السيد موسى الصدر
﴿الم / أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ / وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ (1)
في القرآن الكريم نقرأ مواضيع عديدة عن قضية الابتلاء، والاختبار، والامتحان، وفي هذه السورة، الافتتان.
فما معنى هذه الكلمات؟ بالنسبة إلى الله، رب العالمين وخالق الإنسان، والذي هو أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد، يعرف خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
فالامتحان يصدر من الإنسان لكي يعرف حقيقة إنسان آخر، أو مقدار نشاط طالب، أو شخص أو رياضي، من باب المثل.
أما الله (سبحانه وتعالى)، وهو الذي يعرف حقائق الكون وما في نفوس الناس، ومستقبل الناس فما معنى اختباره للإنسان؟
والجواب عن ذلك ورد في كلام بعض المفسرين الأفاضل: أنّ الله (سبحانه وتعالى) يريد أن يكشف حقيقة الإنسان لنفسه، وحقيقة الإنسان للآخرين، حتى يكون حكمه عدلاً، ومقبولاً. وثابتاً عند الناس، وحتى عند الإنسان نفسه. فالإختبار لكشف الحقيقة للغير. وهذا مفهوم جميل، ولكن بالإمكان أن نفهم من هذه الكلمة ومن هذا الموقف معنى آخر وأدق، ونرجو أن يكون هذا المعنى صحيحاً، فإنه صحيح حسب التعبير، ويُستعمل في اللغة العربية، وصحيح أيضاً حسب الواقع الذي نعيشه.
فالامتحان، والاختبار، والابتلاء، قد يكون لأجل كشف الحقيقة، وقد يكون لأجل تنمية العناصر الكامنة في وجود الإنسان حتى تنمو، فالإنسان الذي عنده استعداد في عمل ما إذا توفر له المناخ الملائم لهذا العمل، تبرز حقيقته، وتنمو غريزته، وينمو استعداده في هذا الشيء. وهكذا، نجد في المختبرات كثيراً من العلماء يحاولون خلق مناخ ملائم، للتجارب على الزهور، وعلى الجراثيم، وعلى الميكروبات المفيدة والمضرة، وذلك عن طريق تنمية هذا الشيء. وهذا فن يُستعمل في كثير من الأوقات، عندما يُترك المجال للإنسان لكي ينمو، ولكي يتقدم في استعداده وفي كفاءته.
وعلى ضوء هذا، بإمكاننا أن نفهم أنّ الله (سبحانه وتعالى) يترك للإنسان مجالاً، لا لكي يختبره، بل لكي ينمو في كفاءته. فإذا كان الإنسان يستغل الفرصة، ويغتنم المناسبة، فيظلم ويكفر، وينحرف، فهو نما في هذا الشيء، وانكشفت حقيقته بنمو حقيقته، لا لكي يعرف الحقيقة، رب العالمين، بل لكي تنمو استعدادات هذا الشخص الكامنة، فتنكشف وتتبيّن الحقائق بوضوح. أو بتعبير آخر، لكي تستفيد كل طاقة، وكل موهبة من الفرص، والمناخ الملائم، لتنمية هذه الفرصة.
ولذلك، فالإنسان المنحرف الذي لا يجد مجالاً للانحراف، إذا وجد المجال، ينمو انحرافه. وهكذا، الإنسان الصالح الذي لا يجد مجالاً لإبراز كفاءاته الصالحة، لإبراز شجاعته، لإبراز كرمه. عندما يجد المجال، ينمو. بل الحقيقة، أنّ نمو الإنسان رسالة الإنسان في الحياة.
فكما أنّ البذرة عندما يتكون لنا مناخ ملائم تتحول إلى نبات، فإذا كانت بذرة الشوك تتحول إلى الشوك، وإذا كانت بذرة الورد تتحول إلى الورد. هكذا، تكوين المناخ، وإعطاء الفرصة، أو على حد التعبير القرآني "الإملاء"، و"الاستمهال"، وإعطاء الفرص. كل هذا لأجل نمو الإنسان في استعداداته وكفاءاته.
فالعالم، كما ورد في الحديث الشريف، مزرعة. والإنسان على مختلف عناصره، بملء إرادته واختياره، يتمكن أن يتحول إلى بذرة شوك، أو إلى بذرة الورد. فالعالم فرصة أمام كل إنسان لكي ينمو، وتنمو استعداداته في طريق الخير أو الشر.
ومن هنا، ننتقل إلى تفسير هذه الآية الكريمة، وأنّ الإنسان، كل إنسان في هذه الحياة، يُفتتن، ويُختبر، ويُجرَّب.
فكل إنسان، يُعطى فرصة مناسبة، لكي يتحول ويبرز، ولكي يجد المجال لنمو استعداداته فالعالم مزرعة، لكشف حقيقة الإنسان، أو بتعبير آخر أدق، لتنمية هذه الحقيقة، وهذا الابتلاء فرصة إلهية لكل موجود.
فنسأل الله أن نكون من الناجحين في الاختبار، وأن نختار طريق الخير لكي تنمو كفاءاتنا الحسنة.
________________________________________
1- سورة العنكبوت: الآيات 1-3.
الشيخ شفيق جرادي
الشيخ محمد جواد مغنية
الشيخ محمد صنقور
د. سيد جاسم العلوي
عدنان الحاجي
حيدر حب الله
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ محمد مصباح يزدي
السيد محمد حسين الطهراني
محمود حيدر
حسين حسن آل جامع
فريد عبد الله النمر
أحمد الرويعي
حبيب المعاتيق
عبدالله طاهر المعيبد
حسين آل سهوان
أسمهان آل تراب
أحمد الماجد
علي النمر
زهراء الشوكان
النّدم (1)
حبّ الذّات
الأنا وعبادة الذات
معنى قوله تعالى:{فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ}
نظريّة المعرفة عند كارل بوبر (3)
تأثير العلاقات الاجتماعيّة في السّلوك الاستهلاكي
(فزع البيدر) ديوان شعريّ للشّاعر إبراهيم الحاجي
(حكايا بلقيس) أناشيد شعريّة للأطفال بقلم الشّاعر علي النّحوي
الاستعداد للسفر الطويل في مواعظ الإمام الحسن (ع)
الشّباب والعافية