قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد هادي معرفة
عن الكاتب :
ولد عام 1348هـ بمدينة كربلاء المقدّسة، بعد إتمامه دراسته للمرحلة الابتدائية دخل الحوزة العلمية بمدينة كربلاء، فدرس فيها المقدّمات والسطوح. وعلم الأدب والمنطق والعلوم الفلكية والرياضية على بعض أساتذة الحوزة العلمية، عام 1380هـ هاجر إلى مدينة النجف الأشرف لإتمام دراسته الحوزوية فحضر عند بعض كبار علمائها كالسيد محسن الحكيم والسيد أبو القاسم الخوئي، ثم سافر إلى مدينة قم المقدسة والتحق بالحوزة العلمية هناك وحضر درس الميرزا هاشم الآملي. من مؤلفاته: التمهيد في علوم القرآن، التفسير والمفسِّرون، صيانة القرآن من التحريف، حقوق المرأة في الإسلام.. توفّي في اليوم التاسع والعشرين من شهر ذي الحجّة الحرام من عام 1427هـ بمدينة قم المقدّسة، ودفن بجوار مرقد السيّدة فاطمة المعصومة عليها السلام

آية قصر الصلاة


الشيخ محمد هادي معرفة ..

من الآيات التي وقعت موضع بحث وجدل من حيث دلالتها على المراد، هل المقصود بيان صلاة الخوف فقط أم يعم صلاة المسافر أيضًا فما وجه دلالتها؟.
 ذهب المفسرون إلى تعميم دلالتها استنادًا إلى فعل النبي (ع) والأئمة وسائر المسلمين، منذ العهد الأول كانوا يقصرون من الصلاة استنادًا إلى هذه الآية الكريمة، الواردة - بظاهرها - في صلاة الخوف فقط.
 قال تعالى: ﴿ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا  إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً ﴾ (1)
 ظاهر العبارة، أن جملة الشرط ﴿إن خفتم﴾ قيد في الموضوع، يعني القصر في الصلاة - عند الضرب في الأرض مشروط بوجود الخوف ومن ثم جاء شرح صلاة الخوف في الآية التالية لها.
 والفتنة - هنا: الشدة والمحنة والبلاء، أي خوف أن يفجعوكم بالقتل والنهب والأسر، كما في قوله تعالى:﴿ عَلَىٰ خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ ﴾، وقوله: ﴿ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ ﴾، و﴿ وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ ﴾ (2) أي يفجعوك ببلية وشدة ومصيبة.
 قال الطبرسي: ظاهر الآية يقتضى أن القصر لا يجوز إلا عند الخوف لكنا قد علمنا جواز القصر عند الأمن ببيان النبي (ع) ويحتمل أن يكون ذكر الخوف في الآية قد خرج مخرج الأعم الأغلب عليهم في أسفارهم، فإنهم كانوا يخافون الأعداء في عامتها ومثلها في القرآن كثير (3).
 قال المحقق الفيض: قيل: كأنهم ألفوا الإتمام وكان مظنة لأن يخطر ببالهم أن عليهم نقصانًا في التقصير، فرفع عنهم الجناح لتطيب نفوسهم بالقصر ويطمئنوا إليه (4).
 وروى أبو جعفر الصدوق بإسناده الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم، أنهما قالا: قلنا للإمام أبي جعفر الباقر(ع): ما تقول في الصلاة في السفر، كيف هي، وكم هي؟.
 فقال: إن اللّه عز وجل يقول: ﴿ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ ﴾ (5) فصار التقصير في السفر واجبًا كوجوب التمام في الحضر.
 قالا: قلنا: إنما قال اللّه - عز وجل: ﴿فليس عليكم جناح﴾ ولم يقل: افعلوا، فكيف أوجب ذلك كما أوجب التمام في الحضر؟.
 فقال (ع): أوليس قد قال اللّه - عز وجل: ﴿ان الصفا والمروة من شعائر اللّه فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما﴾ (6) ألا ترون أن الطواف بهما واجب مفروض، لأن اللّه عز وجل - ذكره في كتابه وصنعه نبيه (ع)، وكذلك التقصير في السفر شي صنعه رسول اللّه (ع) وذكره اللّه تعالى ذكره في كتابه.
 قالا: قلنا له: فمن صلى في السفر أربعًا أيعيد أم لا؟.
 قال: إن كان قد قرئت عليه آية التقصير وفسرت له، فصلى أربًعا أعاد، وإن لم يكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا إعادة عليه والصلاة كلها في السفر، الفريضة ركعتان، كل صلاة، إلا صلاة المغرب، فإنها ثلاث ليس فيها تقصير، تركها رسول اللّه (ع) في السفر والحضر ثلاث ركعات وقد سافر رسول اللّه (ع) إلى ذي خشب (7) وهي مسيرة يوم من المدينة، يكون إليها بريدان: أربعة وعشرون ميلًا، فقصر وأفطر، فصارت سنة، وقد سمى رسول اللّه (ع) قومًا صاموا حين أفطر العصاة.
 قال: فهم العصاة إلى يوم القيامة، وإنا لنعرف أبناهم وأبناء أبنائهم إلى يومنا هذا (8).


 وهذا الحديث - على طوله - مشتمل على فوائد جمة:

 أولًا: عدم منافاة بين وجوب التقصير في السفر، وبين قوله تعالى في الآية الكريمة: ﴿فليس عليكم جناح﴾، نظير نفي الجناح الوارد في السعي بين الصفا والمروة، فإنه واجب بلا شك.
 وإنما جاء هذا التعبير لدفع توهم الحظر، حيث شعر المسلمون بأن التكليف هو التمام، كما في سائر العبادات، لا تختلف سفرًا وحضرًا، سوى الصوم والصلاة فدفعًا لهذا الوهم نزلت الآية الكريمة.

 ثانيًا: إن الآية دلت على مشروعية القصر في السفر، وقد فعله رسول اللّه (ع) وفعله المسلمون، وكذلك الأئمة بعده، ولم يتم أحد منهم الصلاة في السفر فمقتضى قواعد علم الأصول، عدم جواز الإتمام، لأن الصلاة عبادة، وهي توقيفية، ولم يعلم مشروعية التمام في السفر، لا من الآيه ولا من فعل الرسول وصحابته الأخيار فمقتضى القاعدة عدم الجواز.
لأن الشك دائر بين التعيين والتخيير، والشك في التكليف في مقام الامتثال، يقتضي الأخذ بالاحتياط، الذي هو القصر في الصلاة إذ يشك في مشروعية ما زاد على الركعتين، ولا تصح عبادة مع الشك في مشروعيتها.

ثالثًا: إن الإمام (ع) لم يتعرض للخوف الذي جاء شرطًا في الآية، فكأنه (ع) فهم أنه موضوع آخر مستقل موضوع السفر وليس قيدًا فيه فالخوف بذاته سبب مجوز للتقصير، كما أن السفر أيضًا سبب، ولا ربط لأحدهما بالآخر.

 فالآية وإن كانت ظاهرة في القيد، وأن أحدهما قيد للآخر، لكن فعل الرسول (ع) وأصحابه وسائر الأئمة، دلنا على هذا التفصيل، وإن كلا منهما موضوع مستقل لجواز القصر، وهكذا فهم الإمام (ع) وفهمه حجة علينا بالإضافة إلى عمل الرسول (ع).


1- النساء/ 101  102.
2- يونس / 83، المائدة / 49، الاسراء/ 73.
3- مجمع البيان، ج3، ص 101.
4- تفسير الصافي، ج1، ص 388  389.
5- النساء/ 101.
6- البقرة / 158.
7- قال ياقوت الحموي: بضم أوله وثانيه، واد على مسيرة ليلة من المدينة معجم البلدان،ج2، ص 372.
8- من لا يحضره الفقيه، ج1، ص 278  279 رقم 1266.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد