قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد هادي معرفة
عن الكاتب :
ولد عام 1348هـ بمدينة كربلاء المقدّسة، بعد إتمامه دراسته للمرحلة الابتدائية دخل الحوزة العلمية بمدينة كربلاء، فدرس فيها المقدّمات والسطوح. وعلم الأدب والمنطق والعلوم الفلكية والرياضية على بعض أساتذة الحوزة العلمية، عام 1380هـ هاجر إلى مدينة النجف الأشرف لإتمام دراسته الحوزوية فحضر عند بعض كبار علمائها كالسيد محسن الحكيم والسيد أبو القاسم الخوئي، ثم سافر إلى مدينة قم المقدسة والتحق بالحوزة العلمية هناك وحضر درس الميرزا هاشم الآملي. من مؤلفاته: التمهيد في علوم القرآن، التفسير والمفسِّرون، صيانة القرآن من التحريف، حقوق المرأة في الإسلام.. توفّي في اليوم التاسع والعشرين من شهر ذي الحجّة الحرام من عام 1427هـ بمدينة قم المقدّسة، ودفن بجوار مرقد السيّدة فاطمة المعصومة عليها السلام

الاجتهاد في تفسير القرآن الكريم (2)

 

الشيخ محمد هادي معرفة
- التفسير في عهد الصحابة والتابعين:
وأما في عهد الصحابة والتابعين، فلم يزل الأمر على ذلك، حيث كانوا مراجع الأمة في فهم ما أشكل من القرآن.. وكان من الصحابة أربعة اشتهروا بعلم التفسير، وهم: علي بن أبي طالب (ع) ـ وكان رأساً وأعلم الأربعة ـ وعبدالله بن مسعود، وأُبي بن كعب، وعبدالله بن عباس وكان أصغرهم سناً وأوسعهم باعاً في نشر التفسير، وذلك لتفرغه في ذلك، دون من عداه..
قال الإمام بدر الدين الزركشي: (وصدر المفسرين من الصحابة هو علي بن أبي طالب ثم ابن عباس، وهو تجرد لهذا الشأن، والمحفوظ عنه أكثر من المحفوظ عن علي، إلا أن ابن عباس كان قد أخذ عن علي -ع-).
ثم يجيء دور التابعين، ليتوسعوا في التفسير، توسعاً مطرداً مع الزمان ومتناسباً مع توسع قطر الإسلام.
وقد درج التفسير مدارجه إلى الكمال في هذا الدور، فأخذ يتشكل بعد أن كان مبعثراً، وينتظم بعد أن كان متقطعاً منتثراً، ويزداد حجماً ويتوسع بعد أن كان محدوداً مقتصراً، وفوق ذلك أخذ الاجتهاد وإعمال الرأي والنظر والبحث والنقد، يتسرب في التفسير، ويأخذ مأخذه في تبيين وتفهيم معاني القرآن الكريم..
وهذا حسبما ورد من الأمر بالتدبر والتعمق في القرآن والبحث والنظر في فهم معانيه: (كتاب أنزلناه مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب) ص/ 29. (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوبٍ أقفالها) محمد/ 24.
وقد كان بعض السلف يتحرجون من القول في القرآن بغير أثر صحيح، ويجتنبون النظر فيه، خشية أن يكونوا قد أقحموا في القول في القرآن برأيهم، وقد جاء النهي عن تفسيره بالرأي..
(مَن فسّر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار).


فعن عبيدالله بن عمر قال: (لقد أدركت فقهاء المدينة، وأنهم ليعظمون القول في التفسير، منهم: سالم بن عبدالله، والقاسم بن محمد، وسعيد بن المسيب، ونافع).
وعن يحيى بن سعيد قال: (سمعت رجلاً يسأل سعيد بن المسيب عن آية من القرآن، فقال: لا أقول في القرآن شيئاً.. وكان لا يتكلم إلا في المعلوم من القرآن)..
وعن ابن سيرين، قال: (سألت عبيدة السلماني عن آية، قال: عليك بالسداد، فقد ذهب الذين علموا فِيمَ أُنزِلَ القرآن).
لكن ـ على الرغم من ذلك ـ تصدّى علماء الصحابة ونبهاء التابعين للتفسير، واجتهدوا فيه وأعملوا النظر والرأي فيه، لكن على الطريقة المستقيمة، التي كان يقبلها الشرع والعقل، وهي الطريقة التي مشى عليها العقلاء في تفهمهم للكلام، أياً كان وحياً من السماء أم كان كلام إنسان منثوراً أو منظوماً..
الأمر الذي لا يعنيه حديث النهي عن التفسير بالرأي..
إنما يعني التفسير بالرأي ـ الممنوع شرعاً وعقلاً ـ الاستقلال والاستبداد بالرأي فيه، قال الإمام أمير المؤمنين (ع): (مَن استبدّ برأيه هلك..) وهذا عام يشمل تفسير الكلام أيضاً، فان للتفسير أصولاً ومباني يجب الجري عليها ومواكبة العقلاء في طريقة فهم الكلام، فالحائد عن الطريق، ضالّ لا محالة..


ولابن النقيب محمد بن سليمان البلخي كلام في تفسير حديث النهي عن التفسير بالرأي، قال: (إن جملة ما تحصّل في معنى الحديث خمسة أقوال:
أحدها: التفسير من غير حصول العلوم التي يجوز معها التفسير.
ثانيها: تفسير المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله.
ثالثها: التفسير المقرر للمذهب الفاسد، بأن يجعل المذهب أصلاً والتفسير تابعاً، فيردّ إليه بأي طريق أمكن، وإن كان ضعيفاً.
رابعها: التفسير بأن مراد الله كذا على القطع من غير دليل.
خامسها: التفسير بالاستحسان والهوى.
ولكن هذه الوجوه الخمسة ترجع في النهاية إلى وجهين أساسيين:
أحدهما: الاستبداد بالتفسير من غير اعتماد على أصول التفسير ومنابعه الأصيلة أو مراجعة مبانيه المعتمدة المتفق عليها.. ومنها الآثار الصحيحة الواردة عن النبي وصحابته العلماء وعترته الأذكياء.. وكذا من غير ملاحظة أسباب النزول والشواهد والدلائل الموفورة المؤثرة في فهم معاني الىيات وطريقة الاستنباط..
وهذا هو الاستقلال بالرأي والاستبداد فيه.. وهو مرفوض في شريعة العقل الرشيد.
الثاني: التحميل على القرآن، بأن يحاول تحميل رأيه على القرآن، حتى ولو كان ظاهر النص متأبياً عنه.. وهذا كأغلب أصحاب المذاهب الفاسدة والآراء الكاسدة، يحاولون تبرير عقائدهم المنحرفة بتطبيقها على ما أمكن من ظواهر النص المحتملة، ومن ثَمّ يتجهون في الأكثر نحو الآيات التي بظاهرها متشابهة، فيتبعونها ابتغاء تأويلها وتصريفها إلى حيثُ مراميهم السيئة.. تمويهاً على العامة.
ومن ثَمَّ نرى كثيراً من أصحاب القول بالجبر والقدر حاولوا التمسك بظواهر آيات، فحرّفوها وتصرفوا في معانيها، وهذا هو التحريف في المعنى والتفسير..
وإن كثيراً من الآيات، التي تشبث بها هؤلاء، لم تكن متشابهة من قبل، وإنما عرض عليها التشابه بصنيع أصحاب الجُدل في الكلام ومحاولات بذلت فيما بعد بصدد تبديل مفاهيمها وتحريف معانيها..


نعم قد لا يكون هناك غرض سوء، لكن الغباوة الذاتية دعت بأناس حملوا القرآن على معانٍ تتوافق مع أهدافهم عن حسن نية.. وهذا في أكثر الوعاظ والناسكين الذين حاولوا تنفيق بضائعهم المزجاة ـ في سبيل الوعظ والإرشاد ـ بمرافقة آيات فسّروها على غير وجهها، أو وضعوا أحاديث مرفوعة إلى النبي (ص) بهتاناً وزوراً، زاعمين أنهم قد كذبوا له ولم يكذبوا عليه..
فالصوفي يشير إلى قلبه، ويتلو قوله تعالى: (اذهب إلى فرعونَ إنه طغى) مؤولاً الفرعون الطاغية إلى طغيان القلب وهوى النفس الغالبة.
كل ذلك ممنوع، لأنه قول على الله بغير علم وافتراء عليه، حتى ولو لم تكن النية سيئة.. لأن الهدف لا يبرر الوسيلة في الإسلام.. فلا تجوز الكذبة حتى ولو كان الهدف رواج الإسلام، حيثُ الإسلامُ في غنىً عن الكذب والتزوير.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد