مقالات

الشّباب والعافية

للشباب في الإسلام دوره الفاعل، إذ أولاه الله جلّ جلاله مسؤوليّة كاملةً، فكلّفه وتوجّه إليه ببعض الأعمال على سبيل الوجوب، ونهاه عن بعضها الآخر، وكلّفه بأدوار اجتماعيّة وعباديّة وجهاديّة وغيرها، ممّا يمكنه تحمّله من أعمال والقيام به تحت عنوان التكليف، في حال البلوغ والقدرة وشروط أخرى.

 

الشباب والعافية نعمتان

 

إنّ قوّة المرء نعمة إلهيّة عظيمة، أفاضها الله عليه، ولا يعرف فضلها إلّا حال فقدانها، وهذه القوّة لا تتحقّق إلّا في مرحلة الشباب، وبإمكانه أن يُسخّرها في ما يَشاء وكيف يشاء وَبِما يشاء، وَهي مِن الأمور التي يُسأل عنها ويُحاسب عليها إنْ ضَيَّعَها. فالشباب، إذاً، كالعافية؛ مَن تمتّع بِصحّة تامّة شَعَر بهناءة المعيشة وطيب الحياة وتَذوّقَ حلاوة ما يناله منها وَالْتذّ بما يُصيبه فيها، وَمَن فَقَد العافية وابْتُليَ بالمرضِ فَقَدَ هذه الأمور كلّها. فالشباب والعافية توأمان في النعمة والمساءلة في الدنيا والآخرة؛ عن أمير لمؤمنين (عليه السلام): «شَيْئَانِ لَا يَعْرِفُ مَحَلَّهُمَا إِلَّا مَنْ فَقَدَهُمَا: الشَبَابُ وَالْعَافِيَةُ»[1].

 

اغتنام النعمَتين

 

من هنا، كان على المرء أن يغتنم هذه الفرصة وهاتين النعمتين، العافية والشباب، في مرضاة الله وطاعته، إذ إنّ هذه المرحلة العمريّة من حياة الإنسان هي مرحلة البناء الثقافيّ والروحيّ والنفسيّ للمرحل الآتية، وإنّ الاعوجاج في هذه المرحلة له تداعياته الخطيرة، وأيضاً ثمّة تأكيد في الروايات على أنّ هذه المرحلة هي مرحلة العطاء والعمل والاجتهاد، وبالتالي فإنّ السؤال يوم القيامة سيكون عنها، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تزول قَدَما عبدٍ يوم القيامة حتّى يُسأل عن أربع... وعن شبابه في ما أبلاه»[2]، وممّا جاء في وصيّة رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يا عليّ، بادر بِأربع قبلَ أربع: بِشبابك قبل هرمك، وصحّتك قبل سقمك...»[3].

 

ميزات الشباب

 

رسم لنا الإسلام الطريق القويم لمسار حركة الشباب، وبَيَّن الأشياء التي يجب أن يحافظ عليها الشابّ في هذه المرحلة:

 

1. هم أسرع إلى كلّ خَير: سألَ الإمامُ الصادق (عليه السلام) الأحوَلَ -أحد تلامذته، وكان يعمل في تبليغ الرسالة وبيان مقام أهل البيت (عليهم السلام)- يوماً: «أتيت البصرة؟»، قال: نعم، قال (عليه السلام): «كيف رأيت مُسارعة الناس في هذا الأمر ودخولهم فيه؟»، فَقال: والله، إنّهم لَقَليل، ولَقَد فعلوا ذلك، وإنّ ذلك لَقَليل. فَقال (عليه السلام): «عليك بالأحداث، فإنّهم أسرع إلى كلّ خَيْر»[4].

 

فالرواية تشير إلى أمرين أساسيّين؛ الأوّل أنّ الناس عامّة يتعلّقون بمصالحهم ويركنون إلى الدنيا، لذا لا يميلون إلى الخير بسرعة، والثاني أنّ الرهان ينبغي أن يكون على الشباب، لكونهم أقلّ تعلّقاً من غيرهم بالدنيا وزخارفها.

 

2. هم ودائع العِلم: يحتاج التعلُّم قدرات ذهنيّة خاصّة تَبلغ ذروتها في مرحلة الشباب؛ إذ إنّ الوهنَ يُصيب الجسدَ وَالذهن، كلّما تقدَّم الإنسانُ في العمر، فمرحلة الشباب هي المرحلة التي تؤهّله للتعلُّم، فيجبُ عليه فيها حِفظ ما يجب حِفظه مِن قرآن أو حِكَم أو أشعار أو قصص أو غيرها. ومِن أجمل الصور للتفريق بين مرحلتي الشباب والكهولة في طَلَب العِلم ما ذكرَه النبيّ (صلى الله عليه وآله): «من تعلَّم في شبابه كان بمنزلة الوشم في الحجر، ومن تعلَّم وهو كبير كان بمنزلة الكتاب على وجهِ الماء»[5].

 

يقول الإمام الخامنئيّ: «إنّ مِن أهمّ ذخائرنا القيِّمة هو هذا الجيل الشابّ المتعلِّم، فهذا الجيل هو جيل شجاع ومفعم بالأمل والنشاط والحركة. فإذا ما استطعنا أن نحافظ على الجيل الشابّ الذي لدينا اليوم، للسنوات العَشر الآتية وَما بعدها مِن الحقبات والمراحل، حلَلْنا مشاكلَ البلد كلّها، مع هذا الاستعداد والنشاط والشوق الموجود في جيل الشباب»[6].

 

3. يُباهي الله بهم الملائكة: تبلغ الشهوات في مرحلة الشباب الذروة، فَمَن وُفِّقَ منهم لأنْ يُسيطر على شهواته ويسخّرها في طاعة الله سبحانه وتعالى، عرجَت به روحه إلى مقام يباهي الله به الملائكة؛ عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ أحبَّ الخلائق إلى الله تعالى شابّ حَدَث السنّ، في صورة حَسَنة، جعل شبابه وجماله في طاعة الله تعالى، ذاك الذي يُباهي الله تعالى به ملائكته، فيقول: هذا عبدي حقّاً»[7].

 

4. هم أصحاب المهديّ (عجل الله تعالى فرجه): إنَّ أعظمَ حركةٍ تغييريّة في تاريخ البشريّة، هي حركةُ الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)، وإنّه لَيَعتمد على عنصر الشباب في هذه الحركة، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «إنّ أصحاب القائم شباب لا كهول فيهم إلّا كالكحل في العين، أو كالملح في الزاد، وأقلّ الزاد الملح»[8].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ - مركز المعارف للتأليف والتحقيق)

[1]  الليثيّ الواعظيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص298.

[2]  الشيخ الصدوق، الخصال، مصدر سابق، ص253.

[3]  المصدر نفسه، ص239.

[4] الحميريّ القمّيّ، قرب الإسناد، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، إيران - قمّ، 1413ه، ط1، ص128.

[5] الراونديّ، فضل الله بن عليّ، النوادر، تحقيق سعيد رضا عليّ عسكريّ، مؤسّسة دار الحديث الثقافيّة، إيران - قمّ، لا.ت، ط1، ص132.

[6] من كلام له (دام ظله) في لقاء أهالي محافظة خراسان الشمالية (بجنورد)، بتاريخ 10/10/2012م.

[7] الديلميّ، الحسن بن محمّد، أعلام الدين في صفات المؤمنين، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، إيران - قمّ، لا.ت، لا.ط، ص120.

[8] النعمانيّ، الشيخ ابن أبي زينب محمّد بن بن إبراهيم، الغيبة، تحقيق فارس حسّون كريم، أنوار الهدى، إيران - قمّ، 1422ه، ط1، ص330.

 

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد