قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد صنقور
عن الكاتب :
عالم دين بحراني ورئيس مركز الهدى للدراسات الإسلامية

﴿محمد رسول الله وَالَّذِينَ مَعَهُ..﴾ مناقشة في الإطلاق (4)

النموذج الثالث: رواياتُ الأثَرة والظلم

 

ما ورد بأسانيدَ صحيحة ومعتبرة عن الرسول (ص) أنَّه أخبر عن أنَّ الأنصار سيلقَون بعده أَثرَةً وظلماً وأنَّ الأُمَّة ستغدُرُ بعليٍّ (ع) بعد وفاته وأنَّ أقواماً انطوت صدورهم على ضغائن لعليٍّ (ع) لن يبدوها إلا بعد وفاته (ص) وأنَّه عَهِد إلى عليٍّ (ع) أنْ يُقاتل الناكثين الذين ينكثون بيعته والقاسطين وهم الفئة الباغية، وكلُّ هؤلاء الذين نعتَهم الرسولُ (ص) بالظلم والغدر وأخبر عن ضغائنهم وإنَّهم ينكثون ويقسطون، كلُّ هؤلاء فيهم من الصحابة بل كانوا الروَّاد والمؤلبين والمؤازرين على الظلم واستباحة الدمِ الحرام.

 

فمن هذه الروايات: ما رواه البخاري في صحيحه بسنده عن أنس بن مالك عن رسولِ الله (ص) أنَّه قال للأنصار: "إنَّكم ستلقون بعدي أثَرَةً شديدةً فاصبروا حتى تلقوا اللهَ ورسولَه على الحوض"، قال أنس: فلم نصبر(1). وروى قريباً منه عن زيد بن عاصم إلا انَّه ورد في ذيلِه: "إنَّكم ستلقون بعدي أثَرَةً فاصبروا حتى تَلقوني على الحوض"(2).

 

وروى أيضاً بسنده عن أنس بن مالك أنَّ رسول الله (ص) أرسل إلى الأنصار فجمعَهم في قبَّةٍ وقال لهم: "اصبروا حتى تلقوا اللهَ ورسولَه فإنِّي على الحوض"(3). وقد روى البخاري في صحيحه أكثر من ستِّ روايات بأسانيد مختلفة اشتملت على خطاب الأنصار بالقول: "ستلقون بعدي أَثَرَةً فاصبروا"(4).

 

وروى ذلك مسلم في صحيحه وأخرج ثلاث روايات اشتملت على هذا الخطاب(5) وأخرج أحمد بن حنبل في مسنده أكثر من خمس روايات اشتملت على هذا الخطاب(6).

 

ومنها: ما رواه الحاكمُ النيسابوري بسنده عن حيّان الأسدي قال: سمعتُ عليَّاً يقول: قال لي رسولُ الله (ص) إنَّ الأُمَّة ستغدرُ بك بعدي وأنت تعيشُ على ملَّتي وتُقتلُ على سُنَّتي، مَن أحبَّك أحبَّني ومن أبغضَك أبغضني، وإنَّ هذه ستُخضبُ من هذا يعني لحيتَه من رأسه.

 

قال الحكام النيسابوري: صحيح(7).

 

وصحَّحه الذهبي(8)، ورواه البيهقي عن ثعلبة الحمَّاني قال: سمعتُ عليَّاً على المنبر يقول: "واللهِ إنَّه لعهدُ النبيِّ (ص) إليّ إنَّ الأمة ستغدرُ بِكَ بعدي"(9).

 

ورواه في تذكرة الحُفَّاظ بسنده عن إبراهيم بن علقمة ورواه في تاريخ بغداد بسندِه عن أبي إدريس وكذلك ابنُ كثير في البداية والنهاية(10).

 

وروى الحاكم النيسابوري بسنده عن أبي إدريس الأودي عن عليٍّ (ع) قال: "إنَّ ممَّا عهد إليَّ النبيُّ (ص) إنَّ الأُمة ستغدرُ بي بعدَه".

 

قال الحاكم: هذا حديثٌ صحيحُ الإسناد(11).

 

ومنها: ما رواه الطبراني في المعجم الكبير بسنده عن ابن عباس قال: خرجتُ أنا والنبيُّ (ص) وعليٌّ في حشان المدينة فمررنا بحديقةٍ فقال عليٌّ: "ما أحسنَ هذه الحديقة يا رسولَ الله". فقال: "حديقتُك في الجنَّة أحسنُ منها" ثم أومأ بيده إلى رأسِه ولحيتِه ثم بكى حتى علا بكاؤه، قيل: ما يُبكيك؟!، قال (ص): "ضغائنُ في صدور قومٍ لا يُبدونها لك حتى يفقدوني"(12).

 

وروى في مجمع الزوائد عن عليٍّ (ع) قريباً من هذا النصِّ إلا أنَّه ورد فيه: "فلمَّا خلا لي الطريق اعتنقني ثم أجهشَ باكياً، قلتُ: يا رسول الله ما يُبكيك؟ قال: ضغائنُ في صدور أقوام لا يُبدونها لك إلا بعدي، قال: قلتُ يا رسول الله في سلامةٍ من ديني؟ قال: في سلامةٍ من دينك"(13).

 

أقول ذكر الهيثمي أنَّ رجال هذا الحديث ثقاةٌ إلا أنَّ فيه الفضل ابن عميرة وقد وثَّقه ابنُ حبَّان، وروى ابنُ عساكر في تاريخ دمشق قريباً منه عن أنس بن مالك ورواه ابنُ عدي في الكامل وغيرُهم(14).

 

ومنها: ما رواهُ الحاكم النيسابوري بسنده عن أبي أيُّوب الأنصاريِّ في خلافة عمر بن الخطاب قال: أمرَ رسولُ الله (ص) عليَّ بن أبي طالب بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين(15).

 

وروى الطبراني في المعجم الكبير بسنده عن مِحنف بن سليم قال: أتينا أبا أيُّوب الأنصاري وهو يعلفُ خيلاً له بصنعبى فقِلنا عنده، فقلتُ له: أبا أيُّوب قاتلتَ المشركين مع رسول الله (ص) ثم جئتَ تُقاتل المسلمين، قال: إنَّ رسول الله (ص) أمرني بقتال ثلاثة الناكثين والقاسطين والمارقين، فقد قاتلتُ الناكثين وقاتلت القاسطين وأنا مقاتلٌ إنْ شاء اللهُ المارقين بالشعفات بالطرقات بالنهراوات وما أدري ما هم(16).

 

ورواه الحاكمُ النيسابوري في المستدرَك على الصحيحين(17).

 

وروى أبو يعلى بسنده عن عمَّار بن ياسر قال: "أُمرت أنْ أقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين"(18).

 

وروى قريباً منه بسنده عن عليِّ بن ربيعة قال: سمعتُ عليَّاً على منبرِكم يقول: "عَهِدَ إليَّ النبيُّ (ص) أنْ أُقاتلَ الناكِثينِ والقاسطينَ والمَارقين"(19).

 

والمرادُ من الناكثين -كما أفاد ابنُ الأثير في النهاية- أصحابُ الجمل لأنَّهم نكثوا بيعتَهم، والقاسطين أهلُ الشام لأنَّهم جاروا في حكمِهم وبغوا عليه، والمارقين الخوارج لأنَّهم مرقوا من الدين كما يمرقُ السهمُ من الرمية(20).

 

ثالثا: القرائن التاريخيَّة:

 

وأما القرائنُ التاريخيَّة فيكفي أنْ نقفَ على ما وقع من فتنةٍ أودتْ بحياة الخليفة عثمان، وقد كان في المؤلِّبين عليه صحابةٌ مثل طلحة بن عبد الله وعمرو بن العاص وغيرهما، وما وقع في حربِ الجمل فقد كان فيمَن خرج على الخليفة الشرعيِّ صحابةٌ مثل طلحة والزبير وعبد الله بن الزبير، وقد قُتل في هذه الحرب جمعٌ غفير من الطرفين، وكذلك ما وقع في حرب صفِّين فقد كان يقودُ الحرب على إمام الزمان صحابيٌّ هو معاوية بن أبي سفيان ومعه جمع من الصحابة مثل عمرو بن العاص وعبد الله بن عمرو بن العاص والوليد بن عقبة والمغيرة بن شعبة والنعمان بن بشير وغيرهم(21).

 

فكيف يستقيمُ وصفُ هؤلاءِ بقولِه تعالى: ﴿رُحَمَاء بَيْنَهُمْ﴾(22) وأنَّ ﴿مثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ ..﴾(23).

 

هذه مجموعة من القرائن حرصنا فيها على الإيجاز الشديد وهي مقتضية للقطع بعدم إرادة الإطلاق من قوله تعالى: ﴿محمد رسول الله وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾(24).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- صحيح البخاري -البخاري- ج4 / ص60.

2- صحيح البخاري -البخاري- ج5 / ص104.

3- صحيح البخاري -البخاري- ج8 / ص184.

4- صحيح البخاري -البخاري- ج3 / ص80، ج4 / ص225،64،60، ج5 / ص104، ج8 / ص88،87.

5- صحيح مسلم -مسلم النيسابوري- ج3 / ص109، ج6 / ص19.

6- مسند أحمد -أحمد بن حنبل- ج3 / ص171،167،166،111،57، ج4 / ص351،292،42، ج5 / ص304.

7- المستدرك -الحاكم النيسابوري- ج3 / ص140، طريق آخر وصفه بالصحيح ج3 / ص142.

8- الإكمال في أسماء الرجال -الخطيب التبريزي- قال صححه الحاكم والذهبي ص68.

9- دلائل النبوة للبيهقي ج6 / ص440، البداية والنهاية- ابن كثير- ج7 / ص360.

10- البداية والنهاية- ابن كثير- ج7 / ص360، تاريخ مدينة دمشق- ابن عساكر- ج42 / ص447، تاريخ بغداد- الخطيب البغدادي- ج11 / ص216.

11- المستدرك -الحاكم النيسابوري- ج3 / ص142،140.

12- المعجم الكبير -الطبراني- ج11 ص61.

13- مجمع الزوائد -الهيثمي- ج9 / ص118.

14- مجمع الزوائد -الهيثمي- ج9 / ص118، تاريخ مدينة دمشق -ابن عساكر- ج26 / ص337، الكامل -عبد الله بن عدي- ج7 ص173، مسند أبي يعلى -أبو يعلى المو صلي- ج1 ص427.

15- المستدرك -الحاكم النيسابوري- ج3 / ص139، مجمع الزوائد -الهيثمي- قال رواه البزاز والطبراني في الاوسط وأحد اسنادي البزاز رجاله رجال الصحيح غير الربيع بن سعيد ووثقه ابن حبان ج7 / ص238.

16- المعجم الكبير -الطبراني- ج4 / ص172.

17- المستدرك -الحاكم النيسابوري- ج3 / ص140.

18- مسند أبي يعلى -أبو يعلى الموصلي- ج3 / ص194.

19- مسند أبي يعلى -أبو يعلى الموصلي- ج1 / ص397، مجمع الزوائد -الهيثمي- ج5 / ص186. قال: رواه البزاز والطبراني في الأوسط وأحد اسنادي البزاز رجاله رجال الصحيح غير الربيع بن سعيد ووثقه ابن حبان، البداية والنهاية -ابن كثير- ج7 / ص338 أورد الحديث بطرق متعددة، أسد الغابة- ابن الأثير -ج4 / ص33.

20- النهاية في غريب الحديث -ابن الأثير- ج4 / ص60.

21- ضع يدك على ما شئت من كتب المؤرخين والمحدثين ممن تصدى للحديث عن هذه الوقائع.

22- سورة الفتح / 29.

23- سورة الفتح / 29.

24- سورة الفتح / 29.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد