تنويه: إن إرجاع المسلمين إلى النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) قد تم أيضاً بواسطة القرآن نفسه، وهو من مصاديق {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89] إذن فنور القرآن يعرف البشرية على هداتها ومرشديها، وليس الأمر بحيث إن المجتمع الإنساني بغير هداية القرآن يكون قادراً أو مكلفاً بأن يرجع إلى النبي (صلى الله عليهآواله وسلم) وأهل البيت (عليهم السلام). وصحيح أن مفتاح فهم الكثير من الحقائق القرآنية عند أهل بيت العصمة والطهارة (عليهم السلام) لكن القرآن نفسه هو الذي أوضح مقام ومنزلة هذا المفتاح.
وأما تبعية الروايات للقرآن الكريم في تأييد المضمون والمحتوى فلأجل أن المعصومين (عليهم السلام) أنفسهم وفي أحاديث كثيرة أمروا بعرض كلامهم على الميزان الإلهي وهو القرآن الكريم، وبأن تقيم به أحاديثهم وفي حالة عدم المخالفة مع القرآن يتم قبولها، وهذه الأحاديث تعرف بــ (أخبار العرض على الكتاب) وهي على طائفتين:
الطائفة الأولى: تضم الروايات التي تتحدث عن طريقة حل التعارض الأحاديث المتعارضة، ويطلق عليها في "باب التعادل والترجيح" من علم أصول الفقه اسم "النصوص العلاجية".
وأحد المعايير في حل تعارض الروايات بواسطة الأخبار العلاجية هو عرض الحديثين المتعارضين - اللّذين لا يوجد جمع دلالي لهما وقد استقر تعارضهما - على القرآن الكريم كي يؤخذ بالموافق للقرآن أو غير المخالف له، ويرد الحديث الذي يتم تشخيصه بأنه مخالف للقرآن: ".. وكلاهما اختلفا في حديثكم... فإن كان الخبران عنكما مشهورين قد رواهما الثقات عنكم؟ قال: ينظر فيما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة وخالف العامة فيؤخذ به ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنة ووافق العامة"(1)، "اعرضوهما على كتاب الله عز وجل فما وافق كتاب الله عز وجل فخذوه وما خالف كتاب الله فردوه"(2)، "إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فردوه".(3)
الطائفة الثانية: وهي الروايات العامة التي لا اختصاص لها بالأخبار المتعارضة، بل تعتبر صحة مضمون ومحتوى كل رواية مرهونة بموافقتها أو عدم مخالفتها للقرآن الكريم، وهذه توسع دائرة لزوم العرض على القرآن إلى جميع الأحاديث(4)، كالروايات التالية:
1. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) "إن على كل حق حقيقة وعلى كل صواب نورًا فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه"(5).
أي إن لكل حق أصلًا، وذلك الأصل هو ميزان قياس ومعيار تقييم ذلك الحق، وكل صواب (وهو الأمر الواقعي) له نور يعرف بواسطته ذلك الصواب المذكور. إذن كل ما كان موافقة للميزان الإلهي، أي القرآن الكريم فخذوه وما كان مخالفة له فدعوه. ومن تفريع ذيل الرواية: "فما وافق" يظهر أن الروايات هي ذلك الحق الذي حقيقته تتمثل في القرآن الكريم، وصحة مضمون الرواية رهن لموافقتها مع حقيقتها (أي القرآن الكريم)، والنور الذي به يقاس صدق الروايات هو القرآن.
2. كذلك الإمام الصادق (عليه السلام) في جواب سؤال حول الأحاديث التي يكون بعض رواتها موثقين والبعض الآخر غير موثقين يقول: "إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهدًا من كتاب الله أو من قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإلا فالذي جاءكم به أولى به"(6) أي إذا كان الحديث موافقة للقرآن أو لم يكن مخالفة له فاقبلوه، وإذا كان مخالفة للقرآن فإن مسؤوليته تقع على عاتق ناقله وراويه.
3. وفي هذا السياق أيضًا يقول الإمام الصادق (عليه السلام) "كل شيء مردود إلى الكتاب والسنة وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف"(7) في صدر هذا الحديث يقول: إن الكتاب والسنة مرجعان لتقديم كل كلام، ثم يقول بعد ذلك: إن القرآن الكريم وحده هو المرجع المعترف به للتقييم، لأن السنة القطعية وإن كانت مستغنية عن العرض على محتوى القرآن، لكن أصل حجية السنة القطعة مرتبط بحجية القرآن وإعجازه، لأن رسالة الرسول الأكرم ونبوّته تثبت بواسطة كون القرآن معجزة، إلا أن يكون أصل الرسالة لقد ثبت بمعجزة أخرى غير القرآن، لكن معجزة كهذه سوف لن تكون الخالدة ولا مؤثرة ولا مفيدة للأجيال الحاضرة والقادمة إلا إذا ثبت عن طريق التواتر أصل تلك المعجزة، ففي هذه الحالة ستكون نبوة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) خالدة في ظل الاعتماد على تواتر الإعجاز. والسنة غير القطعية أيضًا بغض النظر عن أصل حجيتها، فإنها من ناحية المتن والمحتوى يجب أن تقيم بالقرآن الكريم فإذا كانت مخالفة لمحتواه فهي زخرف وباطل.
تنويه: يجب الالتفات إلى أن لسان مثل هذه الروايات يأبي التخصيص والتقييد ولا يمكن أبدًا تخصيصها أو تقييدها.
4. متن الجملة الأخيرة من الحديث السابق، نقلت في رواية أخرى بهذا النحو: "ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف"(8) أي أن الحديث الذي لا يكون موافقة للقرآن فهو باطل.
5. يقول الإمام الصادق (عليه السلام): "إن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: أيها الناس ما جاءكم عني يوافق كتاب الله فأنا قلته وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله(9). بناء على هذا فحتى في غير حال التعارض أيضًا، فالرواية التي تكون بحسب الظاهر واجدة لأركان الحجية يجب أن تقيم من ناحية المحتوى بواسطة القرآن الكريم. هذه الأحاديث تدل جيدًا على أن الحديث ليس في عرض وموازاة القرآن، بل هو في طوله، لأنه لو كان في عرض القرآن ففي حالة تعارض ظاهر الحديث مع القرآن يصبح الكلام عن تساقط المتعارضين والرجوع إلى الأصل الحاكم في المسألة أو (التخيير) في الأخذ بأحد المتعارضين، ولا يصح الكلام عندئذ عن كون الرواية المخالفة والمعارضة للقرآن زخرفة وباطلًا.
تنويه: المخالفة المؤدية إلى سقوط الرواية عن الحجية هي المخالفة التباينية لا المخالفة التي بين المطلق والمقيد أو العام والخاص، لأن مثل هذه المخالفة في عرف واضعي القوانين وكذلك في عرف العقلاء تعد مخالفة ابتدائية وليست مخالفة وتعارضًا مستقرًّا، فلا يصل الأمر إلى عدّها من الروايات المخالفة للقرآن التي تعتبر من الزخرف والباطل. كما أن مخالفة وتعارض الحديثين أيضًا هي تلك المخالفة التباينية التي ليس لها جمع دلالي، ولذلك يصل الأمر إلى النصوص العلاجية. فالنصوص العلاجية هي لأجل رفع التعارض المستقر، كما جاء في تلك النصوص: "واحد يأمرنا.... والآخر ينهانا عنه"(10). والدليل على أن المخالفة في العموم والخصوص والإطلاق والتقييد لا تعد من التعارض هو أولًا: إن لها جمعة دلاليًّا وعرفية، وثانية: إن هذا النوع من الاختلافات موجود أيضًا بين آيات القرآن مع بعضها، مع أن هذا الكتاب الإلهي يعلن كونه منزها عن الاختلاف: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82]. فالمقيد بالنسبة إلى المطلق والمخصص بالنسبة إلى العام شارح ومفصل وليس معارضًا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. أصول الكافي، ج 1، ص67
2. وسائل الشيعة، ج18، ص80
3. نفس المصدر، ص84
4. أخبار العرض على الكتاب لا تشمل الروايات المنقولة بلا واسطة (السنة القطعية) لأن الذي أدرك حضور النبي أو الإمام المعصوم (عليه السلام) وسمع كلامًا من لسانه المطهر وأحرز جهة صدوره بنحو لا يحتمل فيه التقنية أصلًا، فهو في هذه الحالة لا يبقى لديه أي احتمال للخلاف. وسماع الكلام من الناطق بالوحي سبب لحصول الجزم. وعليه فإن أخبار العرض على الكتاب مختصة بالأخبار المنقولة مع الواسطة، هذا إذا لم يكن صدورها قطعياً.
5. أصول الكافي، ج 1، ص69.
6. نفس المصدر.
7. نفس المصدر.
8. أصول الكافي، ج 1، ص69
9. نفس المصدر.
10. وسائل الشيعة، ج18، ص88
السيد جعفر مرتضى
الشيخ شفيق جرادي
الشيخ محمد هادي معرفة
الشيخ حسن المصطفوي
السيد عباس نور الدين
محمود حيدر
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد حسين الطهراني
عدنان الحاجي
حسين حسن آل جامع
حبيب المعاتيق
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ناجي حرابة
أحمد الرويعي
حسين آل سهوان
أسمهان آل تراب
أحمد الماجد
علي النمر
إستراتيجية الكوفة في خلافة علي(ع) (1)
الدين والعلمنة (في نظام المعرفة والقيم) (1)
وهي تمرّ مرّ السّحاب!
معنى (أمن) في القرآن الكريم
صيانة الزّواج من كلّ الشّوائب
وحيانيّة الفلسفة في الحكمة المتعالية (4)
شبهة افتراق الثقلين (2)
اختتام النّسخة الثّالثة من حملة التّبرّع بالدّم (تبرّع تؤجر)
معنى:{وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ..} وسبب النزول
معنى (قوت) في القرآن الكريم