أولاً: ما هي الربوبية؟
الربوبية هي تعريب للكلمة الإنكليزية Deism ، وبحسب تعريف الأستاذ في جامعة تكساس روبرت س. سولمون Robert C. Solomon ، فإنّ الربوبية هي "الاعتقاد بضرورة وجود إله خلق العالم بكل قوانينه، ولهذا يقبل مذهب الربوبية، عادة، بصورة من صور الدليل الكوني ولكنه يؤكد، مع ذلك، على عدم وجود تبرير عقلي للاعتقاد بأن الله يولي اهتماماً خاصاً بالإنسان والعدالة الإنسانية، ويرفض أي صفات تشبيهية نضفيها على الذات الإلهية، كذلك الاعتقاد بالقصص التوراتية حول الإله".
وقال آخرون في تعريفها أنّها: "مذهب فكري لا ديني وفلسفة تؤمن بوجود خالق عظيم خلق الكون، وبأنّ هذه الحقيقة يمكن الوصول إليها باستخدام العقل ومراقبة العالم الطبيعي وحده دون الحاجة إلى أي دين. فقوام هذا المذهب هو الاعتقاد بالدين الطبيعي natural religion أي الذي لا يعتمد على الوحي. ومعظم الربوبيين يميلون إلى رفض فكرة التدخل الإلهي في الشؤون الإنسانية. والربوبية تختلف في إيمانها بالإله عن المسيحيّة واليهودية والإسلام وباقي الديانات التي تستند على المعجزات والوحي، حيث يرفض الربوبيون فكرة أنّ الإله كشف نفسه للإنسانية عن طريق كتب مقدسة. ويرى الربوبيون أنّه لا بدّ من وجود خالقٍ للكون والإنسان، فيختلفون بذلك عن الملحدين أو اللاربوبيين بينما يتفقون معهم في اللادينيّة".
وعرف عن الربوبيين أنّهم "يرفضون معظم الأحداث الخارقة كالنبوءات والمعجزات ويميلون إلى التأكيد على أنّ الله (أو «الإله» أو «المهندس العظيم الذي بنى الكون») لديه خطة لهذا الكون، وهي لا تتغيّر، سواء بتدخله في شؤون الحياة البشريّة أو من خلال تعليق القوانين الطبيعية للكون. ما تراه الأديان على أنه وحي إلهي وكتب مقدسة، يراه معظم الربوبيين على أنه تفسيرات صادرة عن البشر".
وعن منشأ هذه الفكرة وزمان انطلاقها يقول روبرت س. سولمون: "والربوبية بوصفها تنويعاً على الديانة اليهودية - المسيحية كانت منتشرة على نطاق واسع بين العلماء المتدينين في القرن الثامن عشر الميلادي".
وتذكر مصادر أخرى أنّ الربوبية "برزت في القرن السابع والقرن الثامن عشر خصوصاً خلال عصر التنوير، لا سيما في ما يعرف الآن بالمملكة المتحدة وفرنسا والولايات المتحدة وأيرلندا. ومعظم الربوبيين في ذلك الوقت كانوا قد ولدوا مسيحيين ولكن تركوا المسيحية بسبب عدة قضايا مثيرة للجدل، ووجدوا أنّهم لا يمكنهم الإيمان بالثالوث أو ألوهية السيّد المسيح أو المعجزات ثم انتشروا في العالم. والربوبية لم تشكل أي تجمعات في البداية ولكن مع الوقت أثرت على الجماعات الدينية الأخرى بشكل قوي كالمجموعة التوحيدية والمجموعة الكونية اللتين تطورتا من الربوبية. لا تزال الربوبية حتى يومنا موجودة في أشكال الربوبية الكلاسيكية والربوبية الحديثة".
وتعقيباً على هذه الكلمات أسجّل بعض النقاط التوضيحية:
النقطة الأولى: الظاهر أنّ مصطلح «الربوبية» الذي اختاره أتباع هذا المذهب اسماً وعلماً لخطّهم الفكري انطلق من اقتصارهم في الإيمان على الاعتقاد بالربّ فقط، ورفض مبدأ النبوّة. بيد أنّ لنا ملاحظتين نسجلها في المقام:
أ -إنّ هذه التسميّة بما تعنيه من الانتساب إلى الرب لا تميّزهم عن سواهم، لأنّ الاعتقاد بالرب هو مما يشتركون فيه مع أتباع الديانات السماوية وغيرها.
ب -إنّ التسمية المذكورة لا تنسجم مع حقيقة معتقد الربوبيين في شأن الله تعالى، فقد مرّت الإشارة إلى أنّ الربوبية ترفض فكرة التدخل الإلهي في الشؤون الإنسانية بل وفي الكون برمته. وعليه، فإنّ إلهاً لا دور له أبداً - بعد الخلق والإيجاد - في إدارة شؤون خلقه وتدبير أمورهم، لا يصلح لأن يسمى ربّاً، لأنّ الرب ليس هو الصانع الذي يوجد ثمّ ينقطع عن إدارة المصنوع، وإنّما هو المدبر والقيّم والمدير الدائم التدبير ولذا فالأحرى بهم أن يختاروا اسماً آخر يميّزهم عما سواهم ويكون منسجماً مع حقيقة معتقدهم.
ولكننا لا نريد الوقوف كثيراً عند هاتين الملاحظتين، إذ لا مشاحة في الاصطلاح كما يقول أهل العلم.
النقطة الثانية : إن مصطلح الربوبي بما يختزنه من اعتقاد يختلف عن الرباني أو الربّي الوارد ذكرها في القرآن الكريم، قال تعالى: (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ) (سورة آل عمران-79)، ونحوه آيات أخرى وقال تعالى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) (سورة آل عمران-146). فالرباني والرِّبي هو المنسوب إلى الرب، وهذا التشابه اللفظي هو نقطة الالتقاء بينهما وبين الربوبي، لكنهما يختلفان في مضمون الاعتقاد، ففي حين ينكر الربوبي مبدأ النبوة، فإنّ الرباني - وكذا الربي - هو من يطيع الرب عزّ وجل في قوله وفعله مع كونه سائراً على هدي الأنبياء (ع) كما لا يخفى على المتأمل في الآيتين الآنفتين.
النقطة الثالثة : للربوبية قاموس مصطلحات خاص بهم، ويتحاشون استخدام المصطلحات الدينية الشائعة بين أتباع الديانات السماويّة. فهم يسمّون دينهم بــــ «الدين الطبيعي»، في إشارة إلى أنهم لا يؤمنون بدين يستند إلى الوحي، والله تعالى عندهم هو «المصمم الأعظم» أو «قوّة كونية هي مصدر الخلق».
يتحاشون - طبقاً لبعض كلماتهم - استخدام كلمة إيمان، لأنّه قد «أسيء استخدام هذه الكلمة بشكل رهيب من قبل الديانات السماويّة»، ويستبدلونها بكلمة ثقة . غير ذلك من المصطلحات التي سنلاحظها في دراستنا هذه.
وفي دراستنا النقديّة هذه للربوبية وأفكارها سوف نكتشف الكثير من التخبط والضعف الذي ينتاب هذا الفكر، وسنلاحظ أيضاً وجود غموض كبير يلفّ هذه الفكرة في العديد من جوانبها، ما يجعلها غير متماسكة وعاجزة عن الصمود في معترك البحث العلمي.
وفي الحديث عن المصطلحات لا بأس بالإشارة إلى أننا قد نجاري الربوبي أحياناً في استخدام مصطلح «الأديان» الذي يكثر ترداده على لسانه، وهو مصطلح شائع ويستخدمه الكثيرون بمن فيهم المتدينون، مع أننا لا نحبذ استخدامه من حيث المبدأ، لأنّ القرآن الكريم قد تحاشى استخدام هذا اللفظ، وإّنما ورد فيه لفظ الدين مفرداً، وفي سياق يؤكد على وحدة الدين عند الله، وإن تعددت الرسالات والشرائع، قال تعالى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) (سورة الشورى-13)، فروح الرسالات السماوية وجوهرها واحد، وأهدافها واحدة، وهي تلتقي في المبدأ والمنتهى، وإنّما الذي يقع فيه الاختلاف أو التطوّر من نبوّة إلى أخرى، هو الشرائع الناظمة لحياة الإنسان، قال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (سورة المائدة-48)، ولنا عودة إلى نقاط الاشتراك بين الرسالات، وهي نقاط تبرر القول: إنّ الدين في مبادئه وجوهره واحد.
الشيخ حسين الخشن
الشيخ علي آل محسن
حيدر حب الله
السيد عباس نور الدين
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ محمد جواد مغنية
الشيخ محمد صنقور
الشيخ مرتضى الباشا
عدنان الحاجي
الشيخ فوزي آل سيف
حسين حسن آل جامع
حبيب المعاتيق
ناجي حرابة
عبدالله طاهر المعيبد
فريد عبد الله النمر
أحمد الرويعي
حسين آل سهوان
أسمهان آل تراب
أحمد الماجد
علي النمر
المذهب الربوبي: مفهومه ودوافع اعتناقه (1)
مناهل الظّمأ
من قتل الإمام الحسين (ع)؟ (1)
دور الأربعين بين الشعائر الدينية في إحياء ذكرى عاشوراء (1)
التغيير المجتمعي، مراحله ومعالمه وأدبيّاته: مطالعة في ضوء القرآن الكريم (1)
مرتعشًا أمام الباب
ترتيلة الأربعين
كيف نزيد من محبّة أهل البيت (ع)؟ دور مجالس العزاء والمدح
سورة العاديات
المشيئة العليا