الشيخ جعفر السبحاني ..
إنّ القرآن الكريم أحد الثقلين اللّذين تركهما النبي الأكرم ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بين الأُمة الإسلامية، وحث على التمسك بهما، وأنّهما لا يفترقان حتى يردا عليه الحوض، وقد كتب سبحانه على نفسه حفظه وصيانته وقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (1)
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم، فعليكم بالقرآن، فإنّه شافع مشفع، وماحل مصدّق، مَنْ جَعَلَهُ أمامه قاده إلى الجنة، ومَن جعله خلفه ساقه إلى النار » (2)
وقال أمير المؤمنين علي عليه السَّلام: «إنّ هذا القرآن هو الناصح الّذي لا يغش، والهادي الّذي لا يضلّ » (3) وقال عليه السَّلام: «ثمّ أنْزَلَ عليه الكتاب نوراً لا تُطفأ مصابيحه، وسراجاً لا يخبو توقده، ومنهاجاً لا يضل نهجه... وفرقاناً لا يخمد برهانه » (4) بل إنّ أئمة الشيعة جعلوا موافقة القرآن ومخالفته ميزاناً لتمييز الحديث الصحيح من الباطل، قال الصادقـ عليه السَّلام: «ما لم يوافق من الحديث القرآن، فهو زخرف» (5) ومع ذلك كله اتّهمَتِ الشيعة اغتراراً ببعض الروايات الواردة في جوامعهم الحديثةـ بالقول بتحريف القرآن ونقصانه، غير أنّ أقطاب الشيعة وأكابرهم
رفضوا تلك الأحاديث، كما رفضوا الأحاديث الّتي رواها أهل السنة في مجال تحريف القرآن، وصرّحوا بصيانة القرآن عن كل نقصان وزيادة وتحريف.
ونحن نكتفي فيما يلي بذكر بعض النصوص لأعلام الإمامية، الواردة في هذا المجال :
1 ـ قال الصدوق (م 381 هـ): «اعتقادنا في القرآن الّذي أنزله الله تعالى على نبيّه هو ما بين الدفتين، وهو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك، ومَن نسب إلينا أنّا نقول إنّه أكثر من ذلك فهو كاذب» (6(
2 ـ وقال الشيخ المفيد (م 413 هـ): «قد قال جماعة من أهل الإمامة إنّه لم ينقص من كلمة ولا من آية ولا من سورة، ولكن حذف ما كان ثبتاً في مصحف أمير المؤمنين من تأويله وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله، وذلك ثابتاً منزلاً، وإن لم يكن من جملة كلام الله الّذي هو المعجز، وقد يسمّى تأويل القرآن قرآناً. قال تعالى: {وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} (7) ، فسمّى تأويل القرآن قرآناً . وعندي أنّ هذا القول أشبه بمقال مَن ادّعى نقصان كلم من نفس القرآن على الحقيقة دون التأويل، وإليه أميل، ولله أسال توفيقه للصواب، وأمّا الزيادة فمقطوع على فسادها » (8)
3 ـ وقال الشيخ الطوسي (م 460 هـ): أمّا الكلام في زيادته ونقصانه فممّا لا يليق به أيضاً؛ لأنّ الزيادة فيه مجمع على بطلانها، وأمّا النقصان منه، فالظاهر أيضاً من مذهب المسلمين خلافه، وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا، وهو الّذي نصره المرتضى، وهو الظاهر في الروايات.. إلى أن قال: ورواياتنا متناصرة بالحث على قراءته ، والتمسك بما فيه، وردّ ما يرد من اختلاف الأخبار في الفروع إليه، وعرضها عليه، فما وافقه عُمِل به، وما خالفه تُجُنِّب، ولم يُلْتَفَت إليه» (9)
4 ـ قال الطبرسي مؤلف مجمع البيان (م 548): «فأمّا الزيادة فمجمع على بطلانها، وأمّا النقصان منه فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية أهل السنة أنّ في القرآن نقصاناً، والصحيح من مذهبنا خلافه، وهو الّذي نصره المرتضى- قدس الله روحه -، واستوفى الكلام فيه غاية الاستيفاء في جواب المسائل الطرابلسيات، وذكر في مواضع أنّ العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان، والحوادث العظام، والكتب المشهورة، وأشعار العرب، فإنّ العناية اشتدت، والدواعي توفرت على نقله وحراسته، وبلغت إلى حدّ لم تبلغه فيما ذكرناه؛ لأنّ القرآن معجزة النبوّة، ومأخذ العلوم الشرعية والأحكام الدينية، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية، حتى عرفوا كل شيء اختلف فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته، فكيف يجوز أنْ يكون مغيّراً ومنقوصاً مع العناية الصادقة والضبط
الشديد (10)
هؤلاء هم أعلام الشيعة في القرون السابقة من ثالثها إلى سادسها، ويكفي ذلك في إثبات أنّ نسبة التحريف إلى الشيعة ظلم وعدوان . وأمّا المتأخرون فحدّث عنه ولا حرج، فهم بين مصرِّح بصيانة القرآن عن التحريف، إلى باسط القول في هذا المجال، إلى مؤلّف أفرده بالتأليف.
ونختم المقالة بكلمة قيمة للأُستاذ الأكبر الإمام الخميني قال: «إنّ الواقف على عناية المسلمين بجمع الكتاب وحفظه وضبطه، قراءةً وكتابةً، يقف على بطلان تلك المزعمة (التحريف)، وأنّه لا ينبغي أن يركن إليها ذو مسكة، وما
ورد فيه من الأخبار، بين ضعيف، لا يستدل به، إلى مجعول، تلوح منه أمارات الجعل، إلى غريب، يقضي منه العجب، إلى صحيح، يدل على أن مضمونه تأويل الكتاب وتفسيره، إلى غير ذلك من الأقسام الّتي يحتاج بيان المراد منها إلى تأليف كتاب حافل. ولولا خوف الخروج عن طور البحث، لأوضحنا لك أنّ الكتاب هو عين ما بين الدفتين، وأنّ الاختلاف في القراءة ليس إلاّ أمراً حديثاً لا صلة له بما نزل به الروح الأمين على قلب سيّد المرسلين». (11).
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة الحجر : الآية 9.
2 الكافي : ج 2 ص 238.
3 نهج البلاغة : الخطبة 176.
4 نهج البلاغة : الخطبة 198.
5 الكافي : ج 1، كتاب فضل العلم ، باب الأخذ بالسنة ، الحديث 4.
6 عقائد الصدوق : ص 93 من النسخة الحجرية الملحقة بشرح الباب الحادي عشر.
7 سورة طه : الآية 114.
8 أوئل المقالات : ص 55.
9 التبيان : ج 1، ص 3.
10 مجمع البيان : المقدمة ، الفن الخامس ، ولاحظ بقية كلامه.
11 تهذيب الأُصول : تقريراً لأبحاث الإمام الخميني في أُصول الفقه : ج 2، ص 96.
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ جعفر السبحاني
السيد محمد باقر الحكيم
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
السيد جعفر مرتضى
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
الشيخ محمد صنقور
الشيخ علي المشكيني
الشيخ حسين مظاهري
السيد محمد حسين الطهراني
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
حسين حسن آل جامع
فريد عبد الله النمر
الشيخ علي الجشي
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
تحدّي القرآن بالإخبار عن الغيب
الفطرة والغريزة
نظرية أهل البيت (عليهم السلام) في فهم القرآن الكريم
وجود الإنسان والمنظومة الدقيقة
محاضرة للشّعلة بعنوان: ثلاث خطوات لجعل عامك الجديد أكثر نجاحًا
متى تحرّر سلمان الفارسيّ؟ (4)
العلاقة الزّوجيّة في ظلّ المجتمع، محاضرة لأنوار الفتيل في برّ سنابس
لماذا يدخل الإمام علي (ع) عنصر التاريخ في أحاديثه الوعظية؟
الإرادة الإلهيّة
في محاسبة النّفس ومراقبتها