
السيد محمد حسين الطباطبائي ..
قوله تعالى: «إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً» الهلوع صفة مشتقة من الهلع بفتحتين وهو شدة الحرص، وذكروا أيضًا أن الهلوع تفسره الآيتان بعده فهو الجزوع عند الشر والمنوع عند الخير وهو تفسير سديد والسياق يناسبه.
وذلك أن الحرص الشديد الذي جبل عليه الإنسان ليس حرصًا منه على كل شيء خيرًا كان أو شرًّا أو نافعًا أو ضارًّا بل حرصًا على الخير والنافع ولا حرصًا على كل خير أو نافع سواء ارتبط به أو لم يرتبط وكان له أو لغيره بل حرصًا منه على ما يراه خيرًا لنفسه أو نافعًا في سبيل الخير، ولازم هذا الحرص أن يظهر منه التزعزع والاضطراب عند مس الشر وهو خلاف الخير وأن يمتنع عن ترك الخير عند مسه ويؤثر نفسه على غيره إلا أن يرى الترك أكثر خيرًا وأنفع بحاله فالجزع عند مس الشر والمنع عند مس الخير من لوازم الهلع وشدة الحرص.
وليس الهلع وشدة الحرص المجبول عليه الإنسان ـ وهو من فروع حب الذات ـ في حد نفسه من الرذائل المذمومة كيف؟ وهي الوسيلة الوحيدة التي تدعو الإنسان إلى بلوغ سعادته وكمال وجوده، وإنما تكون رذيلة مذمومة إذا أساء الإنسان في تدبيرها فاستعملها فيما ينبغي وفيما لا ينبغي وبالحق وبغير حق كسائر الصفات النفسانية التي هي كريمة ما لزمت حد الاعتدال وإذا انحرفت إلى جانب الإفراط أو التفريط عادت رذيلة ذميمة.
فالإنسان في بدء نشأته وهو طفل يرى ما يراه خيرًا لنفسه أو شرًّا لنفسه بما جهز به من الغرائز العاطفة وهي التي تهواه نفسه وتشتهيه قواه من غير أن يحده بحد أو يقدره بقدر فيجزع إذا مسه ألم أو أي مكروه، ويمنع من يزاحمه فيما أمسك به بكل ما يقدر عليه من بكاء ونحوه.
وهو على هذه الحال حتى إذا رزق العقل والرشد أدرك الحق والباطل والخير والشر واعترفت نفسه بما أدرك وحينئذ يتبدل عنده كثير من مصاديق الحق والباطل والخير والشر فعاد كثير مما كان يراه خيرًا لنفسه شرًّا عنده وبالعكس.
فإن أقام على ما كان عليه من اتباع أهواء النفس والعكوف على المشتهيات واشتغل بها عن اتباع الحق وغفل عنه، طبع على قلبه فلم يواجه حقًّا إلا دحضه ولا ذا حق إلا اضطهده وإن أدركته العناية الإلهية عاد ما كان عنده من الحرص على ما تهواه النفس حرصًا على الحق فلم يستكبر على حق واجهه ولا منع ذا حق حقه.
فالإنسان في بادئ أمره وهو عهد الصبي قبل البلوغ والرشد مجهز بالحرص الشديد على الخير وهو صفة كمالية له بحسب حاله بها ينبعث إلى جلب الخير واتقاء الشر قال تعالى : « وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ » العاديات : ٨.
ثم إذا رزق البلوغ والرشد زاد تجهيزًا آخر وهو العقل الذي بها يدرك حقائق الأمور على ما هي عليها فيدرك ما هو الاعتقاد الحق وما هو الخير في العمل، ويتبدل حرصه الشديد على الخير وكونه جزوعًا عند مس الشر ومنوعًا عند مس الخير من الحرص الشديد على الخير الواقعي من الفزع والخوف إذا مسه شر أخروي وهو المعصية والمسابقة إلى مغفرة ربه إذا مسه خير أخروي وهو مواجهة الحسنة، وأما الشر والخير الدنيويان فإنه لا يتعدى فيهما ما حده الله له من الصبر عند المصيبة والصبر على الطاعة والصبر عن المعصية وهذه الصفة صفة كمالية لهذا الإنسان. وأما إذا أعرض الإنسان عما يدركه عقله ويعترف به فطرته وعكف على اتباع الهوى واعتنق الباطل وتعدى إلى حق كل ذي حق ولم يقف في حرصه على الخير على حد فقد بدل نعمة الله نقمة وأخذ صفة غريزية خلقها الله وسيلة له يتوسل بها إلى سعادة الدنيا والآخرة وسيلة إلى الشقوة والهلكة تسوقه إلى الإدبار والتولي والجمع والإيعاء كما في الآيات.
وقد بان مما تقدم أنه لا ضير في نسبة هلع الإنسان في الآيات إلى الخلقة والكلام مسوق للذم وقد قال تعالى: «الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ» السجدة ٧، وذلك أن ما يلحقه من الذم إنما هو من قبل الإنسان وسوء تدبيره لا من قبله تعالى فهو كسائر نعمه تعالى على الإنسان التي يصيرها نقمًا بسوء اختياره.
وذكر الزمخشري فرارًا من الإشكال أن في الكلام استعارة، والمعنى أن الإنسان لإيثاره الجزع والمنع وتمكنهما منه كأنه مجبول مطبوع عليهما، وكأنه أمر مخلوق فيه ضروري غير اختياري فالكلام موضوع على التشبيه لا لإفادة كونه مخلوقًا لله حقيقة لأن الكلام مسوق للذم والله سبحانه لا يذم فعل نفسه، ومن الدليل عليه استثناء المؤمنين الذين جاهدوا أنفسهم فنجوا عن الجزع والمنع جميًعا.
وفيه أن الصفة مخلوقة نعمة وفضيلة والإنسان هو الذي يخرجها من الفضيلة إلى الرذيلة ومن النعمة إلى النقمة والذم راجع إلى الصفة من جهة سوء تدبيره لا من حيث إنها فعله تعالى.
واستثناء المؤمنين ليس لأجل أن الصفة غير مخلوقة فيهم بل لأجل أنهم أبقوها على كمالها ولم يبدلوها رذيلة ونقمة.
وأجيب أيضًا عن الاستثناء بأنه منقطع وهو كما ترى.
صفات الأيديولوجي؛ معاينة لرحلة الفاعل في ممارسة الأفكار (1)
محمود حيدر
معنى (عيش) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ
الفيض الكاشاني
التعلم القائم على اللعب: طرق مُثبتة لتعزيز نمو دماغ الطفل وتطوّر إدراكه وشحذ ذكائه
عدنان الحاجي
مناجاة الزاهدين: زهد أحباب الله (1)
الشيخ محمد مصباح يزدي
في رحاب بقية الله: العدالة المهدويّة ترسم المستقبل
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ
الشيخ محمد جواد مغنية
في رحاب بقية الله: ليمكّننّ له الدين
الشيخ معين دقيق العاملي
النّفاق والتّظاهر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
حياتنا بين البخل والترف
الشيخ حسين مظاهري
أم البنين .. رواية من وجع الطف
حسين حسن آل جامع
واشٍ في صورة حفيد
حبيب المعاتيق
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
صفات الأيديولوجي؛ معاينة لرحلة الفاعل في ممارسة الأفكار (1)
معنى (عيش) في القرآن الكريم
لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ
التعلم القائم على اللعب: طرق مُثبتة لتعزيز نمو دماغ الطفل وتطوّر إدراكه وشحذ ذكائه
زكي السّالم: (ديوانك الشّعريّ بين النّطورة والدّندرة والطّنقرة)
أم البنين .. رواية من وجع الطف
مناجاة الزاهدين: زهد أحباب الله (1)
في رحاب بقية الله: العدالة المهدويّة ترسم المستقبل
ستّ طرق لاستخدام القلق كمصدر للنّمو
سبيل غلبة العقل على النفس