في حديث الثقلين الشريف (كتاب الله وعترة رسول الله) جعلت العترة مساوية لكتاب الله ومتلازمة معه، ولازم هذه المساواة أن روايات أهل البيت علي تكون عدلًا وملازمة ومثيلًا للقرآن الكريم، ولهذا قيل: إن عدم الرجوع إلى روايات أهل البيت في فهم ظواهر القرآن يؤدي إلى افتراق الثقلين ويصبح عاملًا للضلال المذكور في الحديث: "إني تارك فيكم الثقلين، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي... وهما كتاب الله... وعترتي أهل بيتي لن يفترقا" (1)، وضرورة الرجوع إلى العترة الطاهرة (عليهم السلام) في فهم ظواهر القرآن لا يتناسب مع القول باستقلال القرآن في تبيين معارف الدين. ولذلك فإن القرآن الكريم وبضميمة روايات أهل البيت (عليهم السلام) يصبح حجة إلهية وتبيانًا لكل شيء.
جواب الشبهة
أولًا: إن الذي جعل في حديث الثقلين الشريف عدلًا للقرآن هو نفس العترة (عليهم السلام) (2)، لا الرواية، ناهيك عن الخبر الواحد.
ثانيًا: إن العترة الطاهرة وإن كانوا بلحاظ المقامات المعنوية، وفي النشأة الباطنية برأي أساطين الدين كصاحب الجواهر (3) وكاشف الغطاء (4) ليسوا أقل من القرآن، والكلام الرفيع لأمير المؤمنين (عليه السلام): "ما لله عز وجل آية هي أكبر مني" (5) أيضًا شاهد على هذه الدعوى، ولكن بلحاظ النشأة الظاهرية وفي إطار تعليم وتفهيم معارف الدين، فالقرآن الكريم هو الثقل الأكبر وأولئك العظام هم الثقل الأصغر، وفي هذه النشأة يضحون بأجسامهم فداء لأجل حفظ القرآن (6)، وحديث الثقلين "طبقًا لأكثر النصوص التي نقل بها" بنفسه شاهد على هذا الادعاء: "وإني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله تبارك وتعالى حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي" (7).
ثالثًا: إن الروايات ظنية (غير قطعية) من ثلاثة أبعاد:
أ. بعد السند وأصل الصدور، لأن الخبر المتواتر أو الخبر الواحد المحفوف بالقرائن المفيدة للقطع نادر جدًّا.
ب. بعد جهة الصدور لأجل احتمال وجود التقنية في الروايات.
ج. بعد الدلالة لأن المستند في دلالتها على مضامينها هو الأصول العقلائية كأصالة الإطلاق، وأصالة العموم، وأصالة عدم التقييد وأصالة وعدم التخصيص وأصالة عدم القرينة وأمثالها. لكن القرآن الكريم في أكثر هذه الأبعاد قطعي، لأنه من جهة السند، إسناده إلى الله سبحانه قطعي، ولا يوجد أدنى شك في كونه كلام الله. ومن حيث جهة الصدور فإنه أيضًا لا يمكن الاعتراض عليه، لأن الله سبحانه لا يستعمل التقنية في بيان الحقائق ولا وجود للتقنية في القرآن إطلاقًا (8).
والحاصل أن القرآن في أصل الصدور قطعي، وكذلك بلحاظ جهة الصدور قطعي أيضًا. وأما من ناحية الدلالة فعلى رغم أن آيات القرآن تظهر كالروايات لكن حيث إنها - من جهة - محفوظة ومصونة من احتمال الدس والتحريف ومن احتمال السهو والنسيان والخطأ في الفهم والعصيان في الإبلاغ والإملاء من جهة أخرى، ومن جانب هي متكفلة البيان الخطوط الكلية للدين، لا فروعه الجزئية، لهذا فبعد إرجاع المتشابهات إلى المحكمات وحمل مطلقها على مقيدها وعمومها على خصوصها وإرجاع الظواهر إلى النصوص أو الأظهر والجمع بين الآيات والمواضيع، فإن الأمر يصبح يقينًا أو بمنزلة اليقين، وعليه فإن القرآن الكريم مصدر قطعي أو مفيد للاطمئنان في الدين، وزمام الدين يجب أن يوكل إلى الأمر القطعي لا الظني.
رابعًا: إن روايات المعصومين (عليهم السلام) تابعة للقرآن الكريم في أصل حجيتها وفي تأييد مضمونها ومحتواها أيضًا. أما في أصل الحجية فلأن مصدر حجية سنة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) - التي تعني: قوله وفعله وتقريره - هو القرآن، الذي يرجع المسلمين إليه (صلى الله عليه وآله وسلم) في آيات عديدة كقوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء: 59] ، و{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]، و{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44].
ومصدر حجية سنة الأئمة (عليهم السلام) أيضًا هو قول النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديث الثقلين الشريف. وعليه فإن حجية وقيمة الصادر من النبي الأكرم والأئمة التي هي ببركة القرآن الكريم، إلا أن تثبت نبوة الرسول الأكرم له بمعجزة أخرى غير القرآن وحينئذ لا تكون حجية سنة النبي الأكرم متوقفة على القرآن. وفي عصرنا الحاضر حيث لا توجد هناك معجزة سوى القرآن، فإنه لا يمكن إثبات حجة سنة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) بغير القرآن، إلا إذا ثبت بالتواتر صدور معجزة أخرى غير القرآن فتثبت بها حجية السنة. وأما حجية القرآن الكريم فهي ذاتية ولم تحصل من مصدر آخر. وبالنتيجة فإن حجية القرآن وحجية الروايات ليستا في مستوى ودرجة واحدة.
ومن الجدير بالذكر أن المقصود من كون حجية القرآن ذاتية، هي الحجة بالنسبة إلى السنة، وليس المقصود منها الذاتية الأولية.
والحال إذا كانت حجية ظواهر القرآن الكريم أيضاً تابعة للروايات وكان القرآن الكريم حتى على مستوى التفسير والدلالة على معاني ظواهر ألفاظه متوقفاً على الروايات، فهذا سوف يكون مستلزماً للدور (توقف الشيء على نفسه) الذي هو بديهي الاستحالة و... نعم لم تتم الإشارة إلى فرض عدم الدور.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. البحار، ج 23، ص108.
2. يقول الإمام الحسين (عليه السلام) حول الأئمة (عليهم السلام): "نحن ... أحد الثقلين اللذين جعلنا رسول الله ثاني كتاب الله تبارك وتعالى" البحار، ج44، ص205.
3. جواهر الكلام، ج13، ص 71 - 79.
4. كشف الغطاء، كتاب القرآن، ص298: "المبحث الرابع إنه (القرآن) أفضل من جميع الكتب المنزلة من السماء ومن كلام الأنبياء والأصفياء وليس بأفضل من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأوصيائه (عليهم السلام) وإن وجب عليهم تعظيمه واحترامه... فتواضعهم لبيت الله وتبركهم بالحجر والأركان وبالقرآن وبالمكتوب من أسمائه وصفاته من تلك الحيثية لا يقضي لها بزيادة الشرفية".
5. أصول الكافي، ج 1، ص207؛ البحار، ج 23، ص206.
6. إن الأرواح الشريفة لأولئك العظماء لا تفدى لأي شيء حتى في النشأة الظاهرية، وإنما هي معدة للقاء الله سبحانه.
7. البحار، ج 89 ص 13.
8. التقية بمعنى إظهار الأمر غير الواقعي وهي لا وجود لها في القرآن، ولكن عدم ذكر بعض الأمور لأجل مصلحة ما مثل الذكر الصريح لأوصياء النبي حيث لم يتعرض القرآن لذلك وأوكل إلى الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) فهذا موجود في القرآن ولكن هذا ليس من التقية.
الشيخ محمد صنقور
الشيخ حسن المصطفوي
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
محمود حيدر
السيد عباس نور الدين
السيد محمد حسين الطهراني
عدنان الحاجي
الدكتور محمد حسين علي الصغير
الشيخ علي رضا بناهيان
السيد عبد الحسين دستغيب
حسين حسن آل جامع
حبيب المعاتيق
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ناجي حرابة
أحمد الرويعي
حسين آل سهوان
أسمهان آل تراب
أحمد الماجد
علي النمر
معنى:{وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ..} وسبب النزول
معنى (قوت) في القرآن الكريم
شبهة افتراق الثقلين (1)
فصيلة الدّم قد تؤثّر على خطر الإصابة بالسّكتة الدّماغيّة المبكرة
وحيانيّة الفلسفة في الحكمة المتعالية (3)
دور العبادة وأسرارها الكبرى
(غيوم خارج الأفق)، أمسية شعريّة لنادي صوت المجاز
مَن أحبّ شيئًا لهج بذكره
(المهدوية، جدليّة الإيمان والمواجهة في الفكر العالميّ والضّمير الإنسانيّ) جديد الكاتب مجتبى السادة
وحيانيّة الفلسفة في الحكمة المتعالية (2)