قراءة في كتاب

كتاب آداب المتعلمين، العلم حجة على المتعلِّم

 

هذا الكتاب هو أحد أسفار الإمام الفيلسوف نصير الدين الطوسي المشهور بـ "الخواجة"، وهو كتاب يتعلق بفن التعلّم وآدابه. إلا أنه يدخل في الفضاء الرفيع لعلم الأخلاق، لما ينطوي عليه من أهمية سواء لجهة موضوعه أو بالنسبة إلى الطريقة التي عالج فيها الطوسي هذا الموضوع.
في مقاصد الكتاب
الواضح من الطريقة المنهجية التي اعتمدها الطوسي في إنجاز عمله أنّ هذا الكتاب كان وضع خصّيصاً لبيان آداب الطلاّب الذين يتعلّمون، من دونَ الأساتذة المعلّمين. فلذلك ينحصر ما جاء فيه بطلبه العلم في مراحلهم الأولى. إلا ما ذكره المؤلّفُ استطراداً، أو من باب التمهيد، كالفصل الأوّل الذي احتوى على (ماهيّة العلم، وفضله) فإنّه لا تختصّ معرفتُه بالمتعلّمين، إلاّ أنّ معرفتهم له تبدو أكثر من ضرورية لما يزيدهم من بصيرةً، ويؤكّد عزمهم على الطلب.
وعلى الرغم من أن الطوسي كان يقصد ملء فراغ معرفي لدى فئة من فئات المجتمع الإسلامي في عصره، إلا أن فوائد عمله شملت شرائح واسعة من طبقات المجتمع.

 فلقد أبدى العلماءُ اهتماماً بالغاً بهذا الكتاب، وراحوا يؤكّدون على دراسته، ومطالعته، والدعوة إلى تطبيقه، والعمل به. وعلى مدى قرون سلفت من النشاط العلمي في المعاهد الدينية الإسلامية غالباً ما كان الأساتذة والطلبة يردّدون عباراته، ويستدلّون بنصّه. ولعلّ السَبَبَ الأوضحَ في اختياره وتأكيد الرجوع إليه هو متنه المختصر، ووضوح عبارته، ممّا يُيسّرُ فهمه، ويسهل على الطلبة حفظه، مضافا إلى ما فيه من الجامعية والاستيعاب لأهمّ الأصول الموضوعة، وقواعد التربية الصحيحة.
لعل ما يمتازُ به هذا الكتاب الوجيز أنّه مشهور النسبة إلى المحقّق، الخواجه نصير الدين الطوسيّ، إمام علوم الفلسفة والأخلاق والكلام، في عصره. الأمر الذي ضاعف من اهتمام العلماء والطلبة به كونه يصدر عن إمام وحكيم ومحقق كبير كالخواجه الطوسي. ومن المفيد هنا الإشارة إلى عدد من الطبعات التي وصلت إلى المكتبات العامة على مر السنين.

أ-فقد طُبع مع مجموعة (جامع المقدّمات) ـ وهي مجموعة رسائل المتون الصغيرة، التي يبدأ بدراستها الطلاّب في الحوزة العلمية، وتحتوي على علوم: الصرف، والنحو، والمنطق، والأخلاق ـ
ب- وطُبع ضمن مجموعة أوّلها (شرح الباب الحادي عشر) لِلمقداد السيّوريّ.
  ج-وطُبع في مجلّة (العرفان) الصيداويّة، في المجلّد (19) العدد (2) لشهر رمضان سنة (1348 هـ).
  هـ-وطُبع في كتاب (آداب المتعلّمين) تحقيق أحمد عبد الغفور عطا (ص 139 ـ 156) في بيروت سنة (1967).
  و-وطَبع الدكتور يحيى الخشّاب نسخةً محقّقةً منه في مجلّة (معهد المخطوطات العربيّة).

ترجماته إلى اللغات الأخرى
كانت الترجمة من أبرز اهتمام العلماء بهذا الكتاب الجليل، فقد قامَ جمع منهم بترجمته إلى غير العربية، كما شرحه آخرون، كما بعض الأدباء بنظمه في أراجيز، ومن ذلك نذكر ما يلي:
  ـ (آداب التعليم) ترجمة له إلى الأردو، لبعض فضلاء الهند.
  ـ (بيان الآداب) شرح له، للمولى محمّد مؤمن بن محمّد قاسم الجزائري، الشيرازي.
  ـ (تربية المتعلّمين) ترجمة له إلى الفارسيّة، للسيّد أبو الحسن بن مهدي اللكهنوي.
  ـ ترجمته إلى الفارسية للسيّد أمير عادل الحسيني.
  ـ ترجمته إلى الفارسية للسيّد على الطبيب بن السيّد محمّد الحُسيني ـ
  ـ (تذكرة الطالبين في نظم آداب المتعلّمين) بالفارسية، للسيّد الميرزا محمّد تقي أحمد آبادي.

في مضمون الكتاب وترتيبه
تتضمن هذه الرسالة التي بين أيدينا اثني عشر فصلاً جاء ترتيبها على النحو التالي:
الفصل الأول: في ماهيّة العلم، وفضله.
الفصل الثاني: في النيّة.
الفصل الثالث: في اختيار العلم، والأستاذ، والشريك، والثبات.
الفصل الرابع: في الجِدّ، والمواظبة، والهمّة.
الفصل الخامس: في بداية السبق، وقَدَره، وترتيبه.
الفصل السادس: في التوكل.
الفصل السابع: في وقت التحصيل.
الفصل الثامن: في الشفقة، والنصيحة.
الفصل التاسع: في الاستفادة.
الفصل العاشر: في الوَرَع في التعلم.
الفصل الحادي عشر: في ما يورث الحفظ، وما يورث النسيان.
الفصل الثاني عشر: في ما يجلب الرزق، وما يمنع الرزق، وما يزيد في العمر، وما ينقص.

والطوسيّ في هذه الرسالة: يتحدّثُ عن الذين أخطأوا طريق العلم، وتركوا شرائطه، فلم يتيسّر لهم التحصيل، مع اجتهادهم، ولم ينتفعوا بثمرات العلم، مع اشتغالهم به.
وهو يشرحُ قول النبيّ صلّى الله عليه وآله: (طَلَبُ العلم فريضة على كل مُسْلمٍ ومُسْلمةٍ) ويبيّن المقصود من العلم. ثمَ يتحدّثُ عن وجوب التأنّي في اختيار الأستاذ والتحرّي في اختيار شريك الدرس، والتمعن في اختيار مادّة الدرس.
ومن التوجيهات التعليمية التي يطرحها الطوسي حديثه عن آداب الدرس، حيث يذكر أنّه لا يجوز للطالب أنْ يجلسَ قريبا من الأستاذ بغير ضرورةٍ، بل يجبُ أنْ يكونَ بينَهما قَدَرُ القوس، لأنّه أقرب إلى التعظيم.


ويشرحُ الحكمةَ التي تقول: (مَنْ جَدَ وَجَدَ) ويَحُث الطالب على المُثابرَة، والمُواظَبة، والمُطارَحة، والمُناظرَة. ويدعو إلى التأمل قبل الكلام.
ويبيّنُ الطوسي ما ينبغي على العالم من التفاني في علمه، والإعراض عن الحرص، وجمع المال عن طريق العلم، ويذكر أنّ العلماء في القرون الأولى للإسلام كانوا يتعلّمون الحِرْفَةَ أوّلا، ثمّ يتعلّمون العلم، حتّى لا يطمعوا في أموال الناس.
ويشرحُ الرأي القائل بطلب العلم من المهد إلى اللحد، وبالاستفادة من تحصيله في كلّ وقتٍ.
ويحث الشباب على الإفادة من الشيوخ، فإنّهم يَبْلُغونَ الأوْجَ حين يتقدّمُ بهم العُمُر، وتتضاعَفُ الفائدةُ من الاستماع إليهم.
وهكذا نجدُ الطوسيَ في رسالته هذه مؤدباً، يدعو إلى نشر العلم، وإلى خير الوسائل التي تؤدّي إلى يُسْر التحصيل، وآداب الدّرس.
ـــــــــــــ
مجلة شعائر، العدد 89

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد