مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ باقر القرشي
عن الكاتب :
الشيخ باقر بن الشيخ شريف بن الشيخ مهدي بن الحاج ناصر بن الشيخ قاسم بن الشيخ محمد بن الشيخ مسعود بن عمارة القرشي .rn عالم عراقي بارز، و كاتب و محقق متخصص في التاريخ الإسلامي وسيرة المعصومين عليهم السلام.rn ولد عام 1344 هـ في النجف الأشرف / العراق .rn التحق بالحوزة العلمية في النجف الأشرف فدرس الفقه و الأصول و العلوم الإسلامية فتخرج منها برتبة عالية .rn من أساتذته: آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي قدس سره، آية الله العظمى السيد محسن الحكيم قدس سره.rn مؤلفاته تجاوزت السبعين منها: حياة الرسول الأعظم (٣ مجلدات)، موسوعة حياة اهل البيت (٤٢ مجلداً).rn توفي يوم الأحد 26 رجب سنة 1433 هـ في النجف الأشرف فصلى عليه المرجع الديني السيد محمد سعيد الحكيم قدس سره .rn دفن في مكتبته الخاصة ( مكتبة الامام الحسن عليه السلام ) في النجف الأشرف عصر يوم الأثنين الموافق 18/6/2012.rn

بين يديّ الإمام الباقر عليه السّلام

الإمام محمد الباقر (ع) من أفذاذ العترة الطاهرة، ومن أعلام أئمة أهل البيت (ع) ومن أبرز رجال الفكر والعلم في الإسلام فقد قام - فيما أجمع عليه المؤرخون - بدور إيجابي وفعال في تكوين الثقافة الإسلامية وتأسيس الحركة العلمية في الإسلام، فقد تفرغ لبسط العلم وإشاعته بين المسلمين في وقت كان الجمود الفكري قد ضرب نطاقه على جميع أنحاء العالم الإسلامي، ولم تعد هناك أية نهضة فكرية أو علمية، فقد منيت الأمة بثورات متلاحقة، وانتفاضات شعبية كان مبعثها تارة التخلص من جور الحكم الأموي واضطهاده، وأخرى الطمع بالحكم، وأهملت من جراء ذلك الحياة العلمية إهمالًا تامًّا فلم يعدلها أي ظل على مسرح الحياة.

 

وقد ابتعد الإمام الباقر (ع) عن تلك التيارات السياسية ابتعادًا مطلقًا فلم يشترك بأي عمل سياسي يتصادم مع الحكم القائم آنذاك، واتجه صوب العلم فرفع مناره، وأسس قواعده وأرسى أصوله، فكان الرائد والمعلم والقائد لهذه الأمة في مسيرتها الثقافية، وقد سار بها خطوات واسعة في ميادين البحوث العلمية مما يعتبر عاملاً جوهريًّا في ازدهار الحياة الإسلامية وتكوين حضارتها المشرقة في الأجيال التي جاءت بعده.

 

وكان من أهم ما عنى به الإمام أبو جعفر (ع) نشر الفقه الإسلامي الذي يحمل روح الإسلام وجوهره وتفاعله مع الحياة فسهر على إحيائه فأقام مدرسته الكبرى التي زخرت بكبار الفقهاء كأبان بن تغلب ومحمد بن مسلم، وبريد وأبي بصير الأسدي والفضل بن يسار، ومعروف بن خربوذ وزرارة ابن أعين، وهؤلاء الأعلام ممن أجمعت الصحابة على تصديقهم والإقرار لهم بالفقه، وإليهم يرجع الفضل في تدوين أحاديث أهل البيت (ع) ولولاهم لضاعت تلك الثروة الفكرية الهائلة التي يعتز بها العالم الإسلامي وهي إحدى المدارك الأساسية لفقهاء الشيعة في استنباطهم للأحكام الشرعية.

 

والشيء الذي يدعو إلى الاعتزاز بسيرة الإمام هو أنه قد تبنى هؤلاء الفقهاء فأشاد بهم، وعزز مركزهم، وأرجع الأمة إلى فتواهم يقول (ع) لأبان بن تغلب: «اجلس في مسجد المدينة، وافت الناس فإني أحب أن يرى في شيعتي مثلك» «1».

 

وقد قام بتسديد نفقاتهم وما يحتاجون إليه في حياتهم المعاشية ليتفرغوا إلى تحصيل العلم وضبط قواعده وتدوينه، وعهد من بعده إلى ولده الإمام الصادق (ع) القيام برعايتهم والإنفاق عليهم حتى لا تشغلهم الحياة الاقتصادية عن القيام بأداء مهماتهم... وقد قاموا بدور بناء في تدوين الحديث الذي سمعوه منه، كما أخذوا يلقون على البعثات الدينية ما رووه عنه، وقد روى عنه تلميذه جابر بن يزيد الجعفي سبعين ألف حديث «2». كما روى عنه أبان بن تغلب مجموعة كبيرة عنه، وقد حفلت الموسوعات الفقهية بحشد كبير من رواياتهم عنه فجميع أبواب الفقه من العبادات وسائر العقود والإيقاعات مدعمة بالروايات عنه فكان المؤسس والناشر لفقه أهل البيت الذي يحتل الصدارة في الفقه الإسلامي.

 

ولم يقتصر الإمام في محاضراته وبحوثه على الفقه الإسلامي وإنما خاض جميع ألوان العلوم من الفلسفة وعلم الكلام والطب، أما تفسير القرآن الكريم فقد استوعب اهتمامه، فقد خصص وقتًا له، وقد دون أكثر المفسرين ما يذهب إليه وما يرويه عن آبائه في تفسير الآيات الكريمة، وقد ألّف كتابًا في التفسير رواه عنه زياد بن المنذر الزعيم الروحي للفرقة الجارودية «3».

 

ويعرض هذا الكتاب إلى بيان ذلك، وتقديم برامج من تفسيره لبعض الآيات، ومما تجدر الإشارة إليه أن الإمام (ع) قد تحدث عن أحوال الأنبياء وما لاقوه من الاضطهاد من فراعنة زمانهم، كما عرض لبعض حكمهم وآدابهم وعنه أخذ أكثر الباحثين في أحوال الأنبياء...

 

وتحدث (ع) بصورة موضوعية وشاملة عن السيرة النبوية وشرح أحوال الرسول الأعظم (ص) ومغازيه وحروبه. وقد رواها عنه ابن هشام والواقدي والحلبي وغيرهم من المدونين للسيرة النبوية كما روى (ع) عن النبي (ص) بسنده عن آبائه مجموعة كبيرة من الأحاديث تتعلق بآداب السلوك وحسن الأخلاق وما ينبغي أن يتصف به المسلم من الصفات الرفيعة التي تجعله قدوة لغيره... وروى بصورة شاملة الأحداث التأريخية التي جرت في العصر الإسلامي الأول، وقد نقلها عنه الطبري في تأريخه والبلاذري في أنسابه.

 

وناظر (ع) مع بعض علماء المسيحيين، والأزارقة، وجادل الملحدين، وقاوم الغلاة، وقد خرج من مناظراته وهو ظافر قد اعترف الخصم بقدراته العلمية والعجز عن مجاراته...

 

لقد ترك الإمام (ع) ثروة فكرية هائلة تعد من ذخائر الفكر الإسلامي ومن مناجم الثروات العلمية في الأرض وليس من المستطاع تسجيل جميع ما أثر عنه من العلوم والمعارف فإن ذلك يستدعي وضع عدة مجلدات...

 

وعلى أي حال فإن التأريخ لم يعرف أمامًا كمحمد الباقر (ع) قد وقف حياته كلها لنشر العلم وإذاعته بين الناس، فكان - فيما يقول الرواة - قد أقام في يثرب سادنًا أميًنا كالجبل أو كالبحر وهو يغذي رجال الفكر ورواد العلم بفقهه وعلمه التي تحمل عناصر التقدم، وعناصر الحياة لا لهذه الأمة فحسب، وإنما للناس جميعًا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) النجاشي ص 28 جامع الرواة 1 / 9.

(2) ميزان الاعتدال 1 / 383.

(3) فهرست الشيخ الطوسي (ص 98).

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد