قراءة في كتاب

ديوان الشّيخ علي نقيّ الأحسائيّ، صورة عن زمانه وآلامه وآماله

يقول الأستاذ محمّد كاظم الطّريحي في تحقيقه لديوان الشّيخ علي نقيّ الأحسائيّ: شعر الشّيخ علي نقيّ متفرّق في مجاميعه، وفيما كتبه من مؤلّفاته على أنّه جمع ديوانه في حياته، وأصلح الكثير من أبياته، وديوانه الّذي عثرنا عليه هو النّسخة الوحيدة – على الظّاهر – الّتي استكتبها لنفسه، وأجرى قلمه في تصحيح ما فات ناسخها منْ أغلاط، وتتكوّن هذه النّسخة من مئة وستّ وعشرين صفحة، ومسطرتها سبعة عشر سطرًا، مكتوبة بالقلم النّسخيّ الـمشوب بالثّلث وعليها إصلاحات كثيرة وتمليكات.

 

وجمع المحقّق في دراسته ما تطرّق إليه من فنون الشّعر في سبعة أبواب هي: الغزل والنّسيب، المدائح والمراثي، الأمثال والـحكم، الفخر والحماس، الذّمّ والهجاء، الألغاز والأحاجي، وفي باب آخر جمع ما تفرّق من الفنون الشّعريّة الأخرى.

ويتابع الطّريحي قائلاً: والشّاعر في ديوانه مطبوع غير متكلّف، مقلّ لا ينظم إلّا في المناسبة، وأكثر ما نظمه، ما كان مرتبطًا بحياته وأبناء زمانه، لذلك يمكننا تصوير عصره الّذي عاش فيه، وما صادفته من العقبات، والنّكبات والأزمات النّفسيّة، التي خلقت منه شاعرًا محلّقًا.

 

وهو عالم أديب أكثر من كونه شاعرًا مفلّقًا لأنّه لم يتمرّس في الصّناعة الشّعريّة ليكون شاعرًا فحسب، بل كان حكيمًا إلهيًّا، ومرجعًا دينيًّا، ذكره من أرّخ له بأنّه كان أديبًا رجاليًّا، وحكيمًا فقيهًا عارفًا، ولم يذكر عنه أنّه كان شاعرًا يعدّ في الطّليعة، لذلك فيما نظمه لا يتعدّى أسلوبه الخاصّ في نظرته إلى الحياة والمجتمع، فلم يحلّق كغيره من الشّعراء، ليقتطف معنًى خياليًّا مبتكرًا، على أنّه إذا عدّ شعراء عصره يمكننا أن نجعله في الرّعيل الأوّل منهم.

وهو بحقّ شاعر مجيد، يستحقّ الدّرس والحفظ والتّمجيد، وفي ديوانه، يصوّر زمنه وآلامه وآماله، فقد كان مجموعة يبيّن من خلالها مجتمعه، وما كان سائدًا فيه من الآراء والمعتقدات، التي يمثّلها في مدائحه ومراثيه وأهاجيه، وكيفيّة انشغال أهل العلم – في ذلك الزّمن – بالألغاز والأحاجي قضاءً للوقت وترويحًا عن النّفس من عناء الدّرس.    

 

وقد توالت على الشّيخ علي نقي النّكبات والرّزايا، وابتلي بالـمحن والبلايا، بعدما راق له الزّمان وصفا، وطاب له العيش وهنا، فامتحن بأمور قاسية، وقلب له الزّمان ظهر الـمجنّ، وليس كفقد ولديه الحسن والحسين من مرارة وأسًى وشجن، وقد ورد في الدّيوان كثير من أبيات الرّثاءِ بحقّهما.

والشّيخ علي نقي، المعروف ببدر الإيمان، هو ابن الشّيخ الأوحد الشّيخ أحمد بن زين الدين بن إبراهيم بن داغر بن رمضان بن راشد بن دهيم بن شمروخ آل صقر المطيرفيّ الأحسائيّ.

 

كان عالـمًا عاملًا زاهدًا تقيًّا نقيًّا ورعًا مـحقّقًا مدقّقًا، له تصانيف في المعقول والمنقول كثيرة، وتحقيقات أنيقة مبتكرة، وكان أيضًا شاعرًا وأديبًا بارعًا، له ديوان يحتوي على المديح والرّثاء والمواعظ والـحكم مطبوع في طهران.

لم تتطرّق بعض الـمصادر التّاريخيّة إلى سنة ولادته ولا مـحلّها، لكنّ بعضًا من الدّراسات والبحوث، تـجزم بأنّ ولادته كانت في الأحساء موطن آبائه، وبعضًا منها ترجّح أنّه ولد بحدود العام ألف ومئتين للهجرة.

 

نشأ في الأحساء ودرس على والده، وعليه تلقّى معظم دروسه الحوزويّة، خصوصًا المقدّمات والسّطوح، وكان ملازمًا لوالده ورفيقًا له في أسفاره منذ أن غادر الأحساء في العام ألف ومئتين وثمانية إلى البحرين، ثمّ منها إلى العتبات المقدّسة في العراق عام ألف ومئتين واثني عشر، وبقي بخدمة والده في تجواله العريض الذي شمل بعد العتبات المقدّسة، كلاًّ من البصرة وخراسان ويزد وطهران وكرمنشاه وقزين وأصفهان وغيرها من المدن الإيرانية.

 

حين نزل إيران حضر على عدد من أعلامها من بينهم الشّيخ محمّد بن محمّد البرهاني القزويني، والشّيخ محمّد تقي بن الشّيخ محمّد البرهاني، والملاّ آغا الحكمي، الذي أجازهُ مرّتين، كذلك حصلت له أسفار بمفرده إلى بعض المدن العراقيّة والإيرانيّة، نظم في بعضها أبياتًا من الشّعر.

 له كثير من المؤلّفات منها: نهج المحجّة، منهاج السّالكين، مشرق الأنوار، رسالة في تفسير قاب قوسين، رسالة في علمه تعالى، رسالة موسى والخضر، أجوبة المسائل الهمدانيّة، أجوبة المسائل البحرانيّة، كشكول في مجلّدين، وسوى ذلك الكثير منَ الكتب في المعقول والمنقول.

 

تصدّى للمرجعيّة بعد أبيه، فقلّده معظم مقلّدي والده خصوصًا في إيران، وكان يتمتّع بحافظة قويّة جدًّا، حتّى نقل عن والده أنّه قال: عليٌّ أحفظ مني. ونقل عنه أنّه كان يحفظ اثني عشر ألف حديث بأسانيدها. ومن الأحاديث بلا أسناد ما لا يحصى، وما كان يتلى عنده من قصائد الجاهليّة إلى زمانه، إلّا كان يأتي بآخرها، وكان يحفظ كثيرًا من متون الكتب والرّسائل.

 

ذكر وفاته تلميذه المازندراني فقال ما نصّه: تاريخ وفاة مولاي وسيّدي وسندي، الحكيم العارف الزّاهد، المرحوم المغفور له، الشّيخ علي نقي بن المرحوم الشّيخ أحمد بن زين الدّين الأحسائيّ، صبح يوم الأحد الثّالث والعشرين من ذي الحجّة الحرام، سنة ألف ومئتين وستّة وأربعين للهجرة في كرمانشاه، ودفن في خارج البلد في الطّريق الذي يروحون منه إلى كربلاء بوصيّة منه، ومات بمرض الطّاعون، وقد عاش بعد والده خمس سنوات وأحد عشر يومًا.

 

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد