محتوى السورة
هذه السورة تناولت رسالة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وما فيها من دلائل بيّنة. وفي مقطع آخر من السورة بيان عن مواقف أهل الكتاب والمشركين تجاه الإسلام... بعضهم آمن وعمل صالحاً فهو خير المخلوقات، وبعضهم كفر وأشرك فهو شرّ البريّة.
هذه السورة أطلق عليها لمناسبة ألفاظها أسماء متعددة أشهرها: «البيّنة» و«لم يكن» و«القيّمة».
فضيلة تلاوة السورة
في المجمع عن أبي الدرداء قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: «لو يعلم الناس ما في (لم يكن) لعطلوا الأهل والمال وتعلموها». فقال رجل من خزاعة: ما فيها من الأجر يا رسول اللَّه؟ فقال: «لا يقرأها منافق أبداً ولا عبد في قلبه شك في اللَّه عزّ وجل. واللَّه إنّ الملائكة المقربين ليقرؤونها منذ خلق اللَّه السماوات والأرض لا يفترون عن قراءتها، وما من عبد يقرؤها بليل إلّابعث اللَّه ملائكة يحفظونه في دينه ودنياه ويدعون له بالمغفرة والرحمة، فإن قرأها نهاراً أعطي عليها من الثواب مثل ما أضاء عليه النهار وأظلم عليه الليل».
لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفاً مُطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3) وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4) وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)
في بداية السورة ذكر لأهل الكتاب (اليهود والنصارى) ومشركي العرب قبل ظهور الإسلام، فهؤلاء كانوا يدّعون أنّهم غير منفكين عن دينهم إلّابدليل واضح قاطع.
«لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيّنَةُ». و«البيّنة»: التي أرادوها: رسول من اللَّه يتلو عليهم كتاباً مطهّراً من ربّ العالمين: «رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً». وهذه الصحف فيها من الكتابة ما هو صحيح وثابت وذو قيمة: «فِيهَا كُتُبٌ قَيّمَةٌ». كان هذا ادّعاؤهم قبل ظهور الإسلام، وحينما ظهر ونزلت آياته تغيّر هؤلاء، واختلفوا وتفرقوا، وما تفرقوا إلّابعد أن جاءهم الدليل الواضح والنبي الصادح بالحق.
«وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيّنَةُ». وهذا المعنى يشبه ما جاء في الآية (89) من سورة البقرة: «وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدّقٌ لّمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ».
نعلم أنّ أهل الكتاب كانوا ينتظرون مثل هذا الظهور، ولابدّ أن يكون مشركو العرب مشاركين لأهل الكتاب في هذا الانتظار لما كانوا يرون فيهم من علم ومعرفة، ولكن حين تحققت آمالهم غيّروا مسيرهم والتحقوا بأعداء الدعوة.
«البيّنة»: في الآية هي الدليل الواضح، ومصداقها حسب الآية الثانية شخص «رسول اللَّه» وهو يتلو عليهم القرآن. «صحف»: جمع «صحيفة»، وتعني ما يكتب عليه من الورق، والمقصود بها هنا محتوى هذه الأوراق، إذ نعلم أنّ الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله لم يكن يتلو شيئاً عليهم من الأوراق.
و«مطهرّة»: أي طاهرة من كل ألوان الشرك والباطل، ومن تلاعب شياطين الجن والإنس، كما جاء في الآية (42) من سورة فصّلت: «لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ». ثم يتوالى التقريع لأهل الكتاب، ومن بعدهم للمشركين، لأنّهم اختلفوا في الدين الجديد، منهم مؤمن ومنهم كافر، بينما: «وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَوةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَوةَ».
ثم تضيف الآية القول: «وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ». والمقصود هو: إنّ دين الإسلام ليس فيه سوى التوحيد الخالص والصلاة والزكاة وأمثالها من التعاليم. وهذه أمور معروفة فلماذا يعرضون عنها. المقصود بــ «الدين» هو مجموع الدين والشريعة، أي إنّهم أمروا أن يعبدوا اللَّه وأن يخلصوا له الدين والتشريع في جميع المجالات.
جملة «وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ» إشارة إلى أنّ الأصول المذكورة في الآية وهي: التوحيد الخالص، والصلاة (الارتباط باللَّه) والزكاة (الارتباط بالنّاس) من الأصول الثابتة الخالدة في جميع الأديان، بل إنّها قائمة في أعماق فطرة الإنسان، ذلك لأنّ مصير الإنسان يرتبط بالتوحيد، وفطرته تدعوه إلى معرفة المنعم وشكره، ثم إنّ الروح الاجتماعية المدنية للإنسان تدعوه إلى مساعدة المحرومين.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)
خير البريّة وشرّها
الآيات السابقة تحدثت عن انتظار أهل الكتاب والمشركين لبيّنة تأتيهم من اللَّه، لكنّهم تفرقوا من بعدما جاءتهم البيّنة. هذه الآيات تذكر مجموعتين من الناس مختلفتين في موقفهما من الدعوة «كافرة» و«مؤمنة» تذكر الكافرين أوّلًا بالقول: «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ».
وعبارة «أولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ» عبارة قارعة مثيرة، تعني أنّه لا يوجد بين الأحياء وغير الأحياء موجود أضل وأسوأ من الذين تركوا الطريق المستقيم بعد وضوح الحق وإتمام الحجّة، وساروا في طريق الضلال.
تقديم ذكر «أهل الكتاب» على «المشركين» في هذه الآية أيضاً، قد يعود إلى ما عندهم من كتاب سماوي وعلماء ومن صفات صريحة لنبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله في كتبهم، لذلك كانت معارضتهم أفظع وأسوأ.
الآية التالية تذكر المجموعة الثانية، وهم المؤمنون وتقول: «إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ».
والآية التي بعدها تذكر جزاء هؤلاء المؤمنين، وما لهم عند اللَّه من مثوبة: «جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِىَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِىَ رَبَّهُ».
عبارة «أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ» تبيّن بجلاء أنّ الإنسان المؤمن ذا الأعمال الصالحة أفضل من الملائكة، فعبارة الآية مطلقة وليس فيها استثناء والآيات الأخرى تشهد على ذلك أيضاً، مثل آية سجود الملائكة لآدم، ومثل قوله سبحانه: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءَادَمَ» «1».
إنّهم راضون عن اللَّه لأنّ اللَّه أعطاهم ما أرادوه، واللَّه راض عنهم لأنّهم أدّوا ما أراده منهم، وإن كانت هناك زلة فقد غفرها بلطفه وكرمه، وأيّة لذة أعظم من أن يشعر الإنسان أنّه نال رضا المحبوب ووصاله ولقاءه.
نعم، نعيم جسد الإنسان جنات الخلد، ونعيم روحه رضا اللَّه ولقاؤه، لأنّ هذه الخشية دافع للحركة صوب كل طاعة وتقوى وعمل صالح.
علي عليه السلام وشيعته خير البريّة
ثمّة روايات كثيرة بطرق أهل السنّة في مصادرهم الحديثية المعروفة، وهكذا في المصادر الشيعية، فسّرت الآية: «أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ» بأنّهم علي بن أبي طالب عليه السلام وشيعته.
في الدر المنثور عن ابن عباس قال: لما نزلت «إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ»، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: «هو أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين».
وأخرج ابن مردويه عن علي عليه السلام قال: «قال لي رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: ألم تسمع قول اللَّه «إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ» أنت وشيعتك وموعدي وموعدكم الحوض، إذا جئت الأمم للحساب تدعون غرّاً محجلين».
هذا الحديث من الأحاديث المعروفة المشهورة المقبولة لدى أكثر علماء الإسلام، وفيه بيان لفضيلة كبرى من فضائل علي عليه السلام وأتباعه.
وهذه الروايات تدل ضمناً أنّ كلمة «الشيعة» باعتبارها اسماً لأتباع علي عليه السلام كانت قد شاعت منذ عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بين المسلمين على لسان الرسول نفسه. وأولئك الذين يخالون أنّ الكلمة هذه ظهرت في عصور متأخرة في خطأ كبير.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الإسراء / 70.
عدنان الحاجي
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ محمد جواد مغنية
السيد منير الخباز القطيفي
الشيخ محمد صنقور
السيد عادل العلوي
الشيخ فوزي آل سيف
السيد عباس نور الدين
أحمد الرويعي
حسين حسن آل جامع
عبدالله طاهر المعيبد
حبيب المعاتيق
حسين آل سهوان
أسمهان آل تراب
أحمد الماجد
فريد عبد الله النمر
علي النمر
زهراء الشوكان
أسلوب التواصل بين الطفل ووالديه تبادليّ الطابع، حتى لو كان بسنّ أربعة أشهر
رسالة في التوحيد (1)
موقف القرآن الكريم تجاه قانون العلّيّة
سورة البيّنة
الإمام زين العابدين (ع) يخلّد شهادة أبيه في ضمير الأمة
أدعية الإمام السّجّاد (ع) مدرسة ومنبر
بطولة الإمام السّجّاد (ع) في الأسر
ماذا تعرف عن القصور الوريدي المزمن؟
حول سيرة الإمام السجاد عليه السلام
الإمام زين العابدين وعلاج الفراغ الرّوحي