قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد هادي معرفة
عن الكاتب :
ولد عام 1348هـ بمدينة كربلاء المقدّسة، بعد إتمامه دراسته للمرحلة الابتدائية دخل الحوزة العلمية بمدينة كربلاء، فدرس فيها المقدّمات والسطوح. وعلم الأدب والمنطق والعلوم الفلكية والرياضية على بعض أساتذة الحوزة العلمية، عام 1380هـ هاجر إلى مدينة النجف الأشرف لإتمام دراسته الحوزوية فحضر عند بعض كبار علمائها كالسيد محسن الحكيم والسيد أبو القاسم الخوئي، ثم سافر إلى مدينة قم المقدسة والتحق بالحوزة العلمية هناك وحضر درس الميرزا هاشم الآملي. من مؤلفاته: التمهيد في علوم القرآن، التفسير والمفسِّرون، صيانة القرآن من التحريف، حقوق المرأة في الإسلام.. توفّي في اليوم التاسع والعشرين من شهر ذي الحجّة الحرام من عام 1427هـ بمدينة قم المقدّسة، ودفن بجوار مرقد السيّدة فاطمة المعصومة عليها السلام

هل تحطّ قوامة الرّجل من قدر المرأة؟!


الشّيخ محمد هادي معرفة
جاء قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى}، دليلاً قاطعاً على موازاة الأنثى مع الذكر في أصالة النّوع البشري، ولاتزال هذه الأصالة محتفظاً بها عبر تناسل الأجيال.
نعم، هناك خصائص نفسيّة وعقليّة ميّزت أحدهما عن الآخر في تكوينه الذاتي، ما أوجب تفارقاً في توزيع الوظائف التي يقوم بها كلٌّ منهما في حقل الحياة، توزيعاً عادلاً يتناسب مع معطيات ومؤهّلات كلّ من الذّكر والأنثى، الأمر الذي يؤكِّد شمول العدل في التكليف والاختيار. ولننظر في هذه الفوارق الناشئة من مقام حكمته تعالى في الخلق والتَّدبير.

القوامة وكرامة المرأة
{وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}، هنا وقفة قصيرة، عندما نلحظ أنّ القرآن فضّل الرّجل على النساء بدرجة !
فهل في ذلك حطٌّ من قدر المرأة؟ أو كمال حُظي به الرّجل دونها؟
ليس من هذا أو ذلك في شيء، وإنّما هي مرافقة مع ذات الفطرة التي جُبِل عليها كلٌّ من الرجل والمرأة.
إنّ معطيات الرجل النفسية والخلُفية تختلف عن معطيات المرأة، كما تختلف طبيعتها الأنوثيّة المُرْهَفَة الرّقيقة عن طبيعة الرجل الصّلبة الشّديدة، كما قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السَّلام): "المرأة ريحانة وليست بقهرمانة". فنعومة طبعها، وظرافة خُلُقها، تجعلها سريعة الانفعال تجاه مصطدمات الأمور، على خلاف الرّجل في تريثه ومقاومته عند مقابلة الحوادث.
فالمرأة في حقوقها ومزاياها الإنسانيّة تعادل الرّجل: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}. هذا في أصل خلقتها، لتكون للرّجل زوجاً من نفسه، أي نظيره في الجنس، فيتكافلان ويتعاونان معاً في الحياة الزوجيّة على سواء، فلها مثل الّذي عليها من الحقّ المشترك، وهذا هو التماثل بالمعروف، أي التساوي فيما يعترف به العقل ولا يستنكره.
لكنّ الشرط الذي يتحمّله الرَّجل في الحياة الزوجيّة، هو الشَّرط الأثقل الأشقّ، فضلاً عن القوامة والحماية التي تثقل عبء الرّجل في مزاولة الحياة. الأمر الذي استدعى شيئاً من التّمايز في نفس الحقوق الزوجيّة، ممّا أوجب للرجل امتيازاً بدرجة {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}.
وهذا التّفاضل في الذات والمعطيات، هو الذي جعل من موضع الرّجل في الأسرة موضع القوامة: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ}.


وظيفة إنشاء الأسرة
إنَّ الأسرة هي المؤسَّسة الأولى في الحياة الإنسانيّة، وهي نقطة البدء التي تؤثّر في كلّ مراحل الطريق، والتي تزاول إنشاء وتنشئة العنصر الإنساني، وهو أكرم عناصر هذا الكون في التصوّر الإسلامي. وإذا كانت المؤسَّسات ـ التي هي أقلّ شأناً وأرخص سعراً، كالمؤسّسات المالية والصناعية والتجارية وما إليها ـ لا توكل أمرها عادةً إلاّ للأكفاء من استعدادات طبيعيّة للإدارة والقوامة، فالأولى أن تُتَّبّع هذه القاعدة في مؤسَّسة الأسرة التي تُنشِئ أثمن عناصر الكون، ذلك هو العنصر الإنسانيّ.
والمنهج الربّاني يراعي هذا، ويراعي به الفطرة والاستعدادات والموهبة لشطري النفس ـ العقلاني والجسماني ـ لأداء الوظائف المنوطة بهما معاً، كما يراعي به العدالة في توزيع الأعباء على شطري الأسرة الواحدة، والعدالة في اختصاص كلًّ منها بنوع الأعباء المهيّأ لها، المعان عليها من فطرته واستعداداته المتميّزه المتفرّدة.
والمسلَّم به ابتداءً، أنّ الرجل والمرأة كليهما من خلق الله، وأنّه تعالى لا يريد ظلماً بأحدٍ من خلقه، وهو يُهيّئه ويُعدّه لوظيفة خاصَّة، ويمنحه الاستعدادات اللازمة لإحسان هذه الوظيفة. وقد خلق الله الناس ذكراً وأنثى زوجين على أساس القاعدة الكلّيّة في بناء هذا الكون، وجعل من وظائف المرأة أن تحمل وتضع وترضع وتكفل ثمرة الاتّصال بينها وبين الرّجل. وهي وظائف ضخمة وخطيرة وليست هيّنة ولا يسيرة، بحيث يمكن أن تؤدَّى بدون إعداد عضويّ ونفسيّ وعقليّ عميق غائر في كيان الأنثى. فكان جديراً أن ينوط بالشّرط الآخر ـ الرجل ـ توفير الحاجات الضروريّة، وتوفير الحماية كذلك للأنثى، كي تتفرَّغ لأداء وظيفتها الخطيرة. ولا يحمل عليها أن تحمل وتضع وترضع وتكفل، ثم هي التي تعمل وتكدّ وتسهر ليلاً، وتجهد نهاراً لحماية نفسها وكفالة ولدها في آنٍ واحد! فكان عدلاً كذلك أن يمنح الرّجل من الخصائص في تكوينه العضويّ والعصبيّ والعقليّ والنفسيّ ما يُعينه على أداء هذه الوظائف الخطيرة أيضاً. وكان هذا فعلاً {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}.


خصائص المرأة والرّجل
ومن ثَمَّ، زُوَّدت المرأة ـ فيما زوِّدت به من الخصائص ـ بالرقّة والعطف والحنان، وسرعة الانفعال والاستجابة العاجلة لمطالب الطفولة بغير وعيٍ ولا سابق تفكير، لأنَّ الضرورات الإنسانية العميقة كلّها والملحّة أحياناً ـ حتى في الفرد الواحد ـ قد لا تترك لأرجحة الوعي والتفكير وبطئه مجالاً، بل فرضت الاستجابة لها غير إرادية، لتسهل تلبيتها فوراً، وفيما يَشبه أن تكون قسراً، ولكنّه قسرٌ داخلي غير مفروض من خارج النفس، ويكون لذيذاً ومستحبّاً في معظم الأحيان، لتكون الاستجابة سريعةً من جهةٍ، ومريحة من جهةٍ أخرى، مهما يكن فيها من المشقّة والتّضحية {صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ}.
قال سيّد قطب: وهذه الخصائص ليست سطحيّة، بل هي غائرة في التكوين العضويّ والعصبيّ والعقليّ والنفسيّ للمرأة.
بل يقول كبار العلماء المختصّين: إنّها غائرة في تكوين كلّ خليّة، لأنّها عميقة في تكوين الخلية الأولى، التي يكون من انقسامها وتكاثرها الجنين، بكلّ خصائصه الأساسيّة.
وكذلك زُوِّد الرجل ـ فيما زُوِّد به من الخصائص ـ بالمقاومة والصلابة، وبطء الانفعال والاستجابة، والتروّي واستخدام الوعي والتّفكير قبل الحركة والاستجابة، لأنَّ وظائفه كلّها منذ بدء الحياة وممارسة التنازع في البقاء، كانت تحتاج إلى قدرٍ من التروّي قبل الإقدام، وإعمال الفكر والبطء في الاستجابة بوجهٍ عامّ، وكلّها عميقة في تكوينه، عمق خصائص المرأة في تكوينها. وهذا الخصائص تجعله أقدر على القوامة وأفضل في مجالها. كما أنَّ تكليفه بالإنفاق ـ وهو فرعٌ من توزيع الاختصاصات ـ يجعله بدوره أولى بالقوامة.
وهذان العنصران هما اللّذان أبرزهما النصّ القرآني، وهو يقرِّر قوامة الرّجال على النساء في المجتمع الإسلامي. قوامة لها أسبابها وعللها من التّكوين والاستعداد، إلى جنب أسبابها من توزيع الوظائف والاختصاصات، الأمر الّذي جعل من مرتبة الرَّجل أعلى من مرتبة المرأة بدرجة !


قال سيّد قطب: "إنّها مسائل خطيرة، أخطر من أن تتحكَّم فيها أهواء البشر، وأخطر من أن تترك لهم يخبطون فيها خبط عشواء. وحين تركت لهم ولأهوائهم في الجاهليّات القديمة والجاهليّات الحديثة، هدّدت البشريّة تهديداً خطيراً في وجودها ذاته، وفي بقاء الخصائص الإنسانيّة التي تقوم بها الحياة الإنسانيّة وتتميّز.
ولعلّ من الدّلائل التي تشير بها الفطرة إلى وجودها وتحكّمها، ووجود قوانينها المتحكّمة في بني الإنسان، حتّى وهم ينكرونها ويرفضونها ويتفكّرون لها، لعلّ من هذه الدّلائل، ما أصاب الحياة البشريّة من تخبّط وفساد، ومن تدهور وانهيار، ومن تهديدٍ بالدَّمار والبوار، في كلّ مرّةٍ خولفت فيها هذه القاعدة. فاهتزَّت سلطة القوامة في الأسرة، أو اختلطت معالمها، أو شذَّت عن قاعدتها الفطريّة الأصيلة.
ولعلّ من هذه الدلائل، تَوَقان نفس المرأة ذاتها إلى قيام هذه القوامة على أصلها الفطريّ في الأسرة، وشعورها بالحرمان والنّقص والقلق وقلّة السّعادة، عندما تعيش مع رجلٍ لا يزاول مهامّ القوامة، وتنقصه صفاتها اللازمة، فيكل إليها هي أمر القوامة ! وهي حقيقة ملحوظة تسلَّم بها حتى المنحرفات الخابطات في الظلام.
ولعلّ من هذه الدّلائل، أنّ الأطفال الذين ينشأون في عائلة ليست القوامة فيها للأب، إمّا لأنّه ضعيف الشخصيّة، بحيث تبرز عليه شخصية الأمّ وتسيطر، وإمّا لأنّه مفقود لوفاته، أو لعدم وجود أبٍ شرعيّ، قلّما ينشأون أسوياء، وقلّ أن لا ينحرفوا إلى شذوذٍ ما، في تكوينهم العصبيّ والنفسيّ، وفي سلوكهم العمليّ والخُلقيّ.
فهذه كلّها بعض الدلائل التي تشير بها الفطرة إلى وجودها وتحكّمها، ووجود قوانينها المتحكّمة في بني الإنسان، حتّى وهم ينكرونها ويرفضونها ويتنكّرون لها" .
ونتيجةً على ما سبق، كان تفضيل الرّجل على المرأة بدرجة، ناظراً إلى جهة قوامته في الأسرة، وهذه القوامة تعود إلى خصائص في تكوين الرّجل ووظيفته التي خوَّلها له عرف الحياة الزوجية. فنعود نقرأ الآية: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} في تكوينه {وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ}، حسب وظيفتهم العائليّة.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد