متابعات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عباس الصادق
عن الكاتب :
مواليد عام ١٩٧٨م- حاصل على شهادة الجدارة في الموسيقى وعلم الموسيقى- اختصاص: علم الموسيقى الشامل للتقاليد

تفجير يونيو 1994 في ذاكرة مواكب القطيف والبحرين

 

عباس الصادق

في العشرين من يونيو عام 1994م/ العاشر من شهر محرم عام 1415 هـ، حدث انفجار إرهابيّ في ضريح الإمام علي بن موسى الرضا (ع) بمدينة مشهد بإيران وأدّى إلى استشهاد 25 وجرح 200 من الزّوار بالإضافة إلى الأضرار الماديّة التي لحقت بأروقة المقام ومقتنياته، ووجهت أصابع الإتهام حينها إلى منظمة "مجاهدي خلق"، المدعومة من قوى الاستكبار العالميّ، ومنذ تلك الحادثة الإرهابيّة حتى يومنا هذا فرض المسؤولون إجراءات مشدّدة على بوابات الحرم وحول محيطه، ومُنع الزوار من إدخال المقتنيات الشخصيّة إلى داخل الحرم.

 

هذه الحادثة ألقت بظلالها على مواكب العزاء لا سيّما في القطيف والبحرين، وبحلول ذكرى استشهاد الإمام الرضا (ع) في 17 من شهر صفر من نفس العام الذي وقعت فيه الحادثة "أي بعد 37 يومًا من وقوع الحادثة"، تحوّلت مسيرة اللطم في موكب الشهداء بالقطيف إلى مسيرة شجب واستنكار لذلك التفجير الإرهابي، فكانت أغلب "قوالب" اللطم (الأساسيّة، الوقفات، التحليقات) التي أنشدها الرّواديد في تلك الليلة تصب في ذلك المسار، وكان مما أنشده رادود "الأساسيّة" حينها:

 

خراسان ضُجّي واطلبي الثأر دامياً ...  أيادي لئيم تستبيحُ وتُفسدُ

وتعبثُ حقداً ثمّ تلحق بالأذى ...   ضريح ملاك سوف يبقى يُخلدُ

أإيرانُ هذي كعبة النور أطفأت ... وراياتها حقداً تزال وتبعدُ

سبتقى أروح الله روحاً مجاهداً...  وتشرقُ شمساً ثمَّ هديك يُوردُ

ستبقى معيناً صافياً ومخلّداً...  ومجدك يُتلى ورنينك يرعدُ

وردّد معه المعزون "المستهل":

يا أدمعاً من خدرها تتجارى   فَلتسقي أجراحاً بنت إصرار

للرضا نُجري ...  دمعةَ الثأر

 

وفي الموكب نفسه كانت رسالة إحدى "الوقفات" موجهة إلى تلك المنظمّة الإرهابيّة التي أرادت من خلال ذلك التفجير إشاعة الخوف والرعب في نفوس النّاس، وصناعة الأزمات داخل الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، عبر إثارة الطائفيّة المقيتة فكانت أبيات تلك الوقفة:

 

 

لكم ألف تبا أيا حاقدين  خسئتم ولم تبرحوا خاسئينْ

أتيتم بفعلٍ قبيحٍ لعين   بقبر ابن موسى عليِّ الأمينْ

سفكتمْ بصحن الغريب الدماء    أرقتم عليه دم الأبرياء

حسبتم بأن يخبو ذاك الضياء   خسئتم مراراً أيا أشقياء

ظننتم بأن الكيان العلي    بتفجير قبر الرّضا ينجلي

خسأتم سيبقى وعزّ الولي   سيبقى بعزم المفدّى علي


لطالما ارتبطت المواكب ارتباطاً وثيقاً بمساحة كبيرة من الهموم والآلام التي أجهدت المعزّين عبر الظّروف التّاريخيّة من جهة، وبالآلام والمصائب المأساويّة التي حلت على أهل البيت (ع) من جهة أخرى؛ وما اختزنته من قيم ومبادئ سامية، فكانت المواكب ولا تزال أبرز وسيلة للتّنفيس والمعارضة والشجب والاستنكار. وكأي حادث يهمّ المسلمين كان لحادث تفجير مرقد الإمام الرضا حضور في إحدى "تحليقات" تلك المناسبة حيث ردّد الشبّان المحتشدون:

يا رضا ضلوع البتولة تكسرت بأعتابك

يوم خرت جملة أصحاب الوفا بجوارك 

 

 

 استنكاراً لتلك الوسيلة الوحشيّة التي اتّخذها أولئك الذين عرفوا بـ"المنافقين" لتنفيذ مآربهم في حرم الإمام الرضا (ع) وهتك حرمة أكثر الأماكن قدسية في إيران وقتل الأبرياء، ضيوف الإمام الرضا (ع) أثناء توجههم إلى الله بالدعاء والتضرّع والتوسّل.

هكذا كانت الحال في أغلب مواكب القطيف، أمّا البحرين فكانت الفضاء الأرحب لإطلاق صرخة الشجب والاستنكار لتلك الجريمة النّكراء، فلم تكن سوى المواكب وسيلة للتعبير عن الرّأي، فكان إنشاد الرادود الشيخ حسين الأكرف في موكب عزاء بن سلّوم صرخة مدويّة ضدّ تلك الهمجيّة، وكانت صرخة المعزين حينها: "في ولاكم يا ابن موسى … صبرنا لن يموت"

 

 

 

ويؤكّد الأكرف ذلك الشجب عبر أبيات الشاعر الأستاذ عبد الجليل الدرازيّ بقوله:

واقع التفجير فينا ليس قصة

حرم الثامن مودوعا مــوصّا

أخوة الإسلام تُدمى   إثر غدر واغتيالِ

وتثير الكون ضجة   ليهود من حثالِ

 

وفي موكب آخر من مواكب البحرين جاءت "وقفة" الرادود عبد الشهيد الثور "مسموم أبو محمد غريب الوطن وشحالة " في السياق ذاته:

 

 

 

وفي السياق ذاته أيضاً جاءت "وقفة" الرادود حسن المعلمة "أنيس النفوس وشمس الشموس هذه أدمعنا الحرة"

 

 

الروح من جواها   قد أرسلت تحية

إليك يا إمامي    في الثورة بهية

إلى كل شهيد   في المشهد ضحيّة

بالحقد فجروه   ليحضن المنيّة 

 

هكذا تستدير مجموعة من الأبعاد "الدّينيّة، السياسيّة، الاجتماعيّة" على بعد موسيقى اللطم الحسينيّ وهتافات مواكب العزاء، فهي رغم بساطة مادتها إلّا أنّ وراء تلك البساطة الظّاهرية لمادّتها الصوتيّة نظاماً ومنهجاً وفكراً، إنّما تعكس في جوهرها عمق الفكر الإنسانيّ لدى ناظميها وملحّنيها ومنشديها وناقليها ومطوّريها، لتستحيل إلى ما هي عليه، فتكون معبراً لمن يروم دراسة البُنى المعرفيّة لتلك المجتمعات.

ــــــــــ

 20/06/2020

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد