قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد محمد حسين الطهراني
عن الكاتب :
عُرف بين الناس باسم العلامة الطهراني، عارف وفيلسوف، ومؤلف موسوعي، من مؤلفاته: دورة المعارف، ودورة العلوم، توفي عن عمر يناهز الواحد والسبعين من العمر، سنة 1416 هـ.

(قَدْ جَآءَكُمْ مِّنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ‌)

قال الله الحكيم في كتابه الكريم: (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ ، يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى‌ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ).1

 

قال آية الله العلّامة الطباطبائيّ مدّ ظلّه العالي في تفسير هاتين الآيتين. قوله تعالى: قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ. ظاهر قوله: قَدْ جَآءَكُم مِّنَ اللهِ كون هذا الجائي قائماً به تعالى نحو قيام كقيام البيان أو الكلام بالمبيِّن والمتكلم، وهذا يؤيّد كون المراد بالنور هو القرآن؛ وعلى هذا فيكون قوله وَكِتَابٌ مُّبِينٌ معطوفاً عليه عطف تفسير، والمراد بالنور والكتاب المبين جميعاً القرآن.

 

وقد سمّى الله تعالى القرآن نوراً في موارد من كلامه، كقوله تعالى: وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ،2 وقوله: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا،3 وقوله: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً.4

 

ومن المحتمل أن يكون المراد بالنور النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم على ما أفاده صدر الكلام في الآية: قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا؛ وقد عدّه الله تعالى نوراً في قوله: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَ نَذِيراً، وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً.5

 

قوله تعالى: يَهْدِي بِهِ اللهُ، أي أنّ الله يهدي بسببه، ومعلوم أنّ هذا السبب من الأسباب الظاهريّة، فحقيقة الهداية قائمة به تعالى، وهو الذي يسخّر إمّا رسوله أو قرآنه لأمر الهدآية:

 

ومعنى السلام،  السلامة هو التخلّص من كلّ شقاء يختلّ به أمر سعادة الحياة في دنيا أو آخرة، فأمر الهداية الإلهيّة يدور مدار اتّباع رضوان الله، وقد قال تعالى: لا يَرْضى‌ لِعِبادِهِ الْكُفْرَ،6 وقال: فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى‌ عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ.7 ويتوقّف بالآخرة على اجتناب سبيل الظلم والانخراط في سلك الظالمين، وقد نفى الله سبحانه عنهم هدايته وآيسهم من نيل هذه الكرامة الإلهيّة بقوله: وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ.8

 

فالآية؛ أعني قوله: يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ؛ تجري مجرى قوله‌: الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَ هُمْ مُهْتَدُونَ.9

 

قوله تعالى: وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ، في جمع الظلمات، وإفراد النور إشارة إلى أنّ طريق الحقّ لا اختلاف فيه ولا تفرّق وإن تعدّدت بحسب المقامات والمواقف، بخلاف طريق الباطل؛ والإخراج من الظلمات إلى النور إذا نُسب إلى غيره تعالى كنبيٍّ أو كتابٍ فمعنى إذنه تعالى فيه إجازته ورضاه، كما قال تعالى: كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ‌،10 فقيّد إخراجه إيّاهم من الظلمات إلى النور بإذن ربّهم ليخرج بذلك عن الاستقلال في السببيّة، فإنّ السبب الحقيقيّ لذلك هو الله سبحانه؛ وقال‌: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى‌ بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ11 فلم يقيّده بالإذن لاشتمال أمر «أخرج» على معنى الإذن، و إذا نُسب الإذن إلى الله تعالى فمعنى إخراجهم بإذن إخراجهم بعلمه كما في الآية التي نبحثها وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ، أي بعلمه يخرج الله سبحانه تعالى الناس، وقد جاء الإذن بمعنى العلم في كثير من الآيات القرآنيّة، يُقال أذِنَ به أي عَلِمَ به، ومن هذا الباب قوله تعالى: وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ،12 أي إعلام من الله ورسوله، والآية: فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى‌ سَواءٍ،13.

 

وقد جي‌ء بالسُّبُل بصيغة الجمع كما جي‌ء بالصراط بصيغة المفرد، لأنّ سُبُل السلام إلى الله مختلفة وكثيرة، أمّا الصراط المستقيم الذي يُنسب إليه تعالى فهو طريقٌ له الهيمنة على جميع تلك السبل، فكلُّ سبيلٍ إلى الله يتّحد مع الصراط المستقيم بمقدار خلوصه.14

 

لقد وصف الله تعالى القرآن في الآية التي أوردناها مطلع الكلام بصفتينِ، الأولى أنّه نُورٌ، والثانية أنّه كِتَابٌ مُبِينٌ، وبيّن له آثاراً ثلاثة.

 

  • الأوّل: الهداية إلى سبل السلام.
  • الثاني: الإخراج من عالم الظلمات إلى النور بإذن الله.
  • الثالث: الإرشاد إلى الصراط المستقيم والطريق الحقّ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  1. الآيتان 15 و 16، من السورة 5: المائدة.
  2. الآية 157، من السورة 7: الأعراف.
  3. الآية 8، من السورة 64: التغابن.
  4. الآية 174، من السورة 4: النساء.
  5. الآيتان 45 و 46، من السورة 33: الأحزاب.
  6. الآية 7، من السورة 39: الزمر.
  7. الآية 96، من السورة 9: التوبة.
  8. الآية 5، من السورة 62: الجمعة.
  9. الآية 82، من السورة 6: الأنعام.
  10. الآية 1، من السورة 14: إبراهيم.
  11. الآية 5، من السورة 14: إبراهيم.
  12. الآية 3، من السورة 9: التوبة.
  13. الآية 109، من السورة 21: الأنبياء.
  14. خلاصة كلام العلّامة، و للتفصيل راجع تفسير «الميزان» ج 5، ص 263 إلى 265.

 

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد