الشيخ جعفر السبحاني ..
الصافات والقسم بالملائكة
لقد حلف سبحانه بوصف من أوصاف الملائكة، وقال:
أ: (والصّافاتِ صَفًّا).
ب: (فَالزّاجِراتِ زَجْرًا).
ج: (فالتّاليات ذِكرًا * إنَّ إلهَكُم لواحِد)(1).
وكل هذه الثلاثة مقسم به، والمقسم عليه هو قوله: (إنَّ إلهكم لواحد) وإليك تفسير المقسم به فيها.
فالصافات: جمع صافّة: وهي من الصف بمعنى جعل الشيء على خط مستو، يقول سبحانه: (إنَّ اللّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ في سَبِيلِهِ صَفّا)(2) والزاجرات من الزجر، بمعنى الصرف عن الشيء بالتخفيف والنهي، والتاليات من التلاوة، وهي جمع تال أو تالية، غير أنّ المهم بيان ما هو المقصود من هذه العناوين، ولعل الرجوع إلى القرآن الكريم يزيح الغموض عن كثير منها.
يقول سبحانه: حاكيًا عن الملائكة: (وما مِنّا إلاّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُوم * وإنّا لَنَحْنُ الصّافُّون * وإنّا لَنَحْنُ المُسَبِّحُون)(3) فينطبق على الملائكة أنّهم الصافّون حول العرش ينتظرون الأمر والنهي من قبل اللّه تعالى.
نعم وصف سبحانه الطير بالصافات، وقال: (والطَّيرَ صافّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وتَسبِيحَهُ)(4).
وقال: (أو لَمْ يَرَوا إلَى الطَّيْرِ صافّاتٍ ويَقْبضْنَ)(5) كما أمر سبحانه على أن ينحر البدن وهي صواف، قال سبحانه: (والبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللّهِ لَكُمْ فِيها خَيرٌ فاذْكُرُوا اسمَ اللّهِ عَلَيْها صَوافّ)(6).
والمعنى: أن تعقل إحدى يديها وتقوم على ثلاث فتنحر كذلك فيسوي بين أظلفتها لئلاّ يتقدم بعضها على بعض.
وعلى كلّ تقدير فمن المحتمل أن يكون المحلوف به هو الملائكة صافات، ويمكن أن يكون المحلوف به كلّ ما أطلق عليه القرآن ذلك الاسم، وإن كان الوجه الأوّل هو الأقرب.
وأمّا الثانية: أي الزاجرات: فليس في القرآن ما يدل على المقصود به، فلا محيص من القول بأنّ المراد الجماعة الذين يزجرون عن معاصي اللّه، ويحتمل أن ينطبق على الملائكة حيث يزجرون العباد عن المعاصي بالإلهام إلى قلوب الناس، قال سبحانه: (وما أُ نْزِلَ عَلى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ ومارُوتَ وما يُعَلِّمانِ مِنْ أحَدٍ حَتّى يَقُولا إنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ)(7)كما أنّ الشياطين يوحون إلى أوليائهم بالدعوة إلى المعاصي، قال سبحانه: (وكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِىٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الإنْسِ والجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إلى بعضٍ زُخْرُفَ الْقَولِغُرُورًا)(8).
والتاليات: هن اللواتي يتلون الوحي على النبي الموحى إليه.
فالمراد من الجميع الملائكة، وثمة احتمال آخر وهو أنّ المراد من الصفات الثلاث هم العلماء، فإنّهم هم الجماعة الصافة أقدامها بالتهجد وسائر الصلوات، وهم الجماعة الزاجرة بالمواعظ والنصائح، كما أنّهم الجماعة التالية لآيات اللّه والدارسة شرائعه.
كما أنّ ثمة احتمالاً ثالثًا وهو: أنّ المراد هم الغزاة في سبيل اللّه الذين يصفّون أقدامهم، ويزجرون الخيل إلى الجهاد، ويتلون الذكر، ومع ذلك لا يشغلهم تلك الشواغل عن الجهاد.
وأمّا المقسم عليه: فهو قوله سبحانه: (إنَّ إلهكم لَواحد).
والصلة بين المقسم به والمقسم عليه: هو أنّ الملائكة أو العلماء أو المجاهدين الذين وصفوا بصفات ثلاث هم دعاة التوحيد وروّاده وأبرز مصاديق من دعا إلى التوحيد على وجه الإطلاق وفي العبادة خاصة.
ــــــــ
1 - الصافات: 1-4
2 - الصف: 4
3 - الصافات: 164- 166
4 - النور: 41
5 - الملك: 19
6 - الحج: 36
7 - البقرة: 102
8 - الأنعام: 112
عدنان الحاجي
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ محمد مصباح يزدي
الشيخ محمد صنقور
حيدر حب الله
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ علي رضا بناهيان
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
السيد محمد حسين الطهراني
السيد عباس نور الدين
أحمد الرويعي
حسين حسن آل جامع
أحمد الماجد
فريد عبد الله النمر
علي النمر
حبيب المعاتيق
زهراء الشوكان
الشيخ علي الجشي
عبدالله طاهر المعيبد
شفيق معتوق العبادي
نشاط الدّماغ حين نحاول قراءة ما يفكّر به الآخرون
حقوق أهل البيت (عليهم السلام) في القرآن الكريم (2)
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
ليلة وحشة زينب (ع)
حقوق أهل البيت (عليهم السلام) في القرآن الكريم (1)
ما جدوى إقامة الشعائر الحسينيّة؟
صريع الدمعة الساكبة
تاريخ المأتم الحسيني في القرون الهجريّة الأولى (3)
لن يجد العالم أنقى من راية الحسين (ع)
مفتاح شخصيّة الحسين بن عليّ (ع)