مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
عن الكاتب :
فيلسوف، مفسر وعالم دين إسلامي و مرجع شيعي، مؤسس مؤسسة الإسراء للبحوث في في مدينة قم الإيرانية

هادي القلوب

 

الشيخ عبد الله جوادي الآمليّ
إمام العصر ترجمان علم الله
إنّ المساوئ والفواحش التي يرتكبها الظلمة المستكبرون في العالم، لن تطمس محاسن الوجود والنظام الإلهيّ الأفضل. ومعه لن يعتريَ وجه الخليقة المُضيء أيّ غبار أو دخان؛ لأنّ القدرة الإلهيّة لا تجري إلّا في ضوء إمامة العلم والحكمة، اللذين سيظهران في النهاية مع الوجود المبارك لعصارة الوجود وآخر حجج الله؛ ليزاح الستار عن وجه نظام الوجود.
والسرّ فيه: أنّ إمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف، بلحاظ البُعد النظريّ، ترجمان علم الله تعالى: ﴿إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ (البقرة: 30)، ﴿وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ (الطلاق: 12). كما أنّ إمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف بلحاظ البُعد العمليّ هو المصداق الكامل للقدرة والبيان التامّ للعزّة الإلهيّة: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا﴾ (فاطر: 44).


مَظْهرٌ تامّ للإحاطة ورصد القلوب
إنّ نهج الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف يستند إلى القدرة الإلهيّة على الإحاطة بالدنيا طولاً وعرضاً من جهة، وابتداءً وانتهاءً من جهة أخرى: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ (الزمر: 67). مضافاً إلى أدواره الأخرى؛ محاججة الملحدين والمشركين وإقامة البرهان على خطئهم.
وإذا كان إمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف المظهر التامّ لقوله تعالى: ﴿وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾، كان محيطاً بتمام عالم الوجود وبشؤون البشر كلّها. وليس الإمام قلب الجمادات والنباتات فحسب، بل هو قلب السماوات والأرض والبحار والبراري؛ إنّه قلب سائر الأشياء والموجودات. إنّ دور القلب في الإنسان هو إدارة الأعضاء والجوارح، كما أنّ هناك قلباً يرصد قلوب الناس، فكلّ ما يخطر في قلب الإنسان، يكون للوجود المبارك لصاحب العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف -بإذن الله- اطّلاع عليه.
 

تأثير أصحاب النفوس والقلوب
نلاحظ العديد من طلّاب العلوم والمعارف مع نيلهم جملةً من العلوم المختلفة، إلّا أنّهم في مقام العمل يقعون في الزلل، وينزلق بعضهم فيقع في الخطأ. فهذه العلوم لا يمكنها أن تؤثّر في نفس الشخص العالم بها، فما بالك بالتأثير في سائر الناس أو الموجودات؟!
إنّ ما يوقع الأثر الخارجيّ في عالم الخارج إنّما هو نَفْس ونَفَس الإنسان صاحب البصيرة. فمن لم تحقّق نفسه الاستنارة بنور العلم إثر تذلّلها وعبوديّتها لله، ولم تنل ما يناله أولياء الله من نور القلوب، ولم تنتقل من تيه النظر إلى مستقرّ البصر، لن يكون لهذه النفس أيّ أثر وثمرٍ. وإلى ذلك أشار الإمام الصادق عليه السلام بقوله: "ليس العلم بالتعلّم، إنّما هو نورٌ يقع في قلب من يريد الله -تبارك وتعالى- أن يهديه"(1).
وإنّ من لهم نَفْسٌ ونَفَس هم أولياء الله والأئمّة المكرّمون عليهم السلام، ولا سيّما خاتم الأولياء الحجّة ابن الحسن عجل الله تعالى فرجه الشريف، الذي هو محور سلسلة أصحاب أنفاس العالم. ومن هذا المنطلق، تُحيا العقول -في مرحلة الظهور- بنَفَس المسيح الذي هو روح الأرواح لعالم الأحياء.


انقياد القلوب له
إنَّ مَثَل تأثير أولياء الله -لا سيّما تأثير الوجود المقدّس لإمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف- في نفوس الناس كمَثَل تأثير المغناطيس أو الكيمياء؛ إذ المغناطيس يجذب إليه -بقوّته الذاتيّة دون أيّ حركة منه- قطعات الحديد حتّى الثقيل منها، كما أنّ الكيمياء تحيل -بدون إصدار كلام- كلّ أمر غير ذي قيمة إلى مادّة، فتحقّق تحوّلاً جوهريّاً في عالم التكوين.
إنّ لقاء الأنبياء وأئمّة الهدى وأولياء الله له أثر المغناطيس والكيمياء، كما أنّ لهذه الخاصيّة ظهوراً أكبر في حبيب القلوب إمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف؛ لأنّه -على خلاف سائر الأنبياء والأئمّة عليهم السلام- أُجيز له أن يُعمل طاقته "المغناطيسيّة والكيميائيّة" لتغيير مسار العالم. ولهذا السبب يوجِد لقاؤه تحوّلاً في القلوب، فلا يمكن لأحد أن يقاوم انجذابه إلى وجوده المبارك، كما يفقد الحديد مقاومته قبال المغناطيس.
ثمّ إنّ خليفة الله لا ينطق بلغة فلسفيّة أو كلاميّة أو حسب مباني العرفان النظريّ، بل يتكلّم على أساس نور العرفان العمليّ، فيكون كلامه جذّاباً للقلوب وذا بيانٍ ساحرٍ.
هداية القلوب على يد إمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف
يُستفاد من قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾ (الأنبياء: 73) أنّ الأنبياء والأولياء قد بلغوا مقام الإمامة الشامخ؛ أعني: قيادة قلوب البشر وهدايتها بأمر الله الغيبيّ تعالى شأنه.

وللفظ "الأمر" معانٍ متعدّدة؛ قد يكون بمعنى الشأن، أو إصدار التعليمات للمأمور، أو قد يأتي لفظ الأمر مقابل لفظ الخلق(2)، كما يُلاحظ هذا المعنى في الآيات الإلهيّة الواردة في بيان الجهة الملكوتيّة للأشياء: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ (يس: 82).
وإنّ أولياء الله لا يعملون إلّا على أساس قوله تعالى: ﴿يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾ (الأنبياء: 73)، و﴿كُن فَيَكُونُ﴾، ورفع الموانع الماديّة وقضاء الحوائج عندهم من أدنى الكرامات، فمن أراد أن يخرج من الجهل إلى العلم، ومن الظلم إلى العدل، ومن سوء العاقبة إلى حسنها، ومن العذاب إلى نعيم الجنّة، فعليه أن يتعلّق ويتوسّل بكرامات أولياء الله، ولا سيّما الوجود المبارك لصاحب العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف حتّى ينال حاجاته ببركة الأمر ﴿كُن فَيَكُونُ﴾، فيهتدي قلبه إليه.
________________________________________
1.بحار الأنوار، المجلسي، ج1، ص225.
2.راجع: مفردات ألفاظ القرآن، ص88، مادة (أمر).

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد