من التاريخ

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ جعفر السبحاني
عن الكاتب :
من مراجع الشيعة في ايران، مؤسس مؤسسة الإمام الصادق والمشرف عليها

قصّة تآمر قريش على قتل الرّسول (ص)

 

الشّيخ جعفر السبحاني
كان زعماء قريش ورؤساؤها يجتمعون عند كلّ نائبة تنوبهم في دار الندوة لحلّ المشاكل ومعالجة ما عرض لهم من نائبة، من خلال التشاور حولها وتداول الرّأي فيها ومن خلال تضافر الجهود على حلّها ورفعها أو دفعها.
وفي السنوات الثانية عشرة والثالثة عشرة من البعثة، واجه أهل مكة خطراً كبيراً جدّياً، فقد حصل المسلمون على مركز مهمّ وقاعدة صلبة في يثرب، وتعهّد اليثربيون الشجعان بحماية رسول الله (صـلى الله علـيه وآله) والدّفاع عنه، وكلّ هذا كان من علامات ومظاهر ذلك التّهديد الخطير الّذي بات يهدد كيان المشركين والوثنيين والزعامة القرشية.
وفي شهر ربيع الأوّل من السنة الثالثة عشرة من البعثة الّتي وقعت فيه هجرة رسول الله (صـلى الله علـيه وآله)، وبينما لم يكن قد بقي من المسلمين في مكة إلاّ رسول الله (صـلى الله علـيه وآله) وعليّ وأبو بكر وجماعة قليلة من المسلمين المحبوسين أو المرضى أو العجزة، وكان هؤلاء على أبواب الهجرة ومغادرة مكّة إلى المدينة، اتخذت قريش فجأة قراراً قاطعاً وحاسماً وخطيراً جداً في هذا المجال.


فقد انعقدت جلسة هامة للتشاور في دار الندوة، حضرها رؤساء قريش وزعماؤها، وبدأ متكلمهم يتحدث عن تجمع القوى والعناصر الإسلامية وتمركزها في المدينة والبيعة الّتي تمت بين الخزرجيين والأوسيين وبين رسول الله (صـلى الله علـيه وآله). ثم أضاف قائلاً: يا معشر قريش، إنه لم يكن أحدٌ من العرب أعَزَّ مِنّا نحن أهل الله، تفد إلينا العرب في السنة مرّتين ويكرموننا ونحن في حرم الله لا يطمع فينا طامعٌ، فلم نزل كذلك حتّى نشأ فينا محمّد بن عبد الله، فكنّا نسمّيه (الأمين) لصلاحه وسكونه وصدق لهجته، حتّى إذا بلغ ما بلغ وأكرمناه، ادّعى أنه رسول الله، وأن أخبار السماء تأتيه، فسفّه أحلامنا، وسبّ آلهتنا، وأفسد شبّاننا، وفرّق جماعتنا، فلم يرد علينا شيء أعظم من هذا، وقد رأيت فيه رأياً، رأيت أن ندسّ إليه رجلاً منّا ليقتله، فإن طلبت بنو هاشم بدمه أعطيناهم عشر ديات.
فقال رجلٌ مجهول حضر ذلك المجلس، ووصف نفسه بأنّه نجدي: ما هذا برأي، لأن قاتل محمّد مقتول لا محالة، فمن هذا الّذي يبذل نفسَه للقتل منكم؟ فإنه إذا قُتِل محمّد، تعصّب بنو هاشم وحلفاؤهم من خزاعة، وإن بني هاشم لا ترضى أن يمشي قاتل محمّد على وجه الأرض، فيقع بينكم الحروب وتتفانوا.


فقال أبو البختري: نلقيه في بيت ونلقي إليه قوته حتّى يأتيه ريبُ المنون . فقال الشيخ النجديّ مرةً أخرى: وهذا رأيٌ أخبث من الآخر، لأن بني هاشم لا ترضى بذلك، فإذا جاء موسمٌ من مواسم العرب، استغاثوا بهم واجتمعوا عليكم فأخرجوه.
فقال ثالث: نُخرجه من بلادنا ونتفرّغ نحن لعبادة آلهتنا، أو قال نرحّل بعيراً صعباً ونوثّق محمّداً عليه كتافاً، ثم نضربُ البعيرَ بأطراف الرماح، فيوشَكُ أن يقطّعه بين الصخور والجبال إرباً إرباً.
فانبرى ذلك النجدي يخطّئ هذا الرّأي أيضاً قائلاً: أرأيتم إن خلص به البعير سالماً إلى بعض الناس، فأخذ بقلوبهم بسحر بيانه وطلاقة لسانه، فصبأ القوم إليه واستجابت القبائل له قبيلة فقبيلة، فليسيرنَّ حينئذٍ اليكم الكتائب والجيوش، فلتهلكنّ كما هلكت إياد ومن كان قبلكم.
فتحيّروا وساد الصمت ذلك المجلس، وفجأةً قال أبو جهل (وعلى رواية: قال ذلك الشيخ النجدي): ليس هناك من رأي إلاّ أن تعمدوا إلى قبائلكم، فتختاروا من كل قبيلة منها رجلاً قوياً ثم تسلّحوه حساماً عَضباً، وليهجموا عليه معاً باللّيل ويقطّعوه إرباً إرباً، فيتفرق دمه في قبائل قريش جميعاً، فلا تستطيع بنو هاشم وبنو المطلب مناهضة قبائل قريش كلّها في صاحبهم، فيرضون حينئذٍ بالدية منهم!! فاستحسن الجميعُ هذا الرّأي، واتفقوا عليه، ثم اختاروا القتلة، وتقرّر أن يقوموا بمهمتهم إذا جنّ الليل وساد الظلام كلّ مكان...

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد