مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد عادل العلوي
عن الكاتب :
السيد عادل العلوي، عالم فاضل وخطيب وشاعر، ولد في السادس من شهر رمضان 1375ﻫ في الكاظمية المقدّسة بالعراق. درس أوّلاً في مسقط رأسه، قبل أن يسافر مع أفراد عائلته إلى قمّ المقدّسة عام 1391ﻫـ ويستقرّ فيها مكبًّا على الدّرس والتّدريس والتأليف، له كثير من المؤلّفات منها: دروس اليقين في معرفة أصول الدين، التقية بين الأعلام، التوبة والتائبون على ضوء القرآن والسنّة، تربية الأُسرة على ضوء القرآن والعترة، عقائد المؤمنين، وغير ذلك. تُوفّي في السابع والعشرين من ذي الحجّة 1442ﻫ في قمّ المقدّسة، ودفن في صحن حرم السيّدة فاطمة المعصومة (عليها السلام).

خلود ثورة الإمام الحسين (ع)

إنّ الإمام الحسين سيّد الشهداء (ع) بثورته الخالدة ونهضته النابعة من صميم الإسلام المحمّدي الأصيل فضح المنافقين على مرّ العصور والأحقاب، وعلى اختلاف مشاربهم وأصناف حيلهم وخدعهم بمن فيهم خلفاء الجور وطغاة بني أميّة الذين بالغوا واجتهدوا لإعادة العرب إلى أيّام الجاهليّة الأولى.

 

كما أبان بتضحياته وسبي عياله مواقف علماء السوء الذين خدموا السلطات الجائرة، وأوضح زيف أشباه الزهّاد والذين تستّروا ببعض الطقوس الظاهريّة وتركوا أهمّ الفرائض الدينيّة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، كما فضح خطّ النفاق على طول التاريخ للذين يتّخذون الثورة وسيلةً لبلوغ مآربهم الدنيويّة من الفساد والإفساد والأطماع والملاذّ واتّباع الأهواء.

 

إنّ الإمام الحسين (ع) بثورته الخالدة، أوغل في عمق الزمان حتّى هيمن عليه، فكان كلّ يوم عاشوراء، وتوغّل في آفاق المكان حتّى أحاط بالكائنات، فكانت كلّ أرض كربلاء، وما ذلك إلّا لأنّ الحسين أبو عبد الله (ع) نهض لله سبحانه، وقام بإحياء دينه بدمه ومهجته وبسبي عياله، فرعاه الله وأمدّه في أفقَي الزمان والمكان، وجعله مصباح هدىً لمن استنار بنوره، واستضاء بضوئه، واهتدى بهداه، وسفينة نجاة من الضلال والذنوب والذمائم لمن ركب فيها، ولا تزال سفينته السريعة والوسيعة تخبّ بحار التاريخ لينجو بها كلّ غريق، ويجيب نداؤه المدوّي في ضمير الإنسانيّة «هل من ناصرٍ ينصرنا» كلّ من يريد أن يعيش بحرّيّة وسلام، فإنّ فرصة الالتحاق به متاحة لكلّ من أراد النجاة والحياة الطيّبة والعيش السعيد.

 

ففي كلّ يوم وفي كلّ عام في أيّام محرّم الحرام يلتحق بالحسين (ع) أعداد هائلة من البشريّة ولسان حالهم يقول: لبّيك يا داعي الله، إن كان لم يجبك بدني عند استغاثتك واستنصارك، فقد أجابك قلبي وسمعي وبصري وكلّ وجودي وما أملك في الحياة.

 

فالحسين (ع) رمز وعنوان وميزان في العقيدة والسلوك والعمل، قام لله لا أشرًا ولا بطرًا ولا مفسدًا ولا ظالـمًا، ودعا إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة على سيرة جدّه وأبيه، ونصر دينه بدمه وأهل بيته وأصحابه، مصلحًا مجاهدًا آمرًا بالمعروف وناهيًا عن المنكر، ليقيم الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر.

 

ليست قضيّة الحسين أنّه قتل وقتل أصحابه وأهل بيته، وسبيت عياله وأطفاله وحسب، بل إنّما القضيّة أعمق من ذلك، فإنّ الحسين (ع) إنّما قام لله من أجل العدالة والحرّيّة وإعلاء كلمة الإسلام، وإحياء كتابه وسنّة نبيّه، في ظروف حلكة وقاسية، أحاطها الركود الاجتماعي، واللامبالاة الجماعيّة، والفساد الأخلاقي والمالي والثقافي والديني من ظهور البدع والأباطيل والضلال وإماتة حدود الكتاب والسنّة.

 

فالثورة الحسينيّة التراث الإلهي والنوري الذي يرجع إليه الثائرون والأحرار على طول التاريخ بما تحمل من عقيدة وإيديولوجيّة صحيحة وواضحة، وسلوك عملي يمارس في النضال والجهاد يترجم تلك العقيدة السليمة، والخطّة الدقيقة المرسومة بحكمة وحِنكة، والاعتماد على النضال المقدّس والعنف المشروع.

 

فالصراع في عاشوراء الحسين (ع) صراع بين الحقّ والباطل، بين القيم الإنسانيّة العليا وبين قيم الجاهليّة الأولى. فالحقّ آنذاك قد طمس نوره، وتغيّرت معالمه، فلا بدّ من ثورة مباركة قدسيّة تزهق الباطل وعوالمه، وتبعث الروح الإسلاميّة والإنسانيّة من جديد، ولتبقى شعلة وهّاجة وشمس مضيئة للأجيال والثوّار على امتداد التاريخ.

 

وكلّ واحد في كلّ زمان ومكان تخطر على باله أسئلة مصيريّة وخطيرة، فمن أنا؟ ومن الذي أوجدني ووهبني ما أنا فيه من النّعم؟ من الذي مهّد لنا الأرض، وسخّر لنا ما في السماوات والأرض؟ وماذا بعد هذه الدنيا؟ وإلى أين تسير بنا الأقدار؟ فإلى أين نذهب؟ وماذا يراد منّا؟ ومثل هذه الأسئلة تثير في الوجدان الإنساني أن يبحث عن حقيقته وعن مسيره في الحياة، وأن يعيش في متنها، لا في الهوامش.

 

وتجد جواب الأسئلة كلّها في قضيّة عاشوراء، فإنّها مدرسة حيّة خالدة، تنبع منها عيون العلوم والمعارف، وتتلألأ منها الحضارات والمدنيّات التي تسودها العدالة ونور الحقّ وضياء الحقائق والمعرفة.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد