علمٌ وفكر

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد محمد باقر الصدر
عن الكاتب :
ولد في مدينة الكاظمية المقدسة في الخامس والعشرين من ذي القعدة سنة 1353 هـ، تعلم القراءة والكتابة وتلقى جانباً من الدراسة في مدارس منتدى النشر الابتدائية، في مدينة الكاظمية المقدسة وهو صغير السن وكان موضع إعجاب الأساتذة والطلاب لشدة ذكائه ونبوغه المبكر، ولهذا درس أكثر كتب السطوح العالية دون أستاذ.rnبدأ بدراسة المنطق وهو في سن الحادية عشرة من عمره، وفي نفس الفترة كتب رسالة في المنطق، وكانت له بعض الإشكالات على الكتب المنطقية. بداية الثانية عشرة من عمره بدأ بدراسة كتاب معالم الأصول عند أخيه السيد إسماعيل الصدر، سنة 1365 هـ هاجر إلى النجف الاشرف، لإكمال دراسته، وتتلمذ عند آية الله الشيخ محمد رضا آل ياسين وآية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي. أنهى دراسته الفقهية عام 1379 هـ والأصولية عام 1378 هـ عند آية الله السيد الخوئي.rnمن مؤلفاته: فدك في التاريخ، دروس في علم الأصول، نشأة التشيع والشيعة، فلسفتنا، اقتصادنا وغير ذلك.

الفهم الاجتماعي للنص في فقه الإمام الصادق عليه السلام (1)

 

السيد محمد باقر الصدر
أكبر الظن أنها أول مرة أقرأ فيها لفقيه إسلامي, من مدرسة الإمام الصادق (ع) أوسع نظرية لعنصر الفهم الاجتماعي للنص, يعالج فيها بدقة وعمق الفرق بين المدلول اللغوي – اللفظي – للنص, والمدلول الاجتماعي, ويحدد المدلول الاجتماعي حدوده المشروعة.
وبالرغم من أن الفقهاء في ممارستهم للعمل الفقهي ومجالات الاستنباط من النص, يدخلون عنصر الفهم الاجتماعي ويعتمدون عليه في فهم الدليل, إلى جانب العنصر الآخر الذي يمثل الجانب اللفظي من الدلالة.
غير أنهم لا يبرزون في الغالب الجانب اللفظي من علميه فهم الدليل, والجانب الاجتماعي بوصفهما جانبين متميزين لكل منهما ملاكه وحدوده, بل يبرز الجانبان في مجالات التطبيق مزدوجين وتحت اسم واحد وهو الظهور.
كانت هذه المرة الأولى التي قرأت فيها ذلك عن عنصر الفهم الاجتماعي للنص : هي حين قرأت بعض أجزاء المجدد الخالد (( فقه الإمام الصادق )) الذي وضعه شيخنا الحجة الكبير الشيخ (( محمد جواد مغنية )) الذي حصل الفقه الجعفري على يده في هذا الكتاب المبدع على صورة رائعة في الأسلوب والتعبير والبيان.
فقد قرأت في هذا الكتاب الجليل التأكيد على عنصر الجانب الاجتماعي من فهم الدليل والتمييز بينه وبين الجانب اللفظي الخالص في مواضع عديدة منه.
ولكي نشرح فكرة الكتاب عن الفهم الاجتماعي للنص ونعرف محتوى هذا الفهم ودوره في استنباط الحكم من النص, يجب أن نتحدث في البداية عن الظهور.


حجية الظهور
من الأمور المتفق عليها بصورة مبدئية في علم الأصول, المبدأ القائل بحجية الظهور, وهو المبدأ الذي يحتم أن نفسر كل خطاب شرعي على ضوء ظهوره ما لم توجد قرينة على الخلاف. والظهور – كما تقرره البحوث الأصولية التي تدرس هذا المبدأ – عبارة عن درجة خاصة من دلالة الكلام, وهي الدرجة التي تجعل المعنى الذي نشير إليه ظاهراً من الكلام وأكثر انسجاماً معه من أي معنى آخر. فاللفظ قد يصلح للتعبير عن عدد من المعاني ولكنه يظل ظاهراً في معنى خاص من تلك المعاني كلفظ الأسد, قد تستخدمه للتعبير عن الحيوان المفترس, فنقول : الأسد ملك الغابة, وقد تستخدمه للتعبير عن شجاعة الإنسان, فتقول هذا الإنسان أسد ولكن كلمة الأسد حين ينظر إليها بصورة منفصلة عن القرائن الخاصة نجد أنها ظاهرة فى المعنى الأول.
لأن كلمة الأسد بطبيعتها اللغوية تدل على الحيوان المفترس بدرجة أكبر من دلالتها على الإنسان الشجاع, الأمر الذي يجعل من الحيوان المفترس أكثر المعاني انسجاماً معها وهو معنى الظهور.
 

 تنويع الظهور
والظهور الذي يمثل كما عرفنا درجة معينة من دلالة اللفظ على المعنى يعتبر حصيلة نوعين من الدلالات :
الأول : - الدلالات اللفظية الوضعية أي الدلالات الناتجة عن الوضع في اللغة فكلمة الأسد إنما كانت ظاهرة في الحيوان المفترس دون الإنسان الشجاع لأنها موضوعة للدلالة على ذلك المعنى.
الثاني : - الدلالات اللفظية السياقية أي الدلالات الناتجة عن سياق الحديث, وطريقة التعبير, فحين يقول الآمر مثلاً : اغتسل غسل الجمعة لأنك تثاب على ذلك, نعرف أن غسل الجمعة مستحب وليس واجباً, وأن الأمر أمر ندب لا أمر إلزام نظراً الى الطريقة التي اتبعها الآمر في الترغيب في غسل الجمعة, إذ رغب فيه عن الطريق ما يؤدي إليه من الثواب, وهذا السياق من الترغيب يدل على الاستحباب بالرغم من أن الواجب فيه ثواب أيضاً غير أن الغسل لو كان واجباً لكان الأولى تبديل السياق واستعمال طريقة التخويف من العقاب بدلاً عن الترغيب في الثواب. فالدلالة هنا دلالة سياقية وظهور الكلام في الاستحباب يقوم على أساس هذه الدلالة السياقية.
ومن مجموع الدلالات السياقية والوضعية يتكون الظهور اللفظي للنفس ويتحدد معناه المنسجم مع تلك الدلالات.
أما أن هذه الدلالات الوضعية والسياقية كيف تنشأ وتتكون, وما هي العلاقات المتبادلة بينها, وكيف نثبت ونعين نوع الدلالات الوضعية والسياقية لكل الكلام, وهل يمكن أن يتخذ كل فرد إطاره اللغوي الخاص مقياساً لتعيين تلك الدلالات أو لابد من اتخاذ الإطار العام مقياساً لذلك.
وإذا كان الإطار اللغوي العام هو المقياس فأي إطار عام هذا ؟
وهل هو الإطار اللغوي العام في عصر صدور النص, أو يكفي الرجوع إلى الإطار اللغوي العام المعاصر, بالرغم من تطور اللغة وحركتها.
كل هذه الأسئلة وغيرها تدرس في حدود متطلبات عملية الاستنباط في البحث الأصولي المرتبط بحجية الظهور, ولا نريد الآن إلا إعطاء فكرة موجزة عن الظهور اللفظي بالقدر الذي قدمناه, لنعف الجانب اللفظي, واللغوي من عملية فهم النص, ولكي نصل إلى الجانب الجديد الذي يعالجه كتاب (( فقه الإمام الصادق )) وهو الجانب الاجتماعي من هذه العملية.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد