
السيد موسى الصدر ..
بسم الله الرحمن الرحيم ﴿لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ / كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ / فَمَنِ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ / قُلْ صَدَقَ اللّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ (1).
هذه الآيات الأربع، تحدّد معالم مبدأ إسلامي، بل مبدأ عقلاني كبير، هو أساس التحرك في حياة الإنسان. فعندما نقول: ﴿لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ نعني بالبر، كل كمال من مادي أو معنوي، روحي أو جسمي، فكري أو عاطفي. كما أنّ كلمة ﴿تُنفِقُواْ﴾ تعني البذل مما نحب، من مال أو جاه، أو تجربة، أو تنازل عن الراحة، أو عن الأنانية، أو أمثال ذلك.
فالآية تؤكد أنّ الإنسان في سبيل الكمال، أي كمال كان لا يمكن أن يبلغ الكمال إلاّ إذا أراد أن يتمسك بكل ما يحب، فيحتفظ براحته، وبماله، وبجاهه، وبمكانه، فلا يمكن أن يبلغ البر نهائياً، ولا يمكن أن يخطو خطوة نحو الكمال إطلاقاً.
إبتداء من الفلاح، عندما يريد أن يحصد كميات كبيرة من القمح، فهو بحاجة الى أن يتنازل عن كمية أقل منها بدرجات من القمح. فيدفن هذه الكمية تحت الأرض، على أمل أنّ هذه الكمية التي دُفنت تحت الأرض، والتي ضحى بها، وتنازل عنها، سوف تتحول بعد موتها وبعد فنائها إلى كميات كبيرة من القمح، فقد بلغ الفلاح، البر، أي مئات من الكيلوات من القمح، بعد أن أنفق قسماً قليلاً مما يحب من القمح. وهكذا الذي يشتغل بالأعمال، والتجارة لا يمكن أن يبلغ الأرباح إذا لم يغامر ولم يضع رأسماله معرّضاً للخطر.
كذلك الطالب، عندما يريد أن يبلغ درجة من العلم، وكمالاً من الثقافة، فعليه أن يسهر الليل، وأن يتعب، وأن يسافر، وأن يضغط على نفسه لكي يحتفظ ببعض ما يدرس، يحفظه ويفكر فيه حتى يتثقف ويكتمل.
إذاً، على صعيد علمي تجاري، زراعي، الإنسان لكي يصل إلى مرحلة كاملة، لا بد من أن يضحي.
كذلك في حياته الاجتماعية، الإنسان الفرد يشعر بحريات، لكن عندما يريد أن يشكّل "عائلة" أي أن يوسع نفسه، أن يحوّل الفرد إلى جماعة صغيرة، أن ينجب، أن يعيش حياة أسعد، فلا بد من أن يتنازل عن بعض حرياته، وأن يلتزم ببعض القيود، بأن أنفق مما يحب. كذلك بالنسبة إلى المجتمع الكبير، وما نقول في المسائل الاجتماعية والفكرية والعاطفية، والمادية، نقول في المسائل المعنوية.
فالإنسان عندما يريد أن يكتمل وأن يقترب الى الله (سبحانه وتعالى)، لا بد من أن يتنازل عن أنانياته، وأن يحطّم قيوده الخاصة، وأن يجمّد أصنامه. أي أنّ الإنسان يرتبط في حياته العادية بأشياء مما يحب. فإذا يريد أن يكتمل فلا بد أن يقطع صلته بهذه الأمور واحداً تلو الآخر حتى يتسع ويكتمل ويبلغ الكمال، أي القرب من الله (سبحانه وتعالى).
وهذا أساس ديني ثابت. لكي لا يبالغ الإنسان في هذا المبدأ فيتنازل ويضحي ويتقشف أكثر من اللزوم. تأتي الآية الثانية فوراً قائلة:﴿كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ. فَمَنِ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ. قُلْ صَدَقَ اللّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ﴾.
مشيرة هذه الآيات إلى أنّ للتنازل حدوداً. فالإنسان لا يجوز أن يتنازل عن كل ما يحب لمجرد أن ترك ما يحب يؤدي إلى الكمال. بل ترك ما يجب أن يتركه في سبيل ما هو أوسع وأشمل، ترك المحرم، ترك المكروه، ترك المحذور. هذا هو المطلوب.
وليس التصوف الذي يقول بترك كل ما يرغب إليه الإنسان ولو كان مباحاً حلالاً. فالمبدأ الإسلامي يقول: "إنّ الله يحب أن يرى آثار نعمته على عبده" ويقول أيضاً: "إنّ لله مباحات يحب أن يأخذ بها العبد".
على هذا الأساس، أن يحجّر الإنسان على نفسه بعض المحللات، وهذا أيضاً محظور. فكما أنّ ترك المحرمات مطلوب. ممارسة المباح مطلوب، حدود وضعت خلال هذه الآيات. للآية الأولى المطلق التي تؤكد أننا لا يمكن أن نصل إلى الكمال إلاّ مع الإنفاق مما نحب. ودون شك أنّ الصيام إنفاق مما نحب، إنفاق من الراحة، إنفاق من الرغبة، إنفاق على الفقراء، وإنفاق للشهوات، وهذا كمال، وأصدق أنواع الكمال.
ولذلك، فهذه الآية تتناسب جداً مع صيام المؤمنين. كما أنّ الحدود التي وردت في الآيات الأخرى بارزة في آية كريمة أخرى، عندما يقول القرآن الكريم: ﴿وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا﴾ (2) الاعتدال، والعدالة مبدآن إسلاميان لا ينفصلان.
نسأل الله أن نمارس، وأن نقف، وأن نوفق للعمل بهما.
1- آل عمران 92 - 95.
2- الإسراء:29.
صفات الأيديولوجي؛ معاينة لرحلة الفاعل في ممارسة الأفكار (1)
محمود حيدر
معنى (عيش) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ
الفيض الكاشاني
التعلم القائم على اللعب: طرق مُثبتة لتعزيز نمو دماغ الطفل وتطوّر إدراكه وشحذ ذكائه
عدنان الحاجي
مناجاة الزاهدين: زهد أحباب الله (1)
الشيخ محمد مصباح يزدي
في رحاب بقية الله: العدالة المهدويّة ترسم المستقبل
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ
الشيخ محمد جواد مغنية
في رحاب بقية الله: ليمكّننّ له الدين
الشيخ معين دقيق العاملي
النّفاق والتّظاهر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
حياتنا بين البخل والترف
الشيخ حسين مظاهري
أم البنين .. رواية من وجع الطف
حسين حسن آل جامع
واشٍ في صورة حفيد
حبيب المعاتيق
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
صفات الأيديولوجي؛ معاينة لرحلة الفاعل في ممارسة الأفكار (1)
معنى (عيش) في القرآن الكريم
لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ
التعلم القائم على اللعب: طرق مُثبتة لتعزيز نمو دماغ الطفل وتطوّر إدراكه وشحذ ذكائه
زكي السّالم: (ديوانك الشّعريّ بين النّطورة والدّندرة والطّنقرة)
أم البنين .. رواية من وجع الطف
مناجاة الزاهدين: زهد أحباب الله (1)
في رحاب بقية الله: العدالة المهدويّة ترسم المستقبل
ستّ طرق لاستخدام القلق كمصدر للنّمو
سبيل غلبة العقل على النفس