﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ * رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللّهِ مِن شَيْءٍ فَي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء * الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء * رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء * رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ﴾ [إبراهيم: 35 - 41]
تتضمن الآيات تذكرة ثانية بجملة من نعمه عقيب التذكرة الأولى التي يتضمنها قوله: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ﴾ فذكر سبحانه أولاً نعمته على جمع من عباده المؤمنين وهم بنو إسرائيل من ولد إبراهيم، ثم ذكر ثانيًا نعمته على جمع آخر منهم وهم بنو إسماعيل من ولد إبراهيم، وهي التي يتضمنها دعاء إبراهيم عليه السلام: ﴿رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا﴾ إلى آخر دعائه وفيها نعمة توفيقه تعالى لهم أن يجتنبوا عبادة الأصنام ونعمة الأمن بمكة وميل الأفئدة إلى أهله ورزقهم من الثمرات وغير ذلك، كل ذلك لأن الله سبحانه هو العزيز الحميد.
قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا﴾ أي واذكر إذ قال إبراهيم والإشارة إلى مكة شرفها الله تعالى. وقد حكى الله سبحانه نظير هذا الدعاء على اختصار فيه عن إبراهيم عليه السلام في موضع آخر بقوله: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ البقرة: 126.
ومن الممكن أن يستفاد من اختلاف المحكيين في التعبير أعني قوله: ﴿اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا﴾ وقوله: ﴿اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا﴾ أنهما دعاءان دعا عليه السلام بهما في زمانين مختلفين، وأنه بعدما أسكن إسماعيل وأمه أرض مكة ورجع إلى أرض فلسطين ثم عاد إليهما وجد من إقبال جرهم إلى مجاورتهما مكانًا ما سرّ بذلك، فدعا عند ذلك مشيرًا إلى مكانهم ﴿رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا﴾ فسأل ربه أن يجعل المكان بلدًا، ولم يكن به، وأن يرزق أهله المؤمنين من الثمرات، ثم لما عاد إليهم بعد ذلك بزمان وجد المكان بلدًا فسأل ربه أن يجعل البلد آمنًا.
ومما يؤيد كونهما دعاءين ما فيهما من الاختلاف من غير هذه الجهة، ففي آية البقرة الدعاء لأهل البلد بالرزق من الثمرات، وفي الآيات المبحوث عنها الدعاء بذلك لذريته خاصة مع أمور أخرى دعا بها لهم.
وعلى هذا يكون هذا الدعاء المحكي عن إبراهيم عليه السلام في هذه الآيات آخر ما أورده الله تعالى في كتابه من كلام إبراهيم عليه السلام ودعائه، وقد دعا به بعدما أسكن إسماعيل وأمه بها وجاورتهما قبيلة جرهم وبنى البيت الحرام وبنيت بلدة مكة بأيدي القاطنين هناك كما تدل عليه فقرات الآيات.
وعلى تقدير أن يكون المحكيان دعاء واحدًا يكون قوله: ﴿رَبِّ اجْعَلْ﴾ إلخ تقديره: رب اجعل هذا البلد بلدًا آمنًا وقد حذف في إحدى الآيتين المشار إليه وفي الأخرى الموصوف اختصارًا.
والمراد بالأمن الذي سأله عليه السلام الأمن التشريعي دون التكويني، فهو يسأل ربه أن يشرع لأرض مكة حكم الحرمة والأمن، وهو - على خلاف ما ربما يتوهم - من أعظم النعم التي أنعم الله بها على عباده، فإنّا لو تأملنا هذا الحكم الإلهي الذي شرعه إبراهيم عليه السلام بإذن ربه، أعني حكم الحرمة والأمن، وأمعنّا فيما يعتقده الناس من تقديس هذا البيت العتيق وما أحاط به من حرم الله الآمن، وقد ركز ذلك في نفوسهم منذ أربعة آلاف سنة حتى اليوم، وجدنا ما لا يحصى من الخيرات والبركات الدينية والدنيوية عائدة إلى أهلها وإلى سائر أهل الحق ممن يحن إليهم ويتعلق قلبه بهم، وقد ضبط التاريخ من ذلك شيئًا كثيرًا، وما لم يضبط أكثر، فجعله تعالى مكة بلدًا آمنًا من النعم العظيمة التي أنعم الله بها على عباده.
قوله تعالى: ﴿واجنبني وبني أن نعبد الأصنام رب إنهن أضللن كثيرا من الناس -إلى قوله - ﴿غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ يقال: جنبه وأجنبه أي أبعده، وسؤاله عليه السلام أن يجنبه الله ويبعده وبنيه من عبادة الأصنام لواذ والتجاء إليه تعالى من الإضلال الذي نسبه إليهن في قوله: ﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ﴾ إلخ.
ومن المعلوم أن هذا الإبعاد والإجناب منه تعالى كيفما كان وأيًّا ما كان تصرف ما وتأثير منه تعالى في عبده بنحو، غير أنه ليس بنحو يؤدي إلى الإلجاء والاضطرار ولا ينجر إلى القهر والإجبار بسلب صفة الاختيار منه إذ لا مزية لمثل هذا الابتعاد حتى يسأل ذلك مثل إبراهيم خليل الله.
فرجع بالحقيقة إلى ما تقدم في قوله تعالى: ﴿يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ﴾ الآية، أن كل خير من فعل أو ترك فإنه منسوب إليه تعالى أولاً، ثم إلى العبد ثانيًا بخلاف الشر من فعل أو ترك فإنه منسوب إلى العبد ابتداء ولو نسب إليه تعالى فإنما ينسب إذا كان على سبيل المجازاة....
فالاجتناب من عبادة الأصنام إنما يتحقق عن إجناب من الله رحمة منه لعبده وعناية، وليس في الحقيقة إلا أمرًا تلبس واتصف به العبد، غير أنه إنما يملكه بتمليك الله سبحانه فهو المالك له بذاته، والعبد يملكه بأمر منه وإذن، كما أن العبد إنما يهتدي عن هداية من الله، وليس هناك إلا هدى واحد لكنه مملوك لله سبحانه لذاته، والعبد إنما يملكه بتمليك منه سبحانه، وأبسط كلمة في هذا المعنى ما وقع في أخبار آل العصمة أن الله يوفق عبده لفعل الخير وترك الشر هذا.
فتلخص أن المراد بقوله عليه السلام ﴿وَاجْنُبْنِي﴾ سؤال ما لله سبحانه من الصنع في ترك العبد عبادة الأصنام، وبعبارة أخرى هو يسأل ربه أن يحفظه وبنيه من عبادة الأصنام ويهديهم إلى الحق إن هم عرضوا أنفسهم لذلك، وأن يفيض عليهم إن استفاضوا لا أن يحفظهم منها سواء عرضوا لذلك أنفسهم أو لم يعرضوا، وأن يفيض عليهم سواء استفاضوا أو امتنعوا فهذا معنى دعائه عليه السلام.
ومنه يعلم أن نتيجة الدعاء لبعض المدعوين لهم وإن كان بلفظ يستوعب الجميع، وهذا البعض هم المستعدون لذلك دون المعاندين والمستكبرين منهم وسنزيده بيانًا.
عدنان الحاجي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ محمد مهدي الآصفي
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ محمد صنقور
الشيخ فوزي آل سيف
حيدر حب الله
السيد عباس نور الدين
محمود حيدر
الفيض الكاشاني
حسين حسن آل جامع
الشيخ علي الجشي
عبدالله طاهر المعيبد
حبيب المعاتيق
شفيق معتوق العبادي
جاسم بن محمد بن عساكر
رائد أنيس الجشي
ناجي حرابة
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد
العوامل وراء الشخصية النرجسية وعلاقتها بأنماط التعلق غير الآمن
جبرئيل علّم آدم عليه السلام المناسك
﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ﴾ (1)
المراحل الثلاثة في رحلة الحج (2)
﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا﴾ (2)
المركز الثّاني للفوتوغرافي شاكر الورش في قطر
أمسية شعريّة لابن المقرّب بمشاركة الشّاعريتن الصّبيح والأنصاري
زفاف النّور إلى النّور
كتاب: المراقبات، أعمال السَّنة
حجّ موسى وعدّة من الأنبياء عليهم السلام