قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد علي التسخيري
عن الكاتب :
ولد في مدينة النجف الأشرف عام 1944م، هو أحد من الشخصيات التقريبية البارزة على مستوى العالم الإسلامي، درس عند مجموعة من كبار علماء الحوزة، منهم: السيد محمد باقر الصدر والسيد أبو القاسم الخوئي والسيد محمد تقي الحكيم والميرزا جواد التبريزي والسيد محمد رضا الكلبايكاني والشيخ وحيد الخراساني والشيخ ميرزا هاشم الآملي والشيخ محمد رضا المظفر.rnكان عضواً في مجلس خبراء القيادة في إيران، وأميناً عاماً للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، وأميناً عاماً لمجمع أهل البيت العالمي، من مؤلفاته: الاقتصاد الإسلامي، المختصر المفيد في تفسير القرآن المجيد، توفي في 18 آب/أغسطس 2020 في طهران، ودُفن في حرم السيدة معصومة في مدينة قم.rn

اتجاهات التفسير في المكي والمدني

توجد في التفسير اتّجاهات عديدة لتفسير هذا المصطلح.

 

أحدها: الاتجاه السائد وهو تفسيره على أساس الترتيب الزماني للآيات واعتبار الهجرة حدًّا زمينًّا فاصلًا بين مرحلتين، فكلّ آية نزلت قبل الهجرة تعتبر مكّيّة، وكلّ آية نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها مكّة، كالآيات التي نزلت على النّبي صلّى اللّه عليه وآله حين كان في مكة وقت الفتح. فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة.

 

والاتّجاه الآخر هو الأخذ بالناحية المكانيّة مقياسًا للتمييز بين المكّيّ والمدنيّ، فكلّ آية يلاحظ مكان نزولها، فإن كان النبيّ صلّى اللّه عليه وآله حين نزولها في مكّة سمّيت مكّيّة، وإن كان حين ذلك في المدينة سمّيت مدنيّة.

 

والاتّجاه الثالث يقوم على أساس مراعاة الأشخاص المخاطبين، فهو يعتبر أنّ المكّيّ ما وقع خطابًا لأهل المدينة.

 

ويمتاز الاتّجاه الأوّل عن الاتّجاهين الأخيرين بشمول المكّيّ والمدنيّ على أساس الاتّجاه الأول لجميع آيات القرآن؛ لأنّنا إذا أخذنا بالناحية الزمنيّة كانت كلّ آية في القرآن إمّا مكّيّة وإمّا مدنيّة، لأنّها إذا كانت نازلة قبل هجرة النبيّ إلى المدينة ودخوله إليها فهي مكّيّة وإن نزلت على النبيّ في طريقه من مكة إلى المدينة، وإذا كانت نازلة بعد دخول المدينة مهاجرًا إلى المدينة فهي مدنيّة مهما كان مكان نزولها.

 

وأمّا على الاتّجاهين الأخيرين في تفسير المصطلح فقد تجد آية ليست مكّية ولا مدنيّة كما إذ كان موضع نزولها مكانًا ثالثًا لا مكة ولا المدينة، ولم تكن خطابًا لأهل مكة أو أهل المدينة، نظير الآيات التي نزلت على النبيّ صلّى اللّه عليه وآله في معراجه أو إسرائه.

 

الترجيح بين الاتّجاهات الثلاثة:

 

وإذا أردنا أن نقارن بين هذه الاتجاهات الثلاثة لنختار واحدًا منها فيجب أن نطرح منذ البدء الاتّجاه الثالث؛ لأنّه يقوم على أساس خاطئ وهو الاعتقاد بأنّ من الآيات ما يكون خطابًا لأهل مكّة خاصّة ومنها ما يكون خطابًا لأهل المدينة، وليس هذا بصحيح فإنّ الخطابات القرآنية عامّة وانطباقها حين نزولها على أهل مكة أو على أهل المدينة لا يعني كونها خطابًا لهم خاصّة أو اختصاص ما تشتمل عليه من توجيه أو نصح أو حكم شرعيّ بهم بل هي عامّة ما دام اللفظ فيها عامًّا.

 

والواقع أنّ لفظ المكّيّ والمدنيّ ليس شرعيًّا حدّد النبيّ مفهومه لكي نحاول اكتشاف ذلك المفهوم، وإنّما هو مجرّد اصطلاح تواضع عليه علماء التفسير، وما من ريب في أنّ كلّ أحد له الحق في أن يصطلح كما يشاء، فلسنا هنا نريد أن نخطّئ الاتّجاه الأوّل أو الاتّجاه الثاني ما دام لا يعبّر كلّ منهما إلّا عن اصطلاح من حق أصحاب ذلك الاتّجاه أن يضعوه، ولكنّا نرى أنّ وضع مصطلح المكّيّ والمدنيّ على أساس الترتيب الزمنيّ كما يقرّره الاتّجاه الأوّل أنفع للدراسات القرآنية؛ لأنّ التمييز من ناحية زمنيّة بين ما أنزل من القرآن قبل الهجرة وما أنزل بعدها أكثر أهميّة للبحوث القرآنيّة من التمييز على أساس المكان بين ما أنزل على النبيّ في مكة وما أنزل عليه في المدينة، فكان جعل الزمن أساسًا للتمييز بين المكّيّ والمدنيّ واستخدام هذا المصطلح لتحديد الناحية الزمنية أوفق بالهدف.

 

وتتجلّى أهميّة التمييز الزمنيّ من التمييز المكاني في نقطتين:

 

إحداهما فقهيّة أي إنّها ترتبط بعلم الفقه ومعرفة الأحكام الشرعيّة وهي أنّ تقسيم الآيات على أساس الزمن إلى مكّيّة ومدنيّة وتحديد ما نزل قبل الهجرة وما نزل بعد الهجرة يساعدنا على معرفة الناسخ والمنسوخ؛ لأنّ الناسخ متأخّر بطبيعته على المنسوخ زمانًا، فإذا وجدنا حكمين ينسخ أحدهما الآخر استطعنا أن نعرف الناسخ عن طريق التوقيت الزمني فيكون المدنيّ منها ناسخًا للمكّيّ لأجل تأخّره عنه زمانًا.

 

والأخرى هي أنّ التقسيم الزمنيّ للآيات إلى مكّية ومدنيّة يجعلنا نتعرّف على مراحل الدعوة التي مرّ بها الإسلام على يد النبي صلّى اللّه عليه وآله؛ فإنّ الهجرة المباركة ليست مجرّد حادث عابر في حياة الدعوة وإنّما هي حدّ فاصل بين مرحلتين من عمر الدعوة، وهما مرحلة العمل الفردي ومرحلة ضمن دولة. ولئن كان بالإمكان‏ تقسيم كل من هاتين المرحلتين بدورها أيضًا، فمن الواضح على أيّ حال أنّ التقسيم الرئيسي هو التقسيم على أساس الهجرة، فإذا ميّزنا بين الآيات النازلة قبل الهجرة وما أنزل منها بعد الهجرة استطعنا أن نواكب تطوّرات الدعوة والخصائص العامّة التي تجلّت فيها خلال كل من المرحلتين.

 

وأمّا مجرّد أخذ مكان النزول بعين الاعتبار وإهمال عامل الزمن فهو لا يمدّنا بفكرة عن هاتين المرحلتين ويجعلنا نخلط بينهما، كما يحرمنا من تمييز الناسخ عن المنسوخ من الناحية الفقهية. فلهذا كلّه نؤثر الاتّجاه الأوّل في تفسير المكّيّ والمدنيّ... 

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد