السّيّد محمّد باقر الحكيم ..
أنزلَ اللهُ تعالى القرآن الكريم هدايةً للعالَمين، ومن أجل أن يحدِّد معالم الطّريق لكلّ البشريّة، من غير أن يختصّ بقومٍ دون قوم، أو بزمانٍ دون آخَر، لكنّه مع ذلك أُنزل باللّغة العربيّة، وهي اللّغة الّتي كانت سائدة في شبه الجزيرة العربيّة، مبعث الرَّسول الخاتم صلّى الله عليه وآله. ولعلّ مردّ ذلك إلى أنَّ الجماعة الأولى الّتي كان يُراد مخاطبتها بالقرآن هم من العرب، وكانت مشيئة الله تعالى أن توجَد ضمن هذه الجماعة القاعدة الّتي ينطلق منها الإسلام، ولولا ذلك لأمكن أن نفترض -والله العالم- نزول القرآن بلغةٍ أخرى.
وقد تطرّق القرآن الكريم في مطاوي آياته إلى تعليل هذه الظّاهرة، مبيّناً جملة من الأسباب «الدّاعية» إلى إنزال الكتاب العزيز باللّغة العربيّة، منها:
أ- اللّغة العربيّة عاملٌ مؤثِّر في استجابة العرب الأوائل للقرآن: فلو أنّ القرآن الكريم أُنزل بغير اللّغة العربيّة لكان من الممكن أن لا يَستجيب العربُ لهدايته ونوره، بسبب حاجز (الأنا) والتّعصُّب الّذي كانوا يعيشونه في الجاهليّة، كما تشير إلى ذلك بعض الآيات القرآنيّة، كقوله تعالى: ﴿وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ * فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ﴾ الشّعراء:198-199.
ب- التّفاعل الرّوحيّ: إنَّ التّفاعل الرّوحيّ والنّفسيّ الكامل مع الهداية والنُّور والمفاهيم القرآنيّة، إنَّما يتحقَّق إذا كان الكتاب بِلُغة القوم الّذين يُراد إيجاد التّغيير الفعليّ فيهم، لأنّ إثارة العواطف والأحاسيس إنّما تكون من خلال التّخاطب باللّغة نفسها، وأمّا المضمون فهو يتفاعل مع العقل والتّفكير المنطقيّ. ولعلَّ هذا السّبب يفسّر السُّنّة الإلهيّة في اختيار الأنبياء من الأقوام المبعوثين إليها، لكي تكون الحجَّة بهؤلاء الرُّسل أبلغ على أقوامهم، وحتّى تكون قدرتهم على التّأثير أكبر، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ..﴾ إبراهيم:4.
ج- التَّحدِّي: يمثّل القرآن الكريم ببيانه وأسلوبه -فضلاً عن مضمونه- معجزةً إلهيّةً خالدة، وهذا الجانب من الإعجاز لا يمكن أن يتحقَّق إلَّا إذا كان بلغة القوم المُنزَل عليهم، لأنَّ (التّحدّي) إنَّما يكون مقبولاً إذا كان باللّغة الّتي يتكلَّم بها النّاس، وإلّا فلا معنى أن نتحدَّى قوماً بكتابٍ ينطق بغير ألسنتهم. وقد كان التّحدِّي في هذا الجانب من الإعجاز باعتبار ما كان يوليه ذلك العصر من أهمّيّةٍ خاصّةٍ للبلاغة والبيان، الأمر الّذي كان له أثر كبير في الخضوع النّفسيّ لهؤلاء العرب لبلاغة القرآن الكريم وروعة بيانه. قال الله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ البقرة:23.
د- اللّغة طريق التَّصوُّر الكامل للرِّسالة: إنَّ التّصوُّر الكامل لأبعاد المضمون واستيعابه بحدوده، لا يمكن أن يتمّ بلغةٍ أخرى للتّخاطب، خصوصاً إذا أخذنا بِنَظر الاعتبار أنَّ الكثير من المضامين القرآنيّة ترتبط بقضايا وآفاق بعيدة عن تصوُّرات وآفاق الإنسان الجاهليّ المُعاصِر لنزول القرآن، إمّا لارتباطها بعالَم الغَيب، أو لطرحها مفاهيم عقائديّة أو اجتماعيّة وإنسانيّة تمثِّل طفرة في النّظرة المحدودة لذلك الإنسان، ولطبيعة العلاقات الاجتماعيّة والإنسانيّة السّائدة آنذاك. ولعلَّ تأكيد القرآن وصفه باللّسان العربيّ إنّما هو باعتبار الإشارة إلى أهمّيّة لغة التّخاطب في توضيح الحقائق والالتزام بالحجّة والتّأثير النّفسيّ: ﴿..وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ﴾ الأحقاف:12.
ويزداد ذلك وضوحاً إذا لاحظنا أنَّ وصف القرآن بالعربيّ جاء في القسم المكّيّ من السُّوَر فقط، الأمر الّذي يؤكِّد التّفسير القائل بأنَّ قضيّة التّغيير كانت منظورة في ذلك، لأنَّ المرحلة المكّيّة هي مرحلة تأسيس القاعدة وانطلاق التَّغيير.
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ محمد مصباح يزدي
الشيخ محمد صنقور
حيدر حب الله
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ علي رضا بناهيان
عدنان الحاجي
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
السيد محمد حسين الطهراني
السيد عباس نور الدين
أحمد الرويعي
أحمد الماجد
فريد عبد الله النمر
حسين حسن آل جامع
علي النمر
حبيب المعاتيق
زهراء الشوكان
الشيخ علي الجشي
عبدالله طاهر المعيبد
شفيق معتوق العبادي
حقوق أهل البيت (عليهم السلام) في القرآن الكريم (1)
ما جدوى إقامة الشعائر الحسينيّة؟
صريع الدمعة الساكبة
تاريخ المأتم الحسيني في القرون الهجريّة الأولى (3)
لن يجد العالم أنقى من راية الحسين (ع)
مفتاح شخصيّة الحسين بن عليّ (ع)
مراسيم النّزوح للبرزخ
رَجْعٌ على جدار القصر
ما يذكره بعض الخطباء في وداع الأكبر (ع)
تاريخ المأتم الحسيني في القرون الهجريّة الأولى (2)