مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
غنيمة حبيب
عن الكاتب :
رئيسة فريق دعم أهالي المدمنين ورئيسة مجلس إدارة الرابطة الوطنية للأمن الأسري في الكويت

خيارات تربوية


غنيمة حبيب ..

ما أصعب أن يجد الإنسان نفسه أمام مفترق طرق لا يخلو أحدهما من التضحية، حيث يجد أن كلًّا من الاتجاهين يعرضه لخسائر مادية كانت أم معنوية، ولعل الرؤية الطبيعية تتضح في هذه الحالة بالمقارنة بين الخسائر والأرباح في كل من الاختيارين.

ولا تخلو حياتنا الأسرية من تلك المواقف، إذ نجد أنفسنا في بعض الأحيان أمام هذا النوع من الاختيارات، خاصة في تلبية طلبات الأبناء، فالبعض يرى أن الشدة مع الأبناء هي الحل والآخر يرى أن التراخي أفضل، حيث يهب أبناءه ما يريدون دون حساب بغض النظر عن النتائج المستقبلية تربويًّا، فيما يتشدد الآخر في تلبية بعض طلباتهم خشية من أن يتولد شعور لدى الأبناء بأن احتياجاتهم سهلة المنال ولا ينبغي القلق اتجاهها، وما يترك ذلك الأمر من أثر سلبي على نمط الحياة لديهم.

وعند النظر إلى هذه المواقف نجد الكثير منا يميلون للاختيار الثاني كونه الاختيار الأسهل على المدى القريب، ويمكن أن نفسر ذلك بطريقتين: فإما أن يكون الوقوع تحت تأثير العاطفة بالتزامن مع قدر من الرخاء المعيشي، وأما أن يكون تنصلًا من المسؤولية التربوية وهروبًا من مواجهة الخيار الأصعب.

إن العاطفة اتجاه الأبناء أمر طبيعي، لكن هذه العاطفة ينبغي أن تكون تحت السيطرة ولا نتركها تؤثر بنا، فالأصل أننا نحب أبناءنا وأن نجهد أنفسنا بما يضمن لهم الحياة الأسهل، ولعل ذلك يتطلب بعض الشدة في معاملتهم، بغية غرس القدرة على التكيف مع الظروف المختلفة في نفوسهم، وتمكينهم من القدرة على مواجهة المواقف الصعبة المحتملة، ما يجعلهم أكثر قوة وصلابة وتهذيبًا.

لقد حبانا الله بنعم لا تعد، ويجب علينا الحفاظ على هذه النعم واستمرارها، لا أن تكون سببًا في جعل أبنائنا أعداء لأنفسهم وللمجتمع، وغير قادرين على مواجهة مصاعب الحياة، لا يشعرون بالمسؤولية ولا يدركون أهمية النعم، فتذهب النعم عندما تصبح بأيدهم، ويتعرض المجتمع للكثير من المشكلات التي من شأنها أن تهدد تماسكه وبناءه.

إن أبناءنا أمانة في أعناقنا، وعلينا كآباء وأمهات أن نكون على قدر المسؤولة الأسرية التي حملناها وارتضيناها لأنفسنا، وقد لا يكون الحل بأن نترجم حبنا لهم بتلبية احتياجات آنية زائفة، كما لا يكون بالحرمان والشدة، بل يتطلب منا أن نكون أكثر اتزانًا ومرونة بما يضمن لنا أبناء طبيعيين قادرين على التكيف مع ظروف الحياة المختلفة، ليكونوا بعد ذلك نتاجًا  طبيعيًّا لامتثالنا لمسئوليتنا التربوية وواجبنا الاجتماعي.