يعتبر الإنفاق واحدًا من التعاليم والممارسات الإسلامية التي تكرس روح الشعور بالمسؤولية الاجتماعية لدى الإنسان المسلم. وفي هذا المجال يقول تعالى في سورة المنافقين: (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ). (المنافقون / 7).
المعلوم أن من خصائص الحج والتجمعات الإيمانية الأخرى، أنها تجمعات العطاء. وإلا لماذا ينبغي على المسلمين - فيما يتعلق بالحج - أن يتوجهوا إلى الصحراء ليذبحوا عشرات، بل مئات الألوف من الأضاحي؟ أليس من الأفصل - في الظاهر - أن تجمع هذه الأضحيات جميعًا لتذبح في منطقة مسلمة تعاني من الجوع لتوزع فيها، ولماذا التأكيد على الذبح في منى؟
قد تكون الحكمة من وراء ذلك إغناء روح الإنسان، وإظهار نعم الله تعالى عليه، وتحويل التجمع الإيماني إلى تجمع عطاء لا أخذ. فالمسلمون يجب أن يتعودوا على غنى النفس، ولذلك يقول عز وجل: (وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) فهو يملك السماوات والأرض وخزائنها، مفاتح الغيب، وهو الذي يعطينا، ولكنه أراد ان يطهرنا بالعطاء. فعندما يبادر الإنسان بالعطاء، فإن قلبه لا يلبث أن يتطهر. وهذا ما يشير إليه القرآن الكريم في قوله: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا). (التوبة / 103).
فعندما نعطي الصدقة فإنها بمثابة تزكية لنا، وتنمية للتقوى في نفوسنا، كما يقول سبحانه: (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَآؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ). (الحج / 37).
فالتقوى تنمو من خلال الدماء التي تسال في منى، فتكبر الروح، وتغنى النفس، وترتفع الهمة، وتشحذ الإرادة، وتشتد العزيمة، وبالتالي فإن الروح الإيمانية ستسمو.
أما المنافقون فإنهم لا يمتلكون الفهم لكي يدركوا عمق وحكمة هذه الممارسات، فترى الواحد منهم يتصور أن الذي يعطي يصاب بالخسارة. في حين أن الذي يعطي لابد أن يأخذ أكثر مما أعطى، لأن الله أعّد له أجراً عظيماً مضاعفاً في الدنيا والآخرة. فهو يعطي ليحصل في المقبل على الطيبة في القلب، والطهارة في النفس، والتحرر من أسر المادة، والانطلاق في رحاب الحقيقية.
العزة في الوحدة والإيمان:
ثم يقول عز وجل بشأن المنافقين: (يَقُولُونَ لَئِن رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ). (المنافقون / 8).
فهم يجهلون أن العزة الحقيقية تكمن في الوحدة والاتحاد، والانضواء تحت راية التوحيد. فإن افتخر شخص على آخر بأنه أعز منه، فإن هذا الشخص لا يريد العزة في الحقيقة، بل يريد الذلة من حيث لا يشعر، لأن التفاخر سوف يدفعه إلى الاختلاف، والاختلاف ذل.
ولذلك فإن المنافقين كانوا يطلبون الاختلاف، في حين أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يستهدف الوحدة. وبهذه الوحدة استطاعت تلك القبائل المتناحرة في الجزيرة العربية أن تكون أكبر حضارة في التأريخ. ويا ليتنا نفهم منطق التأريخ، ونعود إلى أبسط الحقائق في القرآن الكريم وتأريخ أمتنا، لندرك مخاطر هذه الاختلافات والنعرات والطائفيات القوميات والشعوبيات التي تجعلنا نسقط في مستنقع الذلة والصغار.
إن العزة الحقيقية في الوحدة والإيمان والتمسك بحبل الله، كما يقول عز من قائل: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ).
بعد ذلك يذكرنا ربنا جل وعلا بجملة وصايا تربوية وأخلاقية، قائلًا: (يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلآ أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ). (المنافقون / 9). أي لا تهبطوا إلى الأرض، وتركنوا إلى الأموال والأولاد، بل ارتفعوا إلى مستوى ذكر الله عز وجل، لأن من يفعل ذلك فهو الخاسر الأكبر.
ثم يقول ربنا تعالى: (وَأَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلآ أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَآءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ). (المنافقون / 10 - 11).
فعندما ينظر الإنسان إلى ملك الموت واقفاً على رأسه ومنشغلًا في نزع روحه، ثم ينظر نظرة أخرى إلى أمواله وممتلكاته وذهبه وفضته.. فحينئذ تغمر الحسرة وجودة، ويطلب من الله تعالى بإلحاح أن يمهله. ولكن الأجل إذا حل، فإن كل شئ ينتهي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحج ضيافة الله / محمد تقي مدرسي.
السيد عادل العلوي
محمود حيدر
الشيخ مرتضى الباشا
السيد عباس نور الدين
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ محمد صنقور
حيدر حب الله
عدنان الحاجي
الشهيد مرتضى مطهري
الشيخ محمد جواد مغنية
حسين حسن آل جامع
حبيب المعاتيق
ناجي حرابة
عبدالله طاهر المعيبد
فريد عبد الله النمر
أحمد الرويعي
حسين آل سهوان
أسمهان آل تراب
أحمد الماجد
علي النمر
بوح الأسرار: خلوة النبي (ص) بالزهراء (ع) قبل رحيله
الوداع الأخير
ميتافيزيقا السؤال المؤسِّس (1)
وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين
خطة الرسول الأكرم (ص)
وصيّة نبي الرحمة (ص) قبيل رحيله
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ﴾ مفادها وفيمن نزلت (2)
الشخصية المرجعية للنبيّ بين الرسولية التبليغية والذاتية البشرية (2)
التجّلي الأعظم (سرّ من أسرار رسول الله محمد)
الشخصية المرجعية للنبيّ بين الرسولية التبليغية والذاتية البشرية (1)