
في قوله تعالى ﴿..فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ..﴾ المائدة:52، دلالةٌ على أنّ للقلوبِ مَرَضاً، فلها لا محالة صحّةٌ، إذ الصّحّة والـمَرض متقابلان لا يتحقّق أحدُهما في محلٍّ إلّا بعد إمكان تلبُّسه بالآخر، كالبَصر والعَمى. ألَا ترى أنّ الجدار مثلاً لا يتّصفُ بأنّه مريضٌ لعدم جواز اتّصافه بالصّحّة والسّلامة.
وجميعُ الموارد الّتي أَثبتَ اللهُ سبحانه فيها للقلوب مرضاً في كلامه، يَذكر فيها من أحوالِ تلك القلوب وآثارها أموراً تدلّ على خروجِها من استقامة الفطرة، وانحرافها عن مستوى الطّريقة، كقولِه تعالى: ﴿وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا﴾ الأحزاب:12، وقوله تعالى: ﴿إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ..﴾ الأنفال:49، وقوله تعالى: ﴿لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ..﴾ الحج:53، إلى غير ذلك.
معنى مرضِ القَلب وصحّته
وجملةُ الأمر، أنّ مرضَ القلبِ تلبُّسُه بنوعٍ من الارتياب والشّكّ يُكدّر أمرَ الإيمان بالله والطّمأنينةَ إلى آياته، وهو اختلاطٌ من الإيمان بالشّرك، ولذلك يَرِدُ على مثل هذا القلب من الأحوال، ويَصدر عن صاحب هذا القلب في مرحلة الأعمال والأفعال ما يُناسب الكفرَ بالله تعالى وبآياته.
وبالمقابلة، تكون سلامةُ القلبِ وصحّتُه هي استقراره في استقامة الفطرة، ولُزومه مستوى الطّريقة، ويؤول إلى خلوصه في توحيد الله سبحانه، وركونه إليه عن كلّ شيء يتعلّق به هوى الإنسان، قال تعالى: ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ الشعراء:88-89.
ومن هنا يَظهر أنّ الّذين في قلوبهم مرضٌ غيرُ المنافقين، كما لا يخلو تعبيرُ القرآن عنهما بمثل قوله: ﴿..الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ..﴾ الأنفال:49، في غالب الموارد عن إشعارٍ ما بذلك، وذلك أنّ المنافقين هم الذين آمنوا بأفواههم ولم تُؤمن قلوبُهم، والكفر الخاصّ موتٌ للقلبِ لا مَرض فيه، قال تعالى: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ..﴾ الأنعام:122، وقال: ﴿إنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللهُ..﴾ الأنعام:36.
فالظَّاهر أنّ مرضَ القلبِ في عُرف القرآن هو الشّكّ والرَّيب الـمُستولي على إدراك الإنسان في ما يتعلّق بالله وآياته، وعدم تمكُّن القلب من العقدِ على عقيدةٍ دينيّة.
فالَّذين في قلوبهم مرضٌ بِحَسب طبع المعنى هم ضعفاءُ الإيمان، الّذين يُصغون إلى كلّ ناعِقٍ، ويَميلون مع كلّ ريحٍ، دون المنافقين الّذين أظهروا الإيمان واستَبْطَنوا الكُفر رعايةً لِمصالحهم الدّنيويّة، لِيَستدرّوا المؤمنين بظاهر إيمانهم، والكفّار بباطنِ كُفرِهم.
نعم، ربّما أُطلِق عليهم المنافقون في القرآن تحليلاً لكونهم يشاركونهم في عدم اشتمال باطنِهم على لطيفة الإيمان، وهذا غيرُ إطلاق «الّذين في قلوبِهم مَرض» على من هو كافرٌ لمْ يؤمن إلّا ظاهراً، قال تعالى: ﴿بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ للهِ جَمِيعًا * وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾ النساء:138-140.
وأمّا قوله تعالى في سورة البقرة: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ﴾ -إلى أن قال-: ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا..﴾-إلى أن قال-: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ..﴾ البقرة:8-13، فإنّما هو بيانٌ لِسلوك قلوبهم من الشّكّ في الحقّ إلى إنكاره، وأنّهم كانوا في بادئ حالِهم مَرضى بسبب كَذِبِهم في الإخبار عن إيمانهم، وكانوا مُرتابين لمْ يُؤمنوا بعد، فزادَهُم اللهُ مرضاً حتّى هلكوا بإنكارهم الحقّ واستهزائهم به.
وقد ذكر اللهُ سبحانه أنّ مرضَ القلب على حدّ الأمراض الجسمانيّة، ربّما أخذ في الزّيادة حتّى أَزْمَن وانجَرّ الأمر إلى الهلاك، وذلك بإمداده بما يضرّ طبعَ المريض في مرضِه وليس إلّا المعصية، قال تعالى: ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا..﴾ البقرة:10، وقال تعالى: ﴿..وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ﴾ -إلى أن قال-: ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ * أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ التوبة:124-126، وقال تعالى -وهو بيان عامّ: ﴿ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ﴾ الروم:10.
ثمّ ذَكرَ تعالى في علاجه الإيمان به، قال تعالى -وهو بيانٌ عام: ﴿..يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ..﴾ يونس:9، وقال تعالى: ﴿..إلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ..﴾ فاطر:10؛ فعلى مريض القلب، إنْ أراد مُداواةَ مرضه، أنْ يَتوب إلى الله، وهو الإيمانُ به، وأنْ يَتذكّر بِصالح الفِكْر، وصالحُ العمل، كما يُشير إليه الآية السّابقة، الذِّكرُ: ﴿..ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ التوبة:126.
وقال سبحانه وهو قولٌ جامع في هذا الباب: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا للهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا * إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ للهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ النساء:144-146.
صفات الأيديولوجي؛ معاينة لرحلة الفاعل في ممارسة الأفكار (1)
محمود حيدر
معنى (عيش) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ
الفيض الكاشاني
التعلم القائم على اللعب: طرق مُثبتة لتعزيز نمو دماغ الطفل وتطوّر إدراكه وشحذ ذكائه
عدنان الحاجي
مناجاة الزاهدين: زهد أحباب الله (1)
الشيخ محمد مصباح يزدي
في رحاب بقية الله: العدالة المهدويّة ترسم المستقبل
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ
الشيخ محمد جواد مغنية
في رحاب بقية الله: ليمكّننّ له الدين
الشيخ معين دقيق العاملي
النّفاق والتّظاهر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
حياتنا بين البخل والترف
الشيخ حسين مظاهري
أم البنين .. رواية من وجع الطف
حسين حسن آل جامع
واشٍ في صورة حفيد
حبيب المعاتيق
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
صفات الأيديولوجي؛ معاينة لرحلة الفاعل في ممارسة الأفكار (1)
معنى (عيش) في القرآن الكريم
لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ
التعلم القائم على اللعب: طرق مُثبتة لتعزيز نمو دماغ الطفل وتطوّر إدراكه وشحذ ذكائه
زكي السّالم: (ديوانك الشّعريّ بين النّطورة والدّندرة والطّنقرة)
أم البنين .. رواية من وجع الطف
مناجاة الزاهدين: زهد أحباب الله (1)
في رحاب بقية الله: العدالة المهدويّة ترسم المستقبل
ستّ طرق لاستخدام القلق كمصدر للنّمو
سبيل غلبة العقل على النفس