قراءة في كتاب

شرحُ الأخبار في فضائلِ الأئمّة الأطهار عليهم السلام


يُعدُّ هذا الكتاب: (شرحُ الأخبار في فضائل الأئمّة الأطهار عليهم السلام) من أشهر كُتُب قاضي القضاة في الدولة الفاطميّة أيّام نشأتها وصعودها؛ النّعمان بن محمّد التميمي المغربي، وهو من كُتُب التاريخ الإسلامي الذي استعرض فيه المؤلّف محطّاتٍ بارزة في حياة أئمّة أهل البيت عليهم السلام، وفضائلهم.. إلى الإمام الصادق عليه السلام، انسجاماً مع العقيدة الفاطميّة التي ترى أنّ الإمامة صارت في إسماعيل ابنِ الإمام الصادق عليه السلام. كما أنَّ المؤلّف تعرَّض لمسألة المهدويّة بما ينطبق مع المذهب الإسماعيلي، وأنّ المهدي تمثّل -في زعمِهم- بـ «عُبيد الله بن محمّد» أوّلِ الخلفاء الفاطميّين.
[مرّ في ترجمة المؤلّف القاضي النّعمان أنّ طائفةً من علمائنا رضوان الله عليهم قالوا بأنّه كان إماميّاً اثنَي عشريّاً، من ذلك قول الشيخ الطّهراني في (الذريعة): «ولمّا كان قاضياً من قِبل الخلفاء الفاطميّين ".." كان يتّقي في تصانيفه من أن يروي عن الأئمّة بعد الإمام الصادق عليهم السلام صريحاً، لكنّه يروي عنهم بالكُنى المشتركة، فيروي عن الرّضا عليه السلام بعنوان أبي الحسن، وعن الجواد عليه السلام بعنوان أبي جعفر».]
وأكثرُ ما توسّع الكتاب في ما يتعلّق بفضائل أمير المؤمنين الإمام عليّ عليه السلام، وردِّ شُبهات المخالفين للقول بأفضليّته.  
ولأنّ الكتاب يُعدّ من تراث الإسماعيليّين، الذين يتحفّظون على نشر ما يتعلّق بعقيدتهم عملاً بمبدأ التقيّة -كما يفهمونها- فقد بذل المحقّق جهداً كبيراً في الحصول على نُسَخ الكتاب، التي لم تكن واحدةٌ منها تامّة الأجزاء، وكانت النسخة الأقرب للتّمام، نسخة مصوّرة في مكتبة السيّد شهاب الدين المرعشي النجفي رحمه الله في قم المقدّسة. 

وقد وصف المحدّث النوري (ت: 1321 للهجرة) الكتاب في (خاتمة المستدرك) بقوله: « كتاب (شرح الأخبار) للقاضي النعمان ".."، وهو مقصورٌ في الفضائل والمناقب، وشطرٍ من المثالب، مشتملٌ على سبعة أجزاء [وهي التي وصلت إليه]، يُنبئ عن سعة اطّلاعه، وطول باعه، وفضله وكماله». 
يتألّف الكتاب من ستة عشر جزءاً [في مجلّدات ثلاثة] هي كالتالي: في حديث «أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها» - في سبْق عليّ عليه السلام إلى الإسلام - في جهاد عليٍّ عليه السلام - في جهاده مع جموع النّاكثين والقاسطين والمارقين - في بقيّة أخبار القاسطين - في الذين عدلوا إلى معاوية - في مناقب عليٍّ عليه السلام وردّ الحشويّة - في بيان ما جاء من الأمر بطاعة عليّ - في ما نزل من الوحي والقرآن في عليٍّ عليه السلام  - في  مصاب أمير المؤمنين عليه السلام - تمام ما جاء من الأخبار مجملاً من ذكر أهل البيت عليهم السلام - فضائل الحسن والحسين عليهما السلام - في من قُتل مع الحسين عليه السلام - في الإمام جعفر الصادق عليه السلام - في ذكر معالم المهديّ وبشاراته [ما ينطبق مع الدعوة الفاطميّة] - في صفات شيعة عليّ عليه السلام.
ويندرج تحت هذه الأجزاء أو الفصول عناوين كثيرة، منها وقائع تاريخيّة، ومنها تراجم لعدد كبير ممَّن ينتسبون لآل البيت عليهم السلام بالمعنى العامّ، كالسيّدة خديجة عليها السلام، وأولاد عبد المطّلب، وشهداء كربلاء من الطالبيّين رضوان الله عليهم.  
ويمكن الجزم بأنّ المؤلّف -على القول بإماميّته-  لم يكن حرّاً في ما يكتبه في هذا الكتاب وفي سائر مؤلّفاته، إذ كان محكوماً برغبات وتوجّهات الخلفاء الفاطميّين في هذا المجال، وقد صرّح بعرض ما جمعه ودوّنه على الخليفة المُعزّ، بقوله في خطبةِ الكتاب: «جمعتُ من الآثار في فضل الأئمّة الأطهار، حسب ما وجدتُه ".." فصحّحتُ من ذلك ما بسطتُه في كتابي هذا، ألّفته بأن عرضته على وليّ الأمر ".." مولاي الإمام المعزّ لدين الله ".." وأثبتُّ منه ما أثبتَه وصحّ عنده وعرفه، وآثره عن آبائه الطاهرين، وأجازني سماعه منه، وبأن أرويه لمن يأخذ عنّي عنه، فبسطتُ في هذا الكتاب ما أثبتَه وأجازَه وعرفَه، وأسقطتُ ما رفعَه من ذلك وأنكرَه». 

مصادر الكتاب
لم يكن للمؤلّف صِلة بالروايات التي أوردها في كتابه إلّا عن طريق النقل عن المصادر المتوفّرة عنده في المغرب العربي، وتلك التي عند الخلفاء الفاطميّين بالخصوص، وقد نقل عن جملة من المصادر يُعتبَر بعضها الآن مفقوداً، مع حذفه للأسانيد أو اختصارها، وتجنّبه التكرار في متون الروايات المتّفقة أو المتقاربة معنىً، وهو يكرّر هذا الإلتزام في كلّ مناسبة. يقول: «اختصرتُ كما شرطتُ في أوّل هذا الكتاب أكثر ما جاء في ذلك، واقتصرت على حديثٍ واحدٍ من كلّ فنّ، وحذفتُ التكرار الذي يُدخله أصحاب الحديث وغيرُهم باختلاف الأسانيد..». 
ومن أبرز المصادر التي اعتمد عليها: 
* (المغازي) لابن إسحاق (ت:151 للهجرة).
* (المغازي) لمحمّد بن عمرو الواقدي (ت:207 للهجرة). 
* (تفسير القمّي) لعليّ بن إبراهيم القمي (ت:307 للهجرة)، من مشايخ الكليني.
* (الخصائص) للنسائي (ت: 302 للهجرة).
* (الغدير) –كتاب مفقود- للطبري (ت: 310 للهجرة)، نقل عنه نصوصاً كثيرة. 

مختارات من الكتاب
* ممّا أورده في الجزء الثاني عن سبق عليٍّ عليه السلام إلى الإسلام، رواية طويلة عن سعيد بن جبير يصف ما جرى بين عبد الله بن عباس ورجل شاميّ جاء يسأل عن الوجه في قتال عليّ عليه السلام للناكثين، جاء في آخرها قول النّبيّ صلّى الله عليه وآله لأمّ سَلَمة: «يا أمّ سلمة، هو ابنُ عمّي حقّاً، وهو أخي ووزيري وخيرُ من أُخلفُ في أهلي، وسيّد المسلمين وأميرُ المؤمنين من بعدي، وقائدُ الغرّ المحجّلين يوم القيامة إليَّ، وصاحبُ حوضي، ورفيقي في الجنّة، وسبطاي إبناه، وقرّةُ عيني وثمرةُ قلبي وريحانتَي من الدّنيا، إشهَدي بذلك يا أمّ سلَمة، وبأنَّ زوجته فاطمة سيدةُ نساء العالمين».
* وعلى كثرة ما أورده في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام ومثالب أعدائه، التي استحوذت على معظم مادّة الكتاب نجده يقول: «إنّا لم نُثبت في كتابنا هذا من فضائل عليٍّ عليه السلام، إلّا ما أوردتْه العامّة وأثبتتْه، دون ما انفرَدَت به الشيعة».
* وممّا أورده في الجزء العاشر عن فضائل أهل البيت عليهم السلام حديث «الأنوار الخمسة» المروي عن أبي هريرة، يقول: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: «لمّا خلقَ اللهُ عزّ وجلّ آدم عليه السلام ونفخ فيه من روحِه، نظر آدم عليه السلام يُمنةَ العرش، فإذا من النّور خمسةُ أشباح على صورته رُكّعاً سجّداً. فقال: يا ربّ هل خلقتَ أحداً من البشر قبلي؟ قال: لا. قال: فمَن هؤلاء الذين أراهم على هيئتي وعلى صورتي؟ قال [عزّ وجلّ]: هؤلاء خمسةٌ من وُلدِك، لولاهم ما خلقتُك، ولا خلقتُ الجنّة ولا النّار، ولا العرشَ ولا الكرسيّ، ولا السّماءَ ولا الأرض، ولا الملائكةَ ولا الإنس ولا الجنّ. هؤلاء خمسةٌ اشتققتُ لهم أسماءَ من أسمائي ".." آليتُ بعزّتي أن لا يأتيني أحدٌ بمثقال حبّةٍ من خردلٍ من حبِّ أحدٍ منهم إلّا أدخلتُه جنّتي، وآليت بعزّتي أن لا يأتيني أحدٌ بمثقالِ حبّةٍ من خردلٍ من بُغْضِ أحدٍ منهم إلّا أدخلتُه ناري ولا أبالي..».
* وممّا أورده في الجزء الحادي عشر، بعنوان «جملة من فضائل فاطمة عليها السلام»، تمام خطبتِها الفدكيّة، متوليّاً شرح مفرداتِها، مقدّماً لذلك بيانَه لمجمل ما أرادته عليها السلام من الخطبة، يقول: 
«وأرادتْ بذلك صلوات الله عليها ما قد ذكرَتْه في كلامها، من إقامة الحجّة على الأمّة، وإبلاغ المعذرة إليهم، وإيضاح الحقّ والبيان في ما فيها اهتضموه، وتُغُلِّب عليهم فيه، واستأثر من حقّهم به لئلّا يقولوا كما قالوا: أهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله سلّموا ذلك طائعين، ولم يكن خروجها لِما خرجت له وقالته من ذلك إلّا عن إذن عليٍّ عليه السلام..».
ــــــــ
مجلة شعائر العدد26

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد