بعد أن وصل ركب الأسارى كربلاء يوم الثلاثاء 20 من شهر صفر سنة 61 هـ، باتوا فيها ليلتين وبقوا ثلاثة أيام ليغادروها يوم الجمعة مساءً في 23 من شهر صفر سنة 61 هـ. وبطبيعة الحال كانت النساء والأطفال خلال هذه الأيام يعقدن مآتم الحزن والبكاء على القبور بعد فراق أربعين يوماً، كما أن بعض الرؤوس (والقدر المتيقن منها رأس الحسين عليه السلام) قد تم إلحاقها بأجسادها، ولا نعلم بشكل دقيق عمّا إذا كان قد تم استرفاق باقي الرؤوس من الشام أو لا؟ ولكن الروايات وقد بحثنا جانباً منها في كتاب قضايا النهضة الحسينية تشير بوضوح إلى أنه تم الحاق رأس الحسين عليه السلام ببدنه الشريف.
وفي طريق العودة إلى المدينة المنورة من كربلاء سوف نلاحظ أن وتيرة السير تأخذ بطئاً أكثر، حتى أن المسافة التي هي لا تتجاوز 1200 كيلومتر كما فصلها في تاريخ المراقد، وهي في الحالة العادية من السير لا تحتاج لأكثر من أسبوع، ها هي تطول هنا لتصل إلى نحو ستة عشر يوماً، فقد خرجوا كما تقدم يوم الجمعة مساء في الثالث والعشرين من صفر، ووصلوا إلى بــوابة المدينة يوم الثامن من شهر ربيع الأول سنة 61 هـ.
وبحسب ما ذكره المحقق الكرباسي فإنه يظهر أنهم كانوا يبيتون في الطريق، في أكثر من منطقة وبلدة أو منزل، بالإضافة إلى أن سيرهم كان وئيدًا.
وهكذا كان الأمر إلى أن وصلوا إلى قرب حرة واقم طرف المدينة يوم الجمعة 7 من شهر ربيع الأول سنة 61 هـ. ولم يشأ الإمام السجاد عليه السلام أن يدخل المدينة هكذا على حين غفلة، وإنما أراد أن يكون لمجيئهم تجديد لقضية الإمام الحسين وتذكير بما جرى عليه، فقيل هنا إنه أمر بنصب خيامه على أطراف المدينة، وحين رأى بشر بن حذلم وهو من أشياع أهل البيت، سأله عما إذا كان شاعراً وبإمكانه أن ينعى الحسين وأن يذكر الناس بمصابه، فلما أجاب بالإيجاب ندبه لذلك، وقام هذا من فوره رافعاً عقيرته مخبراً أهل المدينة بما عنده:
يا أهل يثرب لا مقام لكم، بها قتل الحسين فأدمعي مدرار
الجسم منه بكربلاء مضرج، والرأس منه على القناة يدار
وبالرغم من أن خبر مقتل الحسين عليه السلام، كان قد وصل إلى أهل المدينة على مراحل متعددة سابقة إلا أنه قد كان يراد تحشيد وتعبئة الوضع العام ضد الجريمة الأموية.
1/ فقد وصل خبر مقتل الحسين عليه السلام في نفس يوم العاشر والساعة المعينة بعد الظهر، وذلك فيما نقله المسلمون من أن أم سلمة عليها السلام زوجة النبي، وقد كانت نائمة فرأت في عالم الرؤيا رسول الله صلى الله عليه وآله حاسراً أشعث الرأس عليه الغبار وكأنه يلتقط من الأرض شيئاً وهو يبكي فسألته عن ذلك وقال لها: إني ألتقط دم ولدي الحسين فإنه قد قُتِل الساعة، فقامت من منامها باكية وأظهرت الأمر صارخة بأن واحسيناه وابن رسول الله فحدثت ضجة في البيوت القريبة من بني هاشم وأخبرتهم بذلك، بل لقد نُقِل أن ابن عباس وقد كان كفيف البصر عندما سمع صراخاً عالياً من بيت أم سلمة قاده دليله إلى بيتها فأخبرته بمقتل الحسين عليه السلام وقالت: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله أعطاني تربةً من تراب قبر الحسين وقال: إذا رأيتها قد صارت دماً فاعلمي أنه قد قُتِل)، وقد أرتهم كيف أن تلك التربة في تلك القارورة قد صارت دماً عبيطاً.
تصور أن الأمر مهم إلى الدرجة التي تحتفظ فيها أم المؤمنين أم سلمة بهذه القارورة مدة تصل إلى ما يزيد عن نصف قرن من الزمان، وقد نقل هذا الخبر عن أم سلمة غير واحد من محدثي مدرسة الخلفاء....
2/ الإعلان الثاني لخبر مقتل الإمام الحسين عليه السلام، جاء من السلطة الأموية نفسها، ونحتمل أنه استغرق ما يقارب عشرة أيام أو نحوها من بعد مقتل الحسين، حتى يصل الخبر إلى المدينة، وذلك أن عبيد الله بن زياد أمر أحد أعوانه ويسمى عبد الملك السلمي أن يذهب إلى المدينة ويبشر عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق (بما فتح الله عليهم) بحسب تعبيره وطلب منه بأن يسرع في نقل الخبر وإيصاله، وبالفعل فقد جاء عبد الملك هذا إلى المدينة حتى قال بأنه أول ما دخل إلى المدينة: سألني رجل من قريش ما الخبر؟ فقلت: الخبر عند الأمير.
فقال على الفور: لقد قُتِل الحسين!
ونعتقد أنه في مثل هذا وبعد أن وصل الخبر إلى بيوت بني هاشم وضجت واعية الهاشميين بل عموم أهل المدينة حزناً على الإمام الحسين عليه السلام، في مثل هذا كان للأشدق كلام وخطبة ونقاش، ويظهر أن قسماً من نقلة الأخبار قد خلطوا بين هذا الموقف وبين الموقف الأخير بعد دخول الإمام السجاد عليه السلام إلى المدينة.
الشيخ شفيق جرادي
الشيخ جعفر السبحاني
عدنان الحاجي
الشيخ فوزي آل سيف
حيدر حب الله
الشيخ محمد صنقور
الشيخ حسين الخشن
السيد عباس نور الدين
الشيخ علي آل محسن
الشيخ مرتضى الباشا
حسين حسن آل جامع
حبيب المعاتيق
ناجي حرابة
عبدالله طاهر المعيبد
فريد عبد الله النمر
أحمد الرويعي
حسين آل سهوان
أسمهان آل تراب
أحمد الماجد
علي النمر
العبادة والتّعلّم
آداب التّكسّب
طرق إثبات النبوة الخاصة
المخاطر الحقيقية للاعتقاد بعلاجات غير معتمدة طبيًّا
الرّكب الحسينيّ في المدينة المنوّرة (1)
التغيير المجتمعي، مراحله ومعالمه وأدبيّاته: مطالعة في ضوء القرآن الكريم (4)
{مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} ودعوى احتباس الوحي (2)
لمن يكتب الفيلسوف؟
عقيدتنا في الدعوة إلى الوحدة الإسلامية
{مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} ودعوى احتباس الوحي (1)