مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد محمد باقر الصدر
عن الكاتب :
ولد في مدينة الكاظمية المقدسة في الخامس والعشرين من ذي القعدة سنة 1353 هـ، تعلم القراءة والكتابة وتلقى جانباً من الدراسة في مدارس منتدى النشر الابتدائية، في مدينة الكاظمية المقدسة وهو صغير السن وكان موضع إعجاب الأساتذة والطلاب لشدة ذكائه ونبوغه المبكر، ولهذا درس أكثر كتب السطوح العالية دون أستاذ.rnبدأ بدراسة المنطق وهو في سن الحادية عشرة من عمره، وفي نفس الفترة كتب رسالة في المنطق، وكانت له بعض الإشكالات على الكتب المنطقية. بداية الثانية عشرة من عمره بدأ بدراسة كتاب معالم الأصول عند أخيه السيد إسماعيل الصدر، سنة 1365 هـ هاجر إلى النجف الاشرف، لإكمال دراسته، وتتلمذ عند آية الله الشيخ محمد رضا آل ياسين وآية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي. أنهى دراسته الفقهية عام 1379 هـ والأصولية عام 1378 هـ عند آية الله السيد الخوئي.rnمن مؤلفاته: فدك في التاريخ، دروس في علم الأصول، نشأة التشيع والشيعة، فلسفتنا، اقتصادنا وغير ذلك.

لماذا تعتبر العبادة حاجة ثابتة؟


السيد محمد باقر الصدر
كما ولد الإنسان وهو يحمل كل إمكانات التجربة على مسرح الحياة، وكل بذور نجاحها من رشد وفـاعلية وتكليف، كذلك ولد مشدودًا بطبيعته إلى المطلق، لأن علاقته بالمطلق أحد مقومات نجاحه وتغلبه على مشاكله في مسيرته الحضارية كما رأينا، ولا توجد تجربة أكثر إمدادًا وأرحب شمولًا وأوسـع مـغـزى مـن تـجربة الإيمان في حياة الإنسان، الذي كان ظاهرة ملازمة للإنسان منذ أبعد الـعصور وفي كل مراحل التاريخ، فإن هذا التلازم الاجتماعي المستمر يبرهن ـ تجريبيًّا ـ على أن الـنـزوع إلى المطلق، والتطلع إليه وراء الحدود التي يعيشها الإنسان اتجاه أصيل في الإنسان، مهما اختلفت أشكال هذا النزوع، وتنوعت طرائقه ودرجات وعيه. 


ولكن الإيمان كغريزة لا يكفي ضمانًا لتحقيق الارتباط بالمطلق بصيغته الصالحة، لأن ذلك يرتبط في الـحقيقة بطريقة إشباع هذه الغريزة وأسلوب الاستفادة منها، كما هي الحال في كل غريزة أخرى، فـإن التصرف السليم في غشباعها على نحو مواز لسائر الغرائز والميول الأخرى ومنسجم معها هو الـذي يـكـفـل المصلحة النهائية للإنسان، كما أن السلوك وفقًا لغريزة أو ضدها هو الذي ينمي تلك الـغـريـزة ويعمقها أو يضمرها ويخنقها، فبذور الرحمة والشفقة تموت في نفس الإنسان من خلال التعاطف العملي المستمر مع البائسين والمظلومين والفقراء. 


ومن هنا كان لابد للإيمان باللّه والشعور العميق بالتطلع نحو الغيب والانشداد إلى المطلق، لابد لذلك من توجيه يحدد طريقة إشباع هذا الشعور، ومن سلوك يعمقه ويرسخه على نحو يتناسب مع سائر المشاعر الأصلية في الإنسان. 
وبدون توجيه قد ينتكس هذا الشعور ويمنى بألوان الانحراف، كما وقع بالنسبة إلى الشعور الديني غير الموجه في أكثر مراحل التاريخ.
وبـدون سـلـوك مـعـمق قد يضمر هذا الشعور، ولا يعود الارتباط بالمطلق حقيقة فاعلة في حياة الإنسان، وقادرة على تفجير طاقاته الصالحة. 
والدين الذي طرح شعار: (لا إله إلا اللّه)، ودمج فيه الرفض والإثبات معًا هو الموجه. 


والعبادات هى التي تقوم بدور التعمق لذلك الشعور، لأنها تعبير عملي وتطبيقي لغريزة الإيمان، وبها تنمو هذه الغريزة وتترسخ في حياة الإنسان. 
ونـلاحظ أن العبادات الرشيدة بوصفها تعبيرًا عمليًّا عن الارتباط بالمطلق يندمج فيها عمليًّا الإثبات والرفض معًا، فهي تأكيد مستمر من الإنسان من الارتباط باللّه تعالى، وعلى رفض أي مطلق آخر من المطلقات المصطنعة فالمصلي حين يبدأ صلاته ب (اللّه أكبر) يؤكد هذا الرفض، وحين يقيم في كل صـلاة نـبـيـه بـأنه عبده ورسوله يؤكد هذا الرفض، وحين يمسك عن الطيبات ويصوم حتى عن ضرورات الحياة من أجل اللّه متحديًا الشهوات وسلطانها يؤكد هذا الرفض. 
وقد نجحت هذه العبادات في المجال التطبيقي تربية أجيال من المؤمنين، على يد النبي (ص) والأئمة الأبـرار مـن بعده، الذين جسدت صلاتهم في نفوسهم رفض كل قوى الشر وهوانها، وتضاءلت أمام مسيرتهم مطلقات كسرى وقيصر وكل مطلقات الوهم الإنساني المحدود. 


عـلى هذا الضوء نعرف أن العبادة ضرورة ثابتة في حياة الإنسان ومسيرته الحضارية، إذ لا مسيرة بـدون مـطـلـق تنشد إليه وتستمد منه مثلها، ولا مطلق يستطيع أن يستوعب المسيرة على امتدادها الـطـويل، سوى المطلق الحق سبحانه، وما سواه من مطلقات مصطنعة يشكل حتمًا بصورة وأخرى عـائقًـا عـن نـمـو المسيرة. فالارتباط بالمطلق الحق إذن حاجة ثابتة، ورفض غيره من المطلقات الـمـصـطـنـعة حاجة ثابتة أيضًا، ولا ارتباط يؤكده ويرسخه باستمرار، وهذا التعبير العملي هو العبادة. فالعبادة إذن حاجة ثابتة.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد