مقالات

اذكروا نِعَم الله

يعجز الإنسان في الحياة الدنيا عن إحصاء نِعَم الله عليه، ولا طاقة له على أداء شكرها واقعاً وفعلاً، لا بالجنان ولا باللسان ولا بالبيان؛ لذا كان الله تعالى غفوراً رحيماً لمن كان مقصّراً في أداء الشكر، حيث وسّع على الإنسان نِعَمه، ولم يقطعها بتقصيره ومعاصيه. وعلى الرغم من رحمة الله وغفرانه للمقصّرين، ثمّة من يظلم نفسه بالكفر بنِعَم الله تعالى وجحوده لها.

 

التعامل مع النّعَم الإلهيّة

 

إنّ كفران النِعَم مقدّمة لزوالها، وهو يختلف بين نعمة وأخرى؛ فكفران نعمة المال التبذير ومنعه عن الآخرين والتفريط به، وكفران نعمة الصحّة والفراغ يكون بعدم الاستفادة منها وتضييعها، يقول تعالى: ﴿وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلا قَرۡيَة كَانَتۡ ءَامِنَة مُّطۡمَئِنَّة يَأۡتِيهَا رِزۡقُهَا رَغَدا مِّن كُلِّ مَكَان فَكَفَرَتۡ بِأَنۡعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَٰقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلۡجُوعِ وَٱلۡخَوۡفِ بِمَا كَانُواْ يَصۡنَعُونَ﴾[1]. وفي ما يأتي نذكر بعضاً من آداب التعامل مع النِعَم، كي نكون ممّن يكفر بأنعم الله تعالى:

 

1. تحميد الله وتمجيده: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) لكميل: «يا كميل، إنّك لا تخلو من نِعَم الله عندك وعافيته إيّاك، فلا تخلُ من تحميده وتمجيده وتسبيحه وتقديسه [وشكره] وذكره على كلّ حال»[2].

 

2. عدم الفساد والانحراف: إنّ الله تعالى يغدق نِعَمه على جميع الأمم، فإذا استفادوا منها إفادة صحيحة في السير نحو الكمال، وفي سبيل الحقّ تعالى، فإنّ الله تعالى يُثبّتها ويزيدها، أمّا إذا استُغِلّت في سبيل الطغيان والانحراف والفساد، فإنّ الله تعالى يسلب تلك النِعَم أو يبدّلها إلى بلاءات ومصائب، قال تعالى: ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمۡ يَكُ مُغَيِّرا نِّعۡمَةً أَنۡعَمَهَا عَلَىٰ قَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيم﴾[3].

 

3. عدم بَذْلها في المعصية: إنّ أقلّ الواجب ألّا يعمدَ المرء إلى هذه النعمة فيتصرَّف بها في الحرام، ناسِياً الرحمة الإلهيّة التي أفاضَتها عليه؛ عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنْ أردتَ أن يُختَم بخيرٍ عملُك حتّى تُقبَض، وأنت في أفضل الأعمال، فَعَظِّم لله حقّه أن لا تبذل نعماءه في معاصيه»[4]، وَعن الإمام عليّ (عليه السلام): «أقلّ ما يلزمكم لله، ألّا تستعينوا بنِعَمه على معاصيه»[5].

 

4. القناعة والاقتصاد: عن الإمام الكاظم (عليه السلام): «مَن اقتصر وقنع بقيت عليه النعمة، ومَن بذّر وأسرف زالت عنه النعمة»[6].

 

5. ذكر النعمة الإلهيّة: قال تعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثۡ﴾[7]، ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡۚ هَلۡ مِنۡ خَٰلِقٍ غَيۡرُ ٱللَّهِ يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ﴾[8].

 

ما يُوجب بقاءَ النِعَم وزيادتها

 

1. الإيمان والتقوى: قال تعالى: ﴿وَلَوۡ أَنَّ أَهۡلَ ٱلۡقُرَىٰٓ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوۡاْ لَفَتَحۡنَا عَلَيۡهِم بَرَكَٰت مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَٰكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذۡنَٰهُم بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ﴾[9]، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «وَاسْتَتِمُّوا نِعَمَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ بِالصَبْرِ عَلَى طَاعَتِهِ، وَالْمُجَانَبَةِ لِمَعْصِيَتِهِ»[10].

 

2. بَذْل النِعَم للناس: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إنَّ لله عباداً اختصّهم بالنِعَم، يقرّها فيهم ما بذلوها للناس، فإذا مَنعوها حوَّلها منهم إلى غيرهم»[11]، وَ«مَنْ كَثُرَتْ [نِعْمَةُ] نِعَمُ اللَّهِ عَلَيْهِ كَثُرَتْ حَوَائِجُ الناسِ إِلَيْهِ، فَمَنْ قَامَ [بِمَا يَجِبُ لِلَّهِ فِيهَا عَرَّضَ نِعْمَةَ اللَّهِ لِدَوَامِهَا، وَمَنْ ضَيَّعَ مَا يَجِبُ لِلَّهِ فِيهَا عَرَّضَ نِعْمَتَهُ لِزَوَالِهَا] لِلَّهِ فِيهَا بِمَا يَجِبُ فِيهَا عَرَّضَهَا لِلدوَامِ وَالْبَقَاء،ِ وَمَنْ لَمْ يَقُمْ فِيهَا بِمَا يَجِبُ عَرَّضَهَا لِلزوَالِ وَالْفَنَاءِ»[12].

 

3. شُكر النِعَم: قال تعالى: ﴿لَئِن شَكَرۡتُمۡ لَأَزِيدَنَّكُمۡۖ﴾[13]؛ فكلّما شَكَر المرءُ ربَّه على نعمائه زادَ الله في عطائه، ويبقى هذا العطاء دافقاً ما دام المرء شاكراً؛ عن الإمام الهادي (عليه السلام): «القوا النِعَم بِحُسنِ مجاورتها، والْتَمِسوا الزيادة مِنها بالشُكر عليها، واعلَموا أنَّ النفس أقبل شيء لِما أُعطِيَت، وأمنع شيء لِما سُئِلَت»[14].

 

4. التواضع: هو ممّا يزيّن الإنسانَ الذي منحه الله النعمة، ويزيد في جماله الروحيّ بين يدي ربّه، عندما لا تُخرجه النعمة إلى البطر والتخلّي عن مكارم الأخلاق؛ عن الإمام عليّ (عليه السلام): «وَبِالتَوَاضُعِ تَتِمُّ النِعْمَةُ»[15].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ - مركز المعارف للتأليف والتحقيق)

[1] سورة النحل، الآية 112.

[2] الحرّانيّ، الشيخ ابن شعبة، تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله)، تصحيح وتعليق عليّ أكبر الغفاريّ، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المشرّفة، إيران - قمّ، 1404هـ - 1363ش، ط2، ص174.

[3] سورة الأنفال، الآية 53.

[4] الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، عيون أخبار الرضا(عليه السلام)، تصحيح الشيخ حسين الأعلمي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، لبنان - بيروت، 1404هـ - 1984م، لا.ط، ج2، ص64.

[5]  المجلسيّ، العلّامة محمّد باقر بن محمّد تقي، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار (عليهم السلام)، مؤسسة الوفاء، لبنان - بيروت، 1403هـ - 1983م، ط2، ج70، ص364.

[6] الشيخ الحرّانيّ، تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله)، مصدر سابق، ص403.

[7] سورة الضحى، الآية 11.

[8] سورة فاطر، الآية 3.

[9] سورة الأعراف، الآية 96.

[10] الرضيّ، السيّد أبو الحسن محمّد بن الحسن الموسويّ، نهج البلاغة (خطب الإمام عليّ (عليه السلام))، تحقيق وتصحيح صبحي الصالح، لا.ن، لبنان - بيروت، 1387هـ - 1967م، ط1، ص279، الخطبة 188.

[11] الأحسائيّ، ابن أبي جمهور محمّد بن زين الدين، عوالي اللئالي العزيزيّة في الأحاديث الدينيّة، تحقيق الحاج آقا مجتبى العراقيّ، دار سيّد الشهداء للنشر، إيران - قمّ، 1403هـ - 1983م، ط1، ج‏1، ص372.

[12] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص541، الحكمة 372.

[13] سورة إبراهيم، الآية 7.

[14] الحلوانيّ، حسين بن محمّد بن حسن بن نصر، نزهة الناظر وتنبيه الخاطر، تحقيق ونشر مدرسة الإمام المهديّ (عليه السلام)، إيران - قمّ، 1408ه، ط1، ص143.

[15] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص508، الحكمة 224.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد