد، فلم نعر أيّة أهميّة للماء الموجود في جسم الإنسان ولم نخفِّض من عدد سكّان الأرض في الأجيال السابقة وهو قليل جدّاً بالنسبة لعدد نفوس الجيل الحالي، كما أنّنا أطلقنا العنان في حساب السنين الباقية من عمر الحياة على‏ الأرض.
وقصارى‏ القول : إنّ الادّعاء بعدم كفاية تراب الأرض لإعادة الأجسام يوم القيامة لا يصدر إلّا ممن لا يعرفون العمليات الحسابية الأربع! أي الذين يتكلمون بغير حساب ويرجمون بالغيب!

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد