سياحة ثقافية

مقام الإمام الرِّضا عليه السلام (2)


القبر المقدّس

تحت الضّريح المطهّر، سردابٌ يستقرّ فيه القبر الشّريف، طوله وعرضه بحدود مترين وثلاثين سنتم. وهناك سرداب محيط ينسحب من داخل الضّريح عن طريق نافذة صغيرة تقع تحت القدم المباركة للإمام الرضا عليه السلام. أمّا القبر الطّاهر فيستقرّ في جوف السِّرداب الذي يقع على عمق عدّة أمتار عن سطح الأرض، وفوقه صندوق يتكوّن من إحدى عشرة قطعة من المرمر، وفوق الصّندوق عدد من المصاحف الشّريفة من بينها المصحف المنسوب إلى خطِّ أمير المؤمنين عليه السلام.
أمّا أقدم حجرٍ رُئي موضوعاً على القبر الشّريف فكان قبل أكثر من تسعة قرون حسب شهادة الخبراء المتخصّصين، وهذا الحجر المرمريّ يُعدّ من الآثار القيّمة التي وصلت عن العصور القديمة، وعلى صفحته كتابات محفورة أشبه ما تكون بالخطّ الكوفيّ، يُعرف من خلالها تاريخ الحجر نفسه حين وُضع على القبر الشّريف.
وقد أُخرج هذا الحجر من السِّرداب قبل عدّة سنوات ووُضع في متحف العتبة الرضويّة المقدّسة كصخرةٍ أثريّة مقدّسة نفيسة، لتكون عند مرأى الزّائرين والمحبّين الموالين للإمام الرضا عليه السّلام، ولجميع المعنيّين بالشُّؤون الأثريّة والتاريخيّة والمعماريّة، ثمّ نُصب مكانه على القبر الطّاهر حجر على يد قائد الثّورة الإسلاميّة الإمام السيّد عليّ الخامنئي دام ظلّه، وكُتب عليه نَسب الإمام الرضا عليه السلام، وعدد من الآيات القرآنيّة، وبيتان لدعبل الخزاعي:
وَقَبرٌ بِطُوس يا لَها مِن مُصِيبَةٍ   ألَحَّت عَلَى الأحشاءِ بِالزَّفَراتِ
 إِلَى الحَشرِ حَتّى يَبعَثَ اللهُ قائمًا    يُفَرِّجُ عَنّا الغَمَّ وَالكُرُباتِ.
وغير ذلك من الكتابات التي لا يتَّسع المقام لذكرها.

القبَّة والمنائر

يعود تاريخ بناء القبّة الأولى إلى القرن الهجري السّادس بأمر السلطان سنجر السلجوقي على يد شرف الدِّين القمِّي، وكان بناؤها -كما يذكر المؤرّخون- من القاشاني، ثمّ بُدّل بعد سنوات بصفائح ذهبيّة برّاقة، لكنها تعرّضت للسَّلب من قبل الأزبكيّين، ثمّ جُدّد بناؤها، ورُصفت من جديد بصفائح الذّهب الخالص في العهد الصفوي حتى أخذت صورتها على ما نراها اليوم.‏
ولاحقاً بُنيت قبّة ثانية فوق القبّة الأُولى، مع ترك فاصلة تتخلّلها نوافذ عديدة. فصارت القبّة الشّريفة كأنّها تتكوّن من سقفَين، أو غطاءين: التّحتيّ منهما ذو منافذ تؤدّي إلى الفوقيّ، وهو مطلٌّ على الضّريح الطّاهر، وقد بُنيت تلك المنافذ على أشكال مُقَعَّرة ومُقَرْنَصة. أمّا الغطاء الخارجيّ للقبّة، فهو مغطّى بالذّهب، مشعّ بأنواره الشمسيّة البهيّة من الخارج.
يبلغ ارتفاع القبّة من أرضيّة الحرم إلى أعلى نقطةٍ في قمّة الـمُحدَّب 31 متراً و20 سنتيمتراً.
وللعتبة الرضويّة المقدّسة ثماني منائر مبنيّة بطراز يتّسم بالروعة والجمال والارتفاع السامق. والملفت للنّظر أنّ القادم -من أيّ جهة أتى- يرى القبّة الشريفة تقع بين منارتين.

الأروقة

إلى جانب المرقد الرَّضوي أبنية مسقَّفة يُطلق عليها اسم الرّواق، ويبلغ عدد هذه الأروقة (26) رواقاً بعضها تمّ إنشاؤها قبل الثّورة الإسلاميّة الإيرانيّة وبعضها بعد الثّورة.
من أشهر هذه الأروقة:
رواق دار الحفّاظ: هو أقدم رواق في العتبة الرضويّة المقدّسة، بنتْه السيّدة گوهرشاد سنة 841 هجريّة متزامناً مع بناء المسجد الجامع المعروف باسمها (گوهرشاد).
خُصِّص هذا الرّواق للرجال، وأُعدّ لإقامة المراسم الخاصّة بتلاوة القرآن الكريم، تسبقها خطبةٌ موجّهة إلى حفّاظ العتبة الرضويّة المقدّسة.
رواق مسجد فوق الرأس: هذا الرّواق من أقدم وأقرب الأروقة إلى جانب الضريح المنوّر، ويقع إلى الجانب الغربي منه. يعود تاريخ بنائه إلى عشرة قرون، ويصلّي المؤمنون والزوّار صلاة الزّيارة في هذا الرّواق.
رواق الشيخ البهائيّ: يقع هذا الرّواق إلى جنوب شرقيّ الحرم الرضويّ المقدّس، محاذياً لدار العبادة، ومتّصلاً من ضلعه الشماليّ بساحة الحريّة [يأتي الحديث عن ساحات العتبة الرضوية]، ومتّصلاً بساحة الإمام الخمينيّ من ضلعه الجنوبيّ عن طريق ثلاثة أبواب. أمّا من جهته الشرقيّة فيقع رواق دار العبادة، ومن جهته الغربيّة يقع رواق دار الزُّهد. ويقع في وسطه  قبر العالم الشهير الشيخ بهاء الدِّين العامليّ، وقد نُقشت على صخرة قبره، وكذا على القاشانيّ الذي يكسو جدار الممرّ، نبذةٌ مختصرة عن حياته.
رواق دار الثّورة: هذا الرّواق أکبر الأروقة التابعة للحرم الرّضوي ومساحته 3650 م2، يقع شمال ساحة الثّورة الإسلاميّة. والجدير بالذِّکر أنّ مساحة الأروقة التي أُنشئت قبل الثّورة الإسلاميّة کانت 2838 م2، غير أنّ الأروقة التي تمّ بناؤها بعد الثّورة تتجاوز مساحتها 12300 م2.

الصُّحون أو الساحات
يتألّف الحرم الرّضوي الشّريف حالياً من خمس ساحات رئيسة، هي:
• السّاحة القديمة (الصحن العتيق) اسمها اليوم ساحة الثورة (صحن انقلاب‌) وتقع إلى الجهة الشماليّة من الحرم، ويبلغ طولها 104م وعرضها 64 م وتحوي أربعة أواوين، وفي وسطها حوض ماء، وفيها مرقد الشيخ الحرّ العاملي (صاحب وسائل الشيعة) رضوان الله عليه.
• السّاحة الجديدة أُنشئت عام 1947م واسمها الآن ساحة الحريّة (صحن آزادي) وتقع إلى الجهة الشرقيّة من الحرم بطول 5،81 م وعرض 51 م عرضاً، ويحوي هذا الصّحن أربعة أواوين.
•  ساحة المتحف (صحن موزة) وسمِّيت بعد الثّورة الإسلاميّة بساحة الإمام (صحن إمام) وتحوي بنايات المتحف والمكتبة والخزينة.
•  ساحة الجمهوريّة الإسلاميّة (صحن جمهوري إسلامي) التي أقيمت بعد انتصار الثّورة الإسلاميّة وتبلغ مساحتها 25000 م2 وتقع إلى جانب مسجد (گوهرشاد) وتتّصل برواق دار السِّيادة.
• ساحة القدس (صحن قدس) وتمّ إنشاؤها بعد الثورة الإسلاميّة وتقع أمام صحن الإمام ومسجد (گوهرشاد) وتبلغ مساحتها حوالي 60000 م2.

المراكز العلميّة والثقافيّة التّابعة للعتبة الرضويّة

• مؤسّسة التّحقيقات الإسلاميّة: تأسّست عام 1984م، وتضم أساتذة جامعيّين وباحثين يعملون ضمن عشرين مجموعة علميّة تخصّصيّة، وهي: القرآن، والكلام، والفلسفة، والفقه، ونهج البلاغة، والأديان، ومراجعة وتصحيح المخطوطات والكتب الإسلاميّة، والأدب، والثقافة الإسلاميّة، وجغرافية الدُّول الإسلاميّة، وكذلك التّرجمة للغات عديدة، وعلم الاجتماع، وعلم اللّغة والفنون الإسلاميّة، وأدب الأطفال، والتّاريخ الإسلامي والفلك والنّجوم، كما تصدر عنها مجلّة (مشكوة).
• جامعة العلوم الإسلاميّة الرضويّة: افتُتحت عام 1984م، من أهمّ أهدافها تربية وإعداد المفكِّرين الإسلاميّين المتحدِّثين باللُّغات الحيّة الموجودة في العالم، ليكونوا قادرين على إيصال ‌الإسلام ومفاهيم الثّورة الإسلاميّة وعلوم أهل البيت عليهم السلام إلى الباحثين عن الحقيقة في كلِّ أنحاء العالم.
• مؤسَّسة الطِّباعة والنَّشر: تأسَّست عام 1983م، هدفها طباعة الكُتب الإسلاميّة وغير الإسلاميّة القيِّمة، وقد جرى طباعة المئات منها في مواضيع مختلفة.
• المكتبة الرضويّة (المركزيّة):  تقع داخل الرَّوضة الرضويَّة، وهي مكتبة ضخمة تضمّ مجموعة هائلة من الكُتب والمخطوطات النَّادرة يصل عددها إلى خمسمائة ألف كتاب بلغات عالميّة، ويبلغ عدد المخطوطات منها واحداً وثلاثين ألفاً.
ووفقاً لإحصاء عام 1986م فإنّ المكتبة الرّضويّة ضمّت أكثر من 200 ألف كتاب، وارتفع هذا العدد في السّنوات العشر الأخيرة إلى نصف مليون كتاب.

المتاحف

ومن المرافق الثقافيّة المتعلِّقة بالنّشاط الثّقافي الدُّولي مديريّة شؤون المتاحف والمعارض، وتشرف على أربعة متاحف، أهمها:
• المتحف الرّضوي (المركزي): افتُتح عام 1945م وكان حينها خارج الروضة الرَّضوية، ومنذ عام 1977م تمّ نقله إلى مكانه الحالي داخل الروضة وبمساحة (1500) م2 ويضمّ قطعاً نادرة وثمينة.
• متحف القرآن الكريم: بدأ عمله عام 1981م بجمع أكبر عدد ممكن من المصاحف المخطوطة قديماً، بعضها مدوّن بأيدي أئمّة أهل البيت عليهم السلام. وتمّ افتتاحه عام 1985 تزامناً مع ذكرى انتصار الثّورة الإسلاميّة.

الأعلام المدفونون في الحَرَم الرضوي

دُفِن علماء وأناسٌ عظام وذوو مقامٍ رفيع بجوار مرقد الإمام الرضا صلوات الله عليه، وكانوا جميعهم من محبّي وخدّام العتبة الرّضويّة المقدَّسة، من هؤلاء الأعلام: الشيخ البهائي العاملي، وآية الله العظمى الشّيخ محمّد تقي آملي، والحاج الشيخ غلام حسين التبريزي، والملّا عباس تربتي المعروف بالحاج الآخوند، والمرجع الديني في وقته السيد محمد هادي الميلاني، والعلّامة السيّد محمّد الحسين الحسيني الطّهراني، وآية الله الميرزا حسين السّبزواري، وآية الله الشيخ أبو الحسن الشيرازي (المقدسي)، والشيخ الطّبرسي (صاحب الاحتجاج)، والحاج الشيخ غلام رضا الطّبسي، والشيخ الحرّ العاملي، والشيخ هاشم القزويني، والعارف الفقيه الشيخ حسن علي الأصفهاني (نخودكي)، وغيرهم كُثُر.
ــــــــــــــ
أحمد الموسوي، مجلة شعائر العدد 18

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد