ينطلق المسلم الواقعيّ نحو المشاركة الفاعلة في الحياة السياسية من نقطة التكليف الشرعيّ والإلهيّ، لكنّه يحمل معه رؤية واضحة لمعنى السياسة ودورها والقيم المعنوية التي تحكمها. ولن تجد على وجه هذه الأرض من يشبه هذا المسلم من جهة اعتقاده بالمستقبل المشرق لهذا العالم وكيفيّة تحقّقه.
يواظب الكثير من هؤلاء المسلمين الواقعيّين على الدعاء ليل نهار ليشهدوا هذا المستقبل وليكون لهم شرف المشاركة في صناعته؛ وهم يعتبرون أنّ نصرة دين الله والعمل على نشر حقائقه وتعريف البشر به سيُساهم بصورة كبيرة في اقتراب الوعد الإلهيّ. فوراء كل هذه الصراعات الاقتصادية والحروب، التي تهدف إلى استعباد الشعوب ونهب ثرواتها والتحكّم بقراراتها، يوجد صراع من نوعٍ آخر يدور حول معرفة الحقيقة.
خذ على سبيل المثال قضية فلسطين، فسوف تجد أنّ معظم الدعم الذي يناله الكيان الصهيوني الغاصب إنّما يحصل عبر التعمية والتجهيل العجيب الذي مارسه قسمٌ كبير من اليهود الصهاينة على الغربيّين، وعلى مختلف شعوب العالم. ولكن هذا الجهل في قسمٍ كبير منه ينبع من العداء والخوف التاريخيّ من الإسلام نفسه. فالغربيّون أقرب إلى تصديق كل شيء يمكن أن يُقال حول الإسلام ممّا يثبّت مخاوفهم وكراهيتهم التي تمّ تغذيتها عبر عشرات القرون.
إنّ الكثير من الأوروبيّين لا يحبّون اليهود ويرون فيهم الجشع والتسلّط والهيمنة على الإعلام والمال والقرار، لكنّهم يقولون في قرارة أنفسهم "لا بأس بأن نسلّط هؤلاء اليهود على المسلمين الذين هم أسوأ منهم".
وليس الأمر منحصرًا في الأوروبيين، فإنّ معظم المسلمين يجهلون الكثير من حقائق الإسلام وأهدافه وقيمه أيضًا. ولهذا الجهل أسباب تاريخيّة موغلة ترجع إلى الأيام الأولى لارتحال رسول الإسلام عن هذا العالم. فلو عرف هؤلاء حقيقة ما جرى وما هو الإسلام الأصيل، لما كانوا غارقين في هذا التخلّف والتشرذم الذي تستغلّه مجموعة من التكفيريّين المتحجّرين أبشع استغلال.
ففي الواقع يدور الصراع السياسيّ الخفيّ في العالم حول معرفة الإسلام، كونه الرسالة الإلهية الوحيدة التي ما زالت تمتلك مشروعًا تغييريًّا لكلّ البشرية. وقد أتيح لجميع أتباع الديانات عبر السنين أن يعرّفوا عن أنفسهم ويبلّغوا ديانتهم بكامل حرّيتهم ومع إمكانات هائلة، ومع ذلك لم يتحقّق التغيير المنشود؛ في الوقت الذي لا يزال المسلمون الحقيقيون يُمنعون عن تبليغ دينهم وإيصال رسالتهم على نطاقٍ واسع؛ بل تتم محاربتهم في شتّى أرجاء العالم وبمختلف الوسائل القمعية وغيرها، وحتى داخل البلاد المسلمة نفسها بواسطة عملاء الغرب المعروفين.
لقد وصلت كلمة الإسلام إلى درجة من القوّة بحيث إنّها تقدر على تغيير الوضع السياسيّ لمجتمعٍ مسلم في بضعة أشهر! وهذا ما يخشاه الطواغيت، فيعملون في الليل والنهار على طمس هذه الحقيقة بشتّى الوسائل والأساليب؛ وهذا الذي يجعل النضال السياسيّ للمسلم الواقعيّ ذا وجهة واضحة جليّة ويتّخذ صبغة الرسالية.
يدور العمل السياسيّ في الأساس حول تبليغ كلمة الإسلام لكلّ شعوب العالم، لأنّه أداة التغيير الكبرى.
وقد استطاع هذا المسلم أن يفهم العالم وأحداثه ووقائعه بفضل ربطها بتاريخها وتتبّع تسلسلها. ولم يعد الأمر خفيًّا عليه في أنّ كل مشاكل البشرية إنّما نشأت بسبب ابتعاد الكثير من المسلمين عن الإسلام الأصيل؛ وهذا ما أدّى إلى أن يشاهد الأجانب الوجه المشوّه الممسوخ للدين الحقّ.
من الصعب أن نربط أحداث كوريا الحالية بالإسلام؛ لكنّنا لو تتبّعنا مسار الأحداث التي أدّت إلى هذه الوضعية، لوجدنا أنّه ما كان لأمريكا أن تتدخّل في تلك البلاد النائية، لولا إمكاناتها المادية الكبرى التي حصلت عليها بفضل موقعيتها الجغرافية المميزة. وما كانت أمريكا هذه لتنشأ لولا الهجرة المكثّفة للأوروبيين إليها؛ وما كان الأوروبيون ليهاجروا إلى أمريكا إلا بعد اكتشافهم لهذه المناطق الواسعة. وما كان الأوروبيون ليفكّروا باكتشاف هذه البلاد لولا سعيهم المحموم للالتفاف على المسلمين، بعد أن وجدوا صعوبة كبيرة في مواجهتهم مباشرةً.
أجل إنّ محاربة المسلمين هي التي كانت المحرّك الأول للبحث عن خطٍّ بحريّ التفافي، كما ذكر العديد من المؤرّخين، أمثال برندن سيمز، في كتابه "أوروبا، الكفاح من أجل السيادة".
ولو أنّ المسلمين أحسنوا تشكيل أنفسهم وبناء حضارتهم كما أراد الله تعالى في دينه، لتمّ لهم فتح كل بلاد العالم عبر شعوبها أنفسها، وذلك من خلال فتح القلوب بالمعرفة والقيم والحضارة، لا بالسيف والقتال.
لقد عاش المسلمون المعاصرون تجارب عديدة على مستوى النضال السياسيّ، لكنّهم أخفقوا حين نظروا إلى السياسة بعيدًا عن الدين، ونجحوا حين استطاعوا أن يربطوا قضايا الناس بقضية الإسلام الكبرى. وقد كانت ثورة الإمام الخميني أفضل نموذج في هذا المجال.
ولو أردنا اليوم أن نضرب مثالًا واضحًا على عقلانية وصوابية وحكمة وقوّة نشاطٍ سياسيٍّ ما، لما وجدنا ما هو أجلى من الحركة السياسيّة لهذا الإمام. ومع ذلك، فقد كان الإمام صريحًا جدًّا في ربط جميع المشاكل التي يعيشها المسلمون بالقضية الأولى وهي البعد عن الدين وتسلّط حكّام خونة معادين للدين على مقدراتهم وقرارهم، وخصوصًا عبر التظاهر بالدين والدفاع عنه.
وقد أصرّ الإمام منذ بداية نضاله السياسيّ على ربطه بمنطلقاته الحضارية والعقائدية؛ ولم يقبل بتاتًا أن يتنازل عن الأهداف الكبرى التي أعلنها منذ البداية وهي ضرورة تحكيم الإسلام في كل مجالات الحياة.. هذا، مع أنّ الذين كانوا يؤمنون بإمكانية إقامة الدين في السياسة والمجتمع كانوا قلّة، ولم يكن الكثير من المتدينين في ذلك الزمان يعرفون عن أطروحة الإسلام السياسية والاجتماعية شيئًا.
اهتمام المسلم بالسياسة يرجع إلى دورها المحوريّ على صعيد الحياة كلّها. فسياسة وحكومة أي مجتمع هي التي تحدّد مصيره وتحدّد عقائد أبنائه وأخلاقهم وديانتهم. وإذا ما أردنا إصلاح أي مجتمع فعلينا أن نبدأ من سياسته. وإنّما تتحدّد السياسات عبر الأنظمة الحاكمة وطبيعة أدائها. وأي مجتمع لا تنبع سياسته من ثقافة إنسانية أصيلة، فهو محكوم بالفشل وبتسلّط الأشرار على مقدراته. لهذا، فإنّ العمل السياسيّ ينبغي أن يمتزج بالدعوة إلى الفضيلة وإلى القيم المعنوية التي يؤمّن الإسلام البيئة المثلى لترعرعها ونموّها.
يرى المسلم الواقعيّ أنّ الكثير من الأمور السياسية تجري ضمن مؤامرات ومخطّطات تفصيلية تعتمد الخداع والتضليل. لهذا، فإنّه يسعى لامتلاك البصيرة والوعي الذي يؤهّله لكشف هذه المؤامرات وعدم الانخداع بها. وهو يعتبر أنّ جزءًا مهمًّا من نشاطه السياسيّ ينبغي أن يدور حول توعية الآخرين عبر التحليل السياسيّ الدقيق. فحين يتعرّف الناس على هذه المؤامرات يبطل سحرها ويحبط تأثيرها. ولا شيء يمكن أن يساهم في هذه التوعية مثل البيان الجميل والأسلوب العقليّ والربط التاريخيّ.
ولأجل الاطّلاع على هذه المؤامرات، لا يكتفي هذا المسلم بمتابعة الأخبار، بل يطالع الدراسات والكتابات التاريخية؛ فلا يوجد مثل التاريخ ما يمكن أن يكشف مؤامرات اليوم.
إنّه يعلم أنّ الأخبار اليومية ليست سوى فقاقيع سرعان ما تزول إن لم يكن وراءها مطالعة تاريخية دقيقة. ولهذا يحتفظ هذا المسلم بذاكرة تاريخية مميزة؛ وأحد أسرار هذه الشخصية يكمن في كونه من الذين ما زالوا يعيشون أيام الدعوة الأولى وذكرى عاشوراء، وهم يتطلّعون إلى الغد الواعد القريب إن شاء الله.
محمود حيدر
الشيخ محمد صنقور
عدنان الحاجي
السيد عباس نور الدين
الشيخ مرتضى الباشا
الشهيد مرتضى مطهري
السيد جعفر مرتضى
حيدر حب الله
الشيخ شفيق جرادي
السيد عادل العلوي
حسين حسن آل جامع
حبيب المعاتيق
ناجي حرابة
عبدالله طاهر المعيبد
فريد عبد الله النمر
أحمد الرويعي
حسين آل سهوان
أسمهان آل تراب
أحمد الماجد
علي النمر
ميتافيزيقا السؤال المؤسِّس (5)
﴿محمد رسول الله وَالَّذِينَ مَعَهُ..﴾ مناقشة في الإطلاق (4)
إيثار علي (ع) في ليلة المبيت
حركات بسيطة ومؤثرة في علاج أعراض انخفاض ضغط الدم الانتصابي الأولي
هكذا هي الحياة السياسيّة للمسلم الواقعيّ
حديث لناصر الرّاشد حول عقليّة الزّواج السّعيد
القطيف تودّع شيخ مصوّريها عثمان أبو الليرات
وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ
ميتافيزيقا السؤال المؤسِّس (4)
﴿محمد رسول الله وَالَّذِينَ مَعَهُ..﴾ مناقشة في الإطلاق (3)