علمٌ وفكر

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد علي عباس الموسوي
عن الكاتب :
كاتب وباحث اسلامي، استاذ في الحوزة العلمية

المسلمون أمام تحديات التطرف

 

السيد علي عباس الموسوي

لقد تحوّل مصطلح الحرية إلى العنصر الأساس في تشويه صورة الإسلام أمام المجتمعات الغربية، التي وكما أسلفنا تعتبر الحرية أساساً لنهضتها، وتعتبر أي مجتمع فاقد للحرية غير قابل للحياة بل يشكل خطراً يهدّدها.

لذا فإنّ من القضايا التي شغلت الباحثين والمفكِّرين الإسلاميين تشويه الصورة المتعمّد والمبرمج من قبل أعداء الإسلام تجاه هذا الدين الحنيف. لقد كان الفعل آنذاك غربياً معادياً ومباشراً، فالإساءة لشخصيّة النبي وتصويره بصورٍ كاريكاتوريّة أو صناعة الأفلام المسيئة له صدرت عن الغرب بأدواته ووسائله.

ولكن ما يشغل الساحة الإسلامية الآن التشويه الذي يصدر عن الداخل، والذي يصدر باسم الإسلام من قبل بعض المسلمين، لقد كشفت الصراعات التي تعصف بالعالم الإسلامي، بمختلف صورها وأنماطها، عن بعض الوجوه التي تسيء بشدّة لصورة الإسلام، لقد ضيعت هذه الصور المسيئة جهوداً استمرت لسنوات ومن أعلام مستنيرين كانوا نجوماً متألِّقة في عالمنا الإسلامي نفتخر بها ولا يسع الغرب إلا الاعتراف والإعجاب بشخصياتها، فلم تعد تلك الكتابات والمدونات التي عملت على تقديم صورة الاسلام المشرق ذات فائدة أمام الصورة الواقعية التي باتت تخرج للعالم كله.

وتتمثل هذه الصورة المسيئة بخصائص منها:

1ـ الابتعاد عن الإنسانية: يشهد عالمنا الإسلاميّ اليوم تجلياً سيئاً لما هو بعيد تماماً عن الإنسانيّة، وحيث كانت الكرامة الإنسانيّة تمثِّل أساساً في النظريّة الإسلاميّة، فإنّه بعيد أيضاً عن الإسلام، فمشاهد قطع الرؤوس والتمثيل بالجثث والقتل المباشر دون تثبت حتى لمن كان يتشهد الشهادتين، وطريقة القتل تشكل جميعها فعلاً لا إنسانياً.

2ـ دعوى الإسلامية: تعلن كافة الجماعات التي تصدر عنها هذه الصور أنّها تقوم بذلك انطلاقاً من إسلاميّتها، أي إنّها تطبِّق أحكام الإسلام فيما تقوم به، فهي تقوم بإنفاذ أحكام الله بحسب دعواها، وبهذا ينتقل التشوية إلى الإسلام نفسه.

وتزداد الصورة بشاعةً عندما تتلطّى هذه الصور خلف بعض الفتاوى الشاذة التي تصدر عن أشخاص لا يملكون أي أهلية للفتوى، ويتجرأون في إصدار فتاواهم دون ضابطة أو رادع.

ويعمل الغرب بوضوح على استغلال هذه الصورة للإساءة للإسلام ولإفهام مجتمعاته مدى الخطر المحدق به من الإسلام، وبهذا يكون شدّ عصب المجتمعات الغربية للتوسل بذلك للوصول إلى السلطة وتحقيق مخططات مرسومة مسبقة بدقة وعناية.

إنّ هذه الصورة بتمامها تفرض على المسلمين جميعا مهماً كانت اتجاهاتهم أو مذاهبهم السير باتجاه آخر، فمن خلال نهضة الوعي واليقظة يمكن للعقلاء أن يشكِّلوا قوة مواجهةٍ لما يحدث ويتمثّل ذلك بالعمل على التالي:

1ـ التلاقي والاجتماع: لا تثمر الجهود الفردية في ظلِّ مواجهة شرسة كهذه، بل لا بد من تلاقي كافّة الطاقات واجتماعها وتكاتفها، لتبدأ أولا بتوحيد رؤاها في تحديد المخاطر المحدقة بالعالم الإسلامي وتحديد أساليب المواجهة، ومن ثم توزيع الأدوار بما يسمح بقيام جبهة موحدة.

ولا نغفل التشديد هنا على أهمية السعي أولاً لاحترام المقدّسات من قبل كافة الفرق والاتجاهات في الداخل الإسلامي، لأنّ أصعب ما يحول دون التلاقي أن يرى الآخر كيف يجري التعامل مع مقدساته، وكيف تجري الإساءة لها.

2ـ معالجة الداخل: انطلاقاً ممّا تقدم من الخطر الذي يشكله الداخل تتضح أهميّة العمل على معالجة كلِّ مذهب وكلِّ اتجاه لمظاهر الخطر الداخلي، من خلال معالجة جذور التشويه الصادرة عنه، فضبط حركة الداخل خطوة أساس وأولى في مواجهة الخارج؛ لأنّ هذا الداخل هو الذي يوفِّر مادة واسعة يُحارَب بها الإسلام من الخارج.

وهذه المعالجة وإن كانت عملاً صعباً ولكن حيث تصدر عن كافّة الاتجاهات وتُتَّخذ كافة الوسائل والأدوات يمكنها بالفعل أن تحول دون توسّعه أولاً، ثم تحاصره ثانياً، ولا أقل من أن تتمكن من نزع الصورة التمثيلية له للإسلام، وهذا ما يسلبه عنصر إضافة كل ما يقوم به للإسلام.

3ـ الاستفادة من قوة الإعلام: إن خطاب الوعي يجد له آذاناً صاغية، ولكن يحتاج إلى قوة إعلام تسمح له بالوصول إلى الناس كافة. فالغرب يتقن صنع الخبر، وبثه وتحويره والاستفادة منه، ونحن نفتقد إلى قوة فاعلة في هذا المجال. فالإعلام اليوم يتحكم بمشاعر الناس وأحاسيسها ويسيرها بشكل لا شعوري، ولذا لا بد للخطاب الوحدوي المواجه لهذا من أن يسعى لمخاطبة المشاعر وأن لا يبقى خطابا نظريا.

إن هذا لا يتم إلا بتظافر الجهود التي نأمل من خلالها بالوصول إلى الأمة الواحدة مصداقا لقول الله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِي} (الأنبياء، 92).

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين

 

فصلية المنهاج / العدد ٦٩

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد