مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عباس الصادق
عن الكاتب :
مواليد عام ١٩٧٨م- حاصل على شهادة الجدارة في الموسيقى وعلم الموسيقى- اختصاص: علم الموسيقى الشامل للتقاليد

الفِلِّيْتِيّ.. انتحبت لأطواره تاروت.. وعطَّلت لفقده الأسواق

 

عباس الصادق
 مقدمة

لا تخلو بطاقات التعريف وتراجم الشخصيّات، من رفد الباحث بالمعلومات في تتبع تطوّر الظواهر الثقافيّة وغيرها؛ وما يطرأ عليها من أثر على مختلف الأصعدة، كما أنّ علم التراجم يُعدّ من فروع علم التاريخ، ومن العلوم التي لا تزال تتصدّر الدراسات في الأروقة العلميّة.

أهميّة تراجم الخطباء والرّواديد

وفي دراسة موسيقى المنبر واللطم الحسينيّ تبرز أهميّة الإضاءة على حياة الخطباء والرّواديد، كونها تكتنز دلالات عميقة قمينة بالقراءة، لتساهم في فهم الموروث التقليديّ التأويليّ لموسيقى المنبر واللطم الحسينيّ، وتحديد الدور الذي اضطلعت به تلك الشخصيّات لا سيّما فيما يرتبط منه بالبُعد الأنثروبولجيّ، وذلك لصلتهم المباشرة بجميع شرائح المجتمع وأطيافه؛ وتلمّس الأثر النّفسيّ والتربويّ الذي تتركه تلك الموسيقى عليهم، كما يلعب خطابهم الوعظيّ والمعرفيّ ضمن فقرة "الحديث أو البحث" في المنبر الحسينيّ دورًا كبيرًا في ارتباطهم بالجمهور من خلال إحياء المواسم الدينيّة والمناسبات الاجتماعيّة، فيكون الخطيب الحسينيّ بالنسبة لـ"الـمِسْتِمْعَة" بمثابة المكتبة المتنقّلة، يزوّدهم بالمعرفة تارة، ويغذّي عواطفهم ويشحذ هِمَمَهُم تارة أخرى.

وبذلك يُشكّل الخطباء والرّواديد حلقة الوصل بين النّاس وبين القيادة الشرعيّة لدى الطائفة الشيعيّة المتمثلة في النبي محمدّ (ص) وأهل بيته (ع) ومراجع الدين، ما يجعل المنبر الحسينيّ من أهم الروافد الفاعلة في بناء المجتمع وتوجيه وشحن الجماهير؛ عبر الارتكاز على تعاليم القرآن الكريم وهدي الإسلام المحمديّ الأصيل. 

الخطيب "الفِلِّيْتِيّ" في الأزهار الأرجيّة

نقف في هذا المقال أمام ما تيسّر حول حياة أحد خطباء المنبر الحسينيّ المشهورين في القطيف، وهو الشيخ علي ابن إبراهيم بن علي بن حسن آل عبد الخالق التاروتيّ، المشهور بالـ"الفِلِّيْتِيّ".  

قليلة هي المعلومات التي وقعت بأيدينا ـ حتى لحظة نشر هذا المقال ـ حول هذا الخطيب الحسينيّ، معتمدين على ما أورده الشيخ فرج العمران في أزهاره الأرجية، حيث أشار إلى أنّ الـ"الفِلِّيْتِيّ" ولد قرابة 1315 هـ/1897، دون أن يشير إلى مكان ولادته.

تحصيلة العلميّ

تعلّم "الفِلِّيْتِيّ" العربيّة والمنطق والبيان والفقه والأصول والطبّ على جملة من علماء وطنه كالشيخ منصور آل سيف والشّيخ رضي الصفّار والشيخ عيسى السِّنِّيّ. وكان جُلّ تحصيله على يد الفاضل الشيخ منصور الغنّام، وكان خطيباً ماهراً حافظاً، كثير المطالعة في الكتب العلميّة والتأريخيّة والأدبيّة وغيرها. كما أنّه كان مُغرماً بشراء الكتب واقتنائها، وينقل عنه أنّه كان يقدّم ذلك على قوته اللازم وحاجته الضروريّة. (1)

وفاته

توفي الخطيب "الفِلِّيْتِيّ" ليلة السبت الثالة من شهر شعبان سنة 1377هـ الموافق 23/02/1958، وشُيّع في الثالث من شعبان تشييعاً باهراً؛ واحتُفل به احتفالاً فخماً، وقد عُطِّلت سوق تاروت في ذلك اليوم، وشَيّعته الأهالي بكلّ أسىً وتلهف، حسب وصف الشيخ العمران، ودفن في مقبرة جزيرة تاروت شرقيّ قبر آية الله العالم الربّاني الشيخ عبد الله بن معتوق التاروتيّ، وأقيمت له أربع فواتح غير فاتحته الخاصّة وهي الخامسة، (اثنتان في مسوّرة تاروت، واثنتان في الخارجيّة، وواحدة في بلدة الربيعيّة). (2)

من تعدد الفواتح إلى تعدّد الخطباء

وهنا نقف عند ظاهرة "تعدد الفواتح" (3) التي كانت سائدة في تلك الحقبة عند موت العلماء والخطباء البارزين، والتي اندثرت وتحولت إلى فاتحة رئيسة يتناوب على منبرها عدد من الخطباء كما شهدنا ذلك في مجالس "الفاتحة" التي أقيمت على من توفي من الخطباء (الخطيب الحسينيّ الشيخ عبد الرسول البصارة، الخطيب الحسينيّ الملا حسن الباقر) خلال السنوات القريبة الفائتة. (4)

البحث عن مجالس منبره المسجلّة
لا يبدو أنّ مجالس الخطيب "الفِلِّيْتِيّ" قد حظيت بالتسجيل، (مع أنّ أجهزة التسجيل دخلت العالم العربيّ بشكل عام منذ 1905م، إلاّ أنّ تسجيل المنابر الحسينيّة في القطيف بدأ في أواخر ستينيّات القرن الفائت؛ حسب علمنا). ومع ترجيح عدم وجود أي تسجيل للخطيب إلّا أنّه من المرجّح أيضاً؛ أن يكون لدى الخطباء الكبار المعاصرين والذين لا يزالون على قيد الحياة، معلومات حول طبيعة منبره، وإذا ما كانت لديه طريقة خاصّة؛ في إنشاد أطوار المنبر الحسينيّ، وإن كان من ملامح لأسلوب أو طريقة يتفقون عليها بشكل مبدئي فهل بمقدورهم وصفها؟ وكيف يمكن تصنيفها بالمقارنة مع الخطباء الآخرين؟ 
هل يمكن أن يندرج أسلوبه ضمن طريقة محدّدة، أم أنّه شكل أسلوباً خاصاً دون أن تكون له طريقة أو مدرسة؟ 
من هم أساتذته في فنون المنبر؟ 
وإذا كان هناك من الخطباء من تتلمذ على يديه فمن هم؟ 
وفي الإجابة على تلك الأسئلة أهمّ ما ينبغي البحث عنه في شخصية الخطيب "الفِلِّيْتِيّ"، ضمن مسار تتبع موسيقى المنبر الحسينيّ وما يرتبط بها من أبعاد مختلفة. (5)

ـــــــــــــــــ
1-  العمران، الشيخ فرج، الأزهار الأرجيّة، م٢، ص٩، دار هجر، بيروت، ١٤٢٩هـ ،٢٠٠٨م.
2-  العمران، الشيخ فرج، الأزهار الأرجيّة، م٣، ص١٠٨، دار هجر، بيروت، ١٤٢٩هـ ،٢٠٠٨م.
3-  الفواتح، جمع فاتحة؛ وهي مجالس المنبر التي يُقيمها أهالي الفقيد في القطيف بعد دفنه؛ مدة 3 أو 5 أيّام، ويستأجرون لها من يتلو القرآن ويرنّم التّصديقة، بالإضافة إلى خطيب حسينيّ، لتقام مجالس التّعزية صباحا وعصراً وليلاً، وربما تقتصر على فترتين فقط، وسُمِّيَت بالفاتحة لكثرة تلاوة المعزّين لسورة الفاتحة خلال تواجدهم في مكان التّعزية؛ قبيل المجلس المنبريّ وبعده
4-  قد نوفّق للحديث باسهاب حول هذه الظاهرة في مقال مستقل.
5-  تواصلنا مع عدد من المهتمين في هذا المجال؛ إلّا أنّنا لم نوفق ـ حتى تاريخ نشر هذا المقال ـ في الوصول إلى من يجيب على هذه الأسئلة البحثيّة.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد