قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد هادي معرفة
عن الكاتب :
ولد عام 1348هـ بمدينة كربلاء المقدّسة، بعد إتمامه دراسته للمرحلة الابتدائية دخل الحوزة العلمية بمدينة كربلاء، فدرس فيها المقدّمات والسطوح. وعلم الأدب والمنطق والعلوم الفلكية والرياضية على بعض أساتذة الحوزة العلمية، عام 1380هـ هاجر إلى مدينة النجف الأشرف لإتمام دراسته الحوزوية فحضر عند بعض كبار علمائها كالسيد محسن الحكيم والسيد أبو القاسم الخوئي، ثم سافر إلى مدينة قم المقدسة والتحق بالحوزة العلمية هناك وحضر درس الميرزا هاشم الآملي. من مؤلفاته: التمهيد في علوم القرآن، التفسير والمفسِّرون، صيانة القرآن من التحريف، حقوق المرأة في الإسلام.. توفّي في اليوم التاسع والعشرين من شهر ذي الحجّة الحرام من عام 1427هـ بمدينة قم المقدّسة، ودفن بجوار مرقد السيّدة فاطمة المعصومة عليها السلام

من هو الملك الّذي كان يوسف وزيراً له؟

 

الشّيخ محمد هادي معرفة
{وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي...}، أي أجعله من خاصّتي {فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ* قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}، فأصبح يوسف عزيز مصر.
وتَحذلق بعضهم القول بعدم معهوديَّة التوزير من أبناء اليهود، ولم يدرِ المسكين أنّ يوسف سَبق اليهوديّة بقرون! وكان الذي خوّله إدارة شؤون الاقتصاد من المُلوك الرُعاة (الهِكسوس)، وهم أجانب، ومِن جالية الشعوب الهنديّة الأُوروبيّة، تغلّبوا على الشعب المصري وحكموا البلاد قسراً، والذي بدأ حوالى سنة 1800 ق.م، وهو العهد الذي يُمثّل الأُسرتَين الخامسة عشرة والسادسة عشرة ثُمّ السابعة عشرة في الشمال حتّى العام 1570 ق.م، ليقوم (أحمس الأَوّل) في وجههم ويَطردهم، ويُؤسّس الدولة الحديثة الأُسرات من الثامنة عشرة إلى آخر العشرين، وكان إذ ذاك أوان خروج العِبرانيّين من مصر على عهد موسى وفرعون .
{عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ}. ويسترسل (نولدكه) في توهّماته عن القرآن، ليزعم أنّ هذا التعبير بشأن صعيد مصر الذي تشحّ فيه الأمطار، يَنمّ عن جهلٍ بموضع هذا البلد الذي تعود خُصوبته إلى فيضان النيل لا الأمطار. جاء في فقرةٍ من كتابه...Sketches ص30 ـ 31 حول هامان ومريم: "بالإضافة إلى هذا التصوّر غير المعقول، يوجد تحويرات مزاجيّة شتّى، بعضها يدعو للسُخرية ويُنسب إلى محمّدٍ نفسه، والمثال على جهله لكلّ الأُمور خارج الجزيرة، هو جَعْلُ الخُصوبة في مصر ـ التي تشحّ فيها الأمطار ـ مرهونةً بالأمطار وليس بفيضان النيل".


هذا الانتقاد في غاية الغَباء، وينمّ عن جهل (نولدكه) ـ المستشرق ـ للّغة العربيّة وللشؤون المصريّة بالذات .لقد جاء في الآية التي يستشهد بها ما يلي: {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ}.
وكلمة (يُغاث) تَحتمل أن تكون من (الغَوث) ـ وهو النُصرة ـ أو مِن (الغيث) أي المطر، {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} أي استَنصَره؛ ومِن ثَمّ جاء في تفسير الآية {عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ...}، أي يُنْجى الناسُ من الجَدب ومحنة القحط. قالوا: ويكون من قولهم: أغاثه الله، إذا أَنقذه من كَربٍ أو غمّ، يُنقَذُ الناس فيه من كَرب الجَدب، وقوله: {وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} أي يَعصرون السِّمسم دُهناً، والعِنب خمراً، والزيتون زيتاً، وهذا يَدلّ على ذهاب الجَدب وحصول الخِصب ووفور الخير.
أمّا لو أُخذت من (الغيث)، أي المطر، فيكون المعنى: فيه يُمْطَرون، غير أنّ بلاد مصر العُليا تَنعم بغزارة الأمطار أربعة أشهر متتالية في فصل الشتاء، فالمصريّون الّذين يعيشون في الصعيد في الدلتا، يعلمون جيّداً أنّ الأمطار تتساقط بغزارة خلال فصل الشتاء، أي خلال أربعة أشهر (من ديسمبر/ كانون الأوّل إلى مارس/ آذار)، وأنّ زراعة القمح والبِرس والشعير والفول وأمثالها، تعتمد أساساً على الأمطار الّتي تتساقط هذه الفترة، الأمر الذي يجهله أمثال (نولدكه) مِن المتخصّصين في الدراسات العربيّة الإسلاميّة، وهو لم تطأ قدمه بعدُ البلدان الإسلاميّة، ولم يغادر أُوربا طَوال عمره (1836 ـ 1931م)، فلا غَرْوَ أن يخطئ (نولدكه) خطأً مزدوجاً، فهو لم يَفهم النصّ العربي للآية، ثُمّ إنّه يؤكّد أنّ المطر يكاد يَنعدم في مصر، وأهلُها لم يشعروا أبداً باحتياجهم له! وهو الخطأ الذي لا يقع فيه أحد من صبية مصر! على حدّ تعبير الأُستاذ البدوي .


والعجب أنّه لم يَطّلع على ما كَتبه (سال Sale ) في تَرجمة القرآن التي أَنجزها وانتشرت خلال القرن الثامن عشر، إنّه يترجم الآية هكذا :
Then shall there come, after this a year wherein men shall have plenty of rain, end wherein they shall press wine and oil .
ونجده في ملاحظةٍ سجّلها في أسفل الصفحة، يقول علينا أن نُفنِّد ما كَتَبه بعض المؤلّفين القدامى، فلقد كانت تمطر عادةً في الشتاء خاصّة في الوجه البحري، وقد لُوحظ الثلج في الإسكندريّة على نقيض ما يزعمه (Seneca) راحةً، فعلاً تُصبح الأمطار أكثر ندرةً في الوجه القبلي في اتجاه شلاّلات النيل. وعلى أيّة حالٍ، فإنّنا نفترض أنّ الأمطار التي ذُكرت هنا ـ في الآية ـ قُصد بها تلك التي تَسقط في (إثيوبيا) وتُسبّب ارتفاع منسوب النيل .
فيا تُرى، كيف لم يَطّلع (نولدكه) على هذه الترجمة، وهذه المُلاحظة التي سجّلها (سال) وكانت في متناوله؟!

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد