بعض خصائص الشيعة:
أمر النبي «صلى الله عليه وآله» أصحابه بأن لا يبدأوا المشركين بقتال في معركة بدر. وإن أمير المؤمنين عليًّا «عليه السلام» كان يأمر أصحابه أن لا يبدأوا أعداءه بقتال. فقد جاء أنه «عليه السلام» نادى في الناس يوم الجمل: لا يرمين رجل بسهم، ولا يطعن برمح، ولا يضرب بسيف، ولا تبدأوا القوم بالقتال، وكلموهم بألطف الكلام.
قال سعيد: فلم نزل وقوفًا حتى تعالى النهار؛ حتى نادى القوم بأجمعهم: يا ثارات عثمان إلخ .. وبذلك أيضًا أوصى «عليه السلام» أصحابه في صفين (١).
وأوصى الإمام الحسين «عليه السلام» أصحابه في كربلاء. نعم، وقد:
ـ صار ذلك شعار الشيعة، فإنهم كانوا لا يبدأون أحدًا بقتال أيضًا. قال الجاحظ، وهو يتحدث عن كردويه الأقطع الأيسر (وهو من بطارقة سندان الشجعان) وكان لا يضرب أحدًا إلا حطمه، وكان إذا ضرب قتل، قال الجاحظ: «كان كردويه مع فتكه وإقدامه يتشيع؛ فكان لا يبدأ بقتال حتى يبتدأ» (٢).
ـ كان النبي «صلى الله عليه وآله» قد أسر أبا عزة الجمحي في بدر، ثم منّ عليه لأجل بناته الخمس، وأخذ عليه العهد أن لا يعود إلى حرب المسلمين، وأن لا يظاهر عليه أحدًا. لكنه عاد فنقض العهد، وألب القبائل، وشارك في معركة أحد، فأسر، وطلب العفو، فرفض النبي «صلى الله عليه وآله» طلبه؛ حتى لا يمسح عارضيه في مكة ويقول: إنه سخر من محمد مرتين.
وبذلك يكون النبي «صلى الله عليه وآله» قد ضرب المثل الأعلى للمؤمن اليقظ، الذي لا يخدع، ولا يستغل، ولا مجال لأن يسخر منه أحد؛ فهناك الكلمة المروية عن الرسول «صلى الله عليه وآله»، والتي لا يجهلها أحد: «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين» (٣).
وقد شهد معاوية للحسين وأبيه أنهما لا يخدعان، وذلك حينما قال لعبيد الله بن عمر: «إن الحسين بن علي لا يخدع، وهو ابن أبيه» (٤).
ولقد ورث شيعة أمير المؤمنين «عليه السلام» هذه الخصيصة عن إمامهم الذي ورثها عن مؤدبه ومربيه النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله»، فقد عرفوا على مر الزمن باليقظة المتناهية، والنباهة العالية، بالإضافة إلى صفات نادرة أخرى.
وكشاهد على ذلك نشير إلى ما ذكره التنوخي من أن الحسن بن لؤلؤ قد قال لمن أراد أن يحتال عليه: «أتعاطي علي، وأنا بغدادي، باب طاقي، وراق، صاحب حديث، شيعي، أزرق، كوسج؟» (٥).
ـ واشتهر الشيعة أيضًا: بالدقة والتحري في أمور دينهم، فقد كان أسد بن عمرو على قضاء واسط، فقال: «رأيت قبلة واسط رديئة جدًّا، وتبين لي ذلك، فتحرفت فيها.
فقال قوم من أهل واسط: هذا رافضي.
فقيل لهم: ويلكم، هذا من أصحاب أبي حنيفة، كيف يكون رافضيًّا» (٦). وإن الجاحظ يذكر: «أن بني أمية قد حولوا قبلة واسط». ويقول: «فأحسب أن تحويل القبلة كان غلطًا» (٧).
وقلنا: إن الظاهر هو أنها قد حولت إلى بيت المقدس؛ لأن عبد الملك قد بنى القبة على الصخرة، وأمر الناس بالحج إليها، والطواف حولها، والسعي، والنحر، وغير ذلك من أمور الحج.
وقلنا: إننا نستقرب جدًّا أن يكون استحباب التياسر في القبلة لخصوص أهل العراق، مرده ذلك، وأنه حكم وقتي من دون إلزام فيه، لئلا يقع المؤمنون في حرج في مقابل السلطة الغاشمة.
ـ لقد كان الشيعة معروفين بشدة الغيرة على نسائهم، ولذلك نجد زكريا القزويني يقول عن أهل المدائن: «أهلها فلاحون، شيعة، إمامية، ومن عاداتهم: أن نساءهم لا يخرجون نهارًا أصلًا» (٨).
وهذا الأمر موجود حتى الآن في بعض مدن الشيعة في إيران، كما في قصبة خسرو شاه من توابع تبريز، فإنك لا تكاد تجد امرأة في شوارع المدينة نهارًا أصلًا. كما ذكره لي بعض أهل العلم.
وليس هذا إلا اقتداء منهم بسيدتهم الزهراء «صلوات الله وسلامه عليها»، التي كانت لا تخرج إلا ليلًا، إلا إذا اضطرت إلى ذلك لخصومة سياسية أو إثبات حق، أو نحو ذلك.
ـ لقد كان حجر بن عدي وأصحابه معروفين بأنهم: «ينتقدون على الأمراء، ويسارعون في الإنكار عليهم، ويبالغون في ذلك» (٩). وهذا هو مذهب الشيعة، وهذه هي عقيدتهم. على عكس غيرهم ممن يوجب السكوت والتسليم.
ـ ومن خصائصهم ـ يعني حجر بن عدي وأصحابه ـ : أنهم «يتشددون في الدين» (١٠) حتى لقد جعل ذلك من أسباب الطعن عليهم.
ـ ورغم اضطهاد الحكام للشيعة، فإنهم كانوا في بغداد أهل يسار (١١).
والظاهر: أن مرد ذلك إلى أنهم كانوا يبر بعضهم بعضًا، في مقابل حرمان الحكام لهم، واضطهادهم إياهم. فكانوا يهتمون بقضاء حاجات بعضهم البعض، وحل مشاكلهم، وتيسير أمورهم.
ـ ومن خصائصهم كذلك بعد صيتهم (١٢)، أي شيوع ذكرهم الحسن، وهذا يعني أنهم كانوا مستقيمين في سلوكهم، ومواقفهم، وعلاقاتهم، وغير ذلك.
ومن ذلك أيضًا: محافظتهم على الصلاة في أول وقتها، ويدل على ذلك قصة المأمون مع يحيى بن أكثم، وفي آخرها قال له المأمون: «إن الشيعة أشد رعاية لأوقات الصلاة من المرجئة» (١٣).
وأما غيرهم، فقد روى مالك عن القاسم بن محمد، أنه قال: ما أدركت الناس إلا وهم يصلون الظهر بعشي (١٤).
وقال الجاحظ: «وتفخر هاشم عليهم (أي على بني أمية) بأنهم: لم يهدموا الكعبة، ولم يحولوا القبلة، ولم يجعلوا الرسول دون الخليفة، ولم يختموا في أعناق الصحابة، ولم يغيروا أوقات الصلاة» (١٥).
وهذا يدل على مدى تأثر الناس بسيرة وروحية حكامهم الأمويين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) سنن البيهقي ج 8 ص ١٨٠ ، وحياة الصحابة ج ٢ ص ٥٠٣ عنه ، وراجع : تذكرة الخواص ص ٧٢ و٩١ ، والفتوح لابن أعثم ج ٣ ص ٤٥ ، وج ٢ ص ٤٩٠ ، وأنساب الأشراف بتحقيق المحمودي ج ٢ ص ٢٤٠ ، ومناقب الخوارزمي ص ١٨٣.
(٢) البرصان والعرجان والعميان والحولان للجاحظ ص ٣٣٣.
(٣) مسند أحمد ج ٢ ص ١١٥ و٣٧٣ ، وراجع : فيض الباري ج ٤ ص ٣٩٦.
(٤) راجع : الفتوح لابن أعثم ج ٣ ص ٥٧.
(٥) نشوار المحاضرات ج ٥ ص ١٣ و١٤ ، وراجع : المنتظم لابن الجوزي ج ٧ ص ١٤٠.
(٦) تاريخ بغداد ج ٧ ص ١٦ ، ونشوار المحاضرات ج ٦ ص ٣٦.
(٧) رسائل الجاحظ ج ٢ ص ١٦ ، وراجع الجزء الأول من هذا الكتاب.
(٨) آثار البلاد وأخبار العباد ص ٤٥٣.
(٩) البداية والنهاية ج ٨ ص ٥٤ عن ابن جرير وغيره.
(١٠) المصدر السابق.
(١١) أحسن التقاسيم ص ٤١.
(١٢) المصدر السابق.
(١٣) الموفقيات للزبير بن بكار ص ١٣٤ ، وراجع : عصر المأمون ج ١ ص ٤٤٥.
(١٤) موطأ مالك ، (مع تنوير الحوالك) ج ١ ص ٢٧.
(١٥) آثار الجاحظ ص ٢٠٥.
السيد محمد حسين الطهراني
محمود حيدر
عدنان الحاجي
الدكتور محمد حسين علي الصغير
الشيخ علي رضا بناهيان
السيد عبد الحسين دستغيب
الشيخ محمد مهدي النراقي
الشيخ محمد صنقور
السيد جعفر مرتضى
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
حسين حسن آل جامع
حبيب المعاتيق
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ناجي حرابة
أحمد الرويعي
حسين آل سهوان
أسمهان آل تراب
أحمد الماجد
علي النمر
مَن أحبّ شيئًا لهج بذكره
(المهدوية، جدليّة الإيمان والمواجهة في الفكر العالميّ والضّمير الإنسانيّ) جديد الكاتب مجتبى السادة
وحيانيّة الفلسفة في الحكمة المتعالية (2)
الأطفال يبدأون التفكير منطقيًّا أبكر مما كان يعتقد
وقوع المجاز في القرآن (2)
سيكولوجية الكفر
المسلّمي يدشّن كتابه الجديد: (آداب المجالس الحسينيّة)
زكي السالم: (معارض الكتاب بين فشخرة الزّائرين ونفخرة المؤلّفين)
لا تجعل في قلبك غلّاً
قانون معرفة الفضائل الكلي