مقالات

ثورة الحسين (ع) نقطة عطف في التطوّر الاجتماعيّ التاريخيّ‌

الشيخ محسن الأراكي

 

دراسة ثورة الحسين (ع) على ضوء من السنن الإلهيّة

 

لم تكن ثورة الإمام الحسين (ع) الكبرى ثورة استشهاديّة بحتة لم يقصد منها إلّا الاستشهاد، وإنّما كانت هذه الثورة الاستشهاديّة العظيمة طريقاً ووسيلة لتحقيق الأهداف الكبرى الّتي كان يرمي إليها الأنبياء في جهادهم وجهودهم على مدى التاريخ، لا سيّما خاتمهم وسيّدهم أشرف الأنبياء محمّد (ص).

 

وإنّما اتّخذ الإمام الحسين صلوات اللَّه عليه- وبعهد من الله ورسوله معهود- الثورة الاستشهاديّة طريقاً لتحقيق تلك الأهداف والغايات لما كانت تمثّله هذه الثورة الاستشهاديّة من حلقة أساسيّة ضمن سلسلة التطوّرات والأحداث التاريخيّة الّتي كان لا بدّ منها في مسيرة الإنسان الصاعدة نحو المجتمع المطلوب المتمثّل في مجتمع المتّقين الّذي يحكمه عباد الله الصالحون.

 

فلابدّ من أجل معرفة الثورة الحسينيّة مضموناً وغايةً وأسلوباً أن ندرسها في إطارها وموقعها الطبيعيّ من منظومة القوانين والسنن الإلهيّة الّتي تحكم المجتمع والتاريخ، فإنّها تمثّل حلقة من حلقات الأحداث الّتي تنتظم فيها منظومة مواقف الأنبياء وأوصيائهم المنسجمة مع السنن الإلهيّة في التغيير الاجتماعيّ والتطوّر التاريخيّ المتّجه نحو الغاية المنشودة للمجتمع الإنسانيّ، ضمن سنّة الله الّتي تحكم المجتمع والتاريخ.

 

إنّ الأحاديث والروايات الّتي أكّدت على كون الثورة الحسينيّة ثورة إلهيّة قام بها الإمام الحسين (ع) بأمر من الله ورسوله تشير في مضمونها إلى ما تتناوله هذه الدراسة من كون هذه الثورة حلقة من حلقات المواقف التاريخيّة الّتي أمر بها الله سبحانه وتعالى أنبياءه وأوصياءهم ليوجّه بها مسيرة البشريّة الصامدة في إطار من السنن الإلهيّة نحو الأهداف الكبرى، وعلى رأسها إقامة النظام الإلهيّ على وجه الأرض كلّها. ومن جملة ما روي بهذا الشأن:

 

ما روي عن الإمام الباقر صلوات اللَّهِ عَلَيْه جواباً عن سؤال حمران: «جُعِلْتُ فِدَاكَ أَرَأَيْتَ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ قِيَامِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ (عليهم السلام) وَخُرُوجِهِمْ وَقِيَامِهِمْ بِدِينِ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُه وَمَا أُصِيبُوا مِنْ قَتْلِ الطَّوَاغِيتِ إِيَّاهُمْ وَالظَّفَرِ بِهِمْ حَتَّى قُتِلُوا وَغُلِبُوا فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (ع) يَا حُمْرَانُ! إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ كَانَ قَدَّرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَقَضَاهُ وَأَمْضَاهُ وَحَتَمَهُ عَلَى سَبِيلِ الِاخْتِيَارِ ثمّ أَجْرَاهُ فَبِتَقَدُّمِ عِلْمٍ إِلَيْهِمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (ص) قَامَ عَلِيٌّ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ (عليهم السلام) وَبِعِلْمٍ صَمَتَ مَنْ صَمَتَ مِنَّا»(1).

 

وقد روي عن الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر (ع) عن أبيه الإمام الصادق (ع)- في حديث طويل- أنّه قال (ع): «نَزَلَتِ الْوَصِيَّةُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ كِتَاباً مُسَجَّلًا نَزَلَ بِهِ جَبْرَئِيلُ مَعَ أُمَنَاءِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنَ الْمَلَائِكَةِ ..» إلى أن قال: «فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ [أي إلى النبيّ (ص)] وَأَمَرَهُ بِدَفْعِهِ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (ع) ..» إلى أن قال: «فَقُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ [موسى بن جعفر (عليهما السلام)]: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي! أَلَا تَذْكُرُ مَا كَانَ فِي الْوَصِيَّةِ؟ فَقَالَ: سُنَنُ اللَّهِ، وَسُنَنُ رَسُولِه ..»(2).

 

وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق (ع): «إِنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا [أي: الأئمّة من أهل البيت (عليهم السلام)] صَحِيفَةً، فِيهَا مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ فِي مُدَّتِهِ ..» إلى أن قال: «وَأَنَّ الْحُسَيْنَ (ع) قَرَأَ صَحِيفَتَهُ الّتي أُعْطِيَهَا، وَفُسِّرَ لَهُ مَا يَأْتِي بِنَعْيٍ، وَبَقِيَ فِيهَا أَشْيَاءُ لَمْ تُقْضَ، فَخَرَجَ لِلْقِتَالِ ..»(3).

 

إنّ هذه الروايات وأمثالها تؤكّد ما ذكرناه من كون المواقف التاريخيّة الّتي اتّخذها الأئمّة صلوات اللَّه عليهم إنّما جاءت جرياً على السنن الإلهيّة الحتميّة الّتي يسيّر الله بها المجتمع البشريّ نحو الهدف الغائيّ المرسوم له، وهو اختيار البشريّة للنظام العالميّ الإلهيّ القائم على أساس العدل في ضوء شريعة الله الّتي شرّعها لمجتمع الإنسان.

 

الثورة الحسينيّة وحاضر المجتمع البشريّ ومستقبله في ضوء سنن التطوّر الاجتماعيّ في القرآن الكريم‌

 

سنن التطوّر الاجتماعيّ المشار إليها في القرآن الكريم كثيرة، نخصّ بالذكر منها هنا ما هو أشدّ مساساً بالمنعطف التاريخيّ الخطير الّذي أحدثته الثورة الحسينيّة المباركة في تاريخ الإنسان، وبحاضر المجتمع البشريّ ومستقبله. ومنها ما يلي:

 

أوّلًا: سنّة العدل والحقّ.

 

ثانياً: سنّة الاستخلاف.

 

ثالثاً: سنّة الابتلاء والاختبار.

 

رابعاً: سنّة الاستبدال.

 

خامساً: سنّة التداول.

 

سادساً: سنّة التبديل والتغيير.

 

سابعاً: سنّة الإمهال والأخذ.

 

ثامناً: سنّة الاستدراج.

 

تاسعاً: سنّة الإعزاز والإذلال.

 

عاشراً: سنّة الانتظار.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1. الأصول من الكافي 262: 1.

2. المصدر نفسه: 282- 283.

3. المصدر نفسه: 383

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد