من حكم حج بيت الله الحرام، هذه التظاهرة الإيمانية والمسيرة الإلهية الكبرى، تحويل رؤية الإنسان إلى الدين من علاقة شخصية بينه وبين ربه إلى نظام اجتماعي يسود كافة نواحي الحياة. وهي أيضاً الحكمة ذاتها المتوخاة من إقامة صلاة الجمعة والجماعة، وأغلب الشعائر التي أمر الله تبارك وتعالى بتعظيمها، قائلاً: ﴿وَمَن يُعَظِّمْ شَعَآئِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ (الحج/32).
الانغلاق مشكلة بشرية:
ومن المعلوم أن الإنسان منغلق بطبعه على ذاته؛ وتحوله من قوقعة الذات إلى رحاب الحياة يعتبر عملية حضارية تحتاج إلى الإرادة والوعي، ومن دونهما لا يستطيع الإنسان الوصول إلى مستوى الخروج من ذاته، والتحليق في سماء المجتمع الذي يعيش فيه. لأن الإنسان هو الكائن الحي الوحيد الذي يعيش ضمن دائرة المجتمع بسبب إحساسه بهذه الضرورة، ووعيه وإرادته، وكلما تجاهل الإنسان الوعي والإرادة ابتعد عن الحضارة والتقدم. ولأن هذه هي الطبيعة الأولية لدى الإنسان، فإن التعاليم القرآنية، وتعاليم سائر الرسالات الأخرى من الممكن أن تنحرف لديه، وتتحول من تعاليم اجتماعية وسياسية واقتصادية إلى مجرد مجموعة من القيم الفردية.
وهذه هي المشكلة التي عانت منها الأمم السابقة. فهي قد حولت الدين إلى تجربة ومعاناة شخصية، وسلبت منه الجانب الاجتماعي والحضاري، مكتفية بالجوانب الشخصية.
وقد ابتلي المسلمون أيضاً عبر التأريخ بهذه المشكلة، فهم بدورهم حولوا الدين إلى مجرد علاقة شخصية. وقد كانت فكرة الخروج من إطار المسؤولية، والابتعاد عن مشاكل السياسة، السبب في المشاكل التي عانى وما يزال يعاني منها المسلمون.
وعلى هذا الأساس فلا بد أن نلتزم بالتشريعات الإلهية التي من شأنها أن تغير من نظرتنا هذه إلى الدين. فإذا أردنا أن نعبد ربنا، فإن علينا أن لا نكتفي بأداء هذه العبادة في زاوية من زوايا البيت، بل لنتوجه إلى المسجد. وقد حثتنا الأحاديث الشريفة على ضرورة إضفاء البعد الاجتماعي على عباداتنـا؛ فإن كان ثواب الصلاة في البيت عشر حسنات، فإن ثوابها في المسجد يرتفع ليصل إلى مائة حسنة، وإن الصلاة في مسجد تقام فيــه صلاة الجمعة أثوب عنــد الله من مسجد المحلة أو الشـارع...
العلاقات الاجتماعية هي الحل:
ومن هذا المنطلق فإن على المسلمين أن يقصدوا بيت الله الحرام من أقاصي الأرض ليلتفوا حلول الكعبة التي جعلها الله تقدست أسماؤه قياماً للناس، ليعبدوا الله جميعهم في موسم واحد، وليحضروا كلهم في مكة في أشهر الحج،إالى درجة أن الشريعة قد اعتبرت هذا التجمع واجباً، فالذي لا يدرك يوم التاسع من ذي الحجة - مثلاً - ليتواجد في عرفات يكون كمن لا حج له...
وهكذا الحال بالنسبة إلى سائر التعاليم الإلهية، فعندما يأمرك القرآن الكريم بالتزام الصدق والوفاء وحسن الظن والتعاون وقول الكلمة الطيبة.. فإن هذه الوصايا تقتضي منك أن تكون صادقاً مع الآخرين، وأن تكون وفياً بعهودك معهم، بارًّا بالوعود التي برمتها معهم، لا تنابزهم بالألقاب، ولا تسيء الظن بهم... وهذه الوصايا والتعاليم موجهة إلينا كأشخاص، وكفئات، وأحزاب، أو أية تجمعات أخرى. فعلينا أن نكون متحلين بالأخلاق الإسلامية على صعيد الإطار الاجتماعي. فكل تجمع منا يجب أن يكون صادقاً مع التجمع الآخر، وأن لا يتجسس بعضنا على البعض الآخر، ولا نتنابز بالألقاب..
وعندما نقرأ سورة الحجرات، فإننا نرى أن الله سبحانه وتعالى عندما يريد أن يحدد العلاقة المثالية بين أبناء الأمة الإسلامية، فإنه يتحدث عن القتال الذي من الممكن أن يحدث بين طائفبين من المؤمنين، فيقول تعالى: ﴿وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَاَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا﴾ (الحجرات/9)
ثم يقول عز من قائل مركزاً على الجانب الأخلاقي: ﴿وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الإِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ﴾ (الحجرات/11). ويقول: ﴿يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ (الحجرات/12).
وعلى هذا فان العلاقة إذا ما صلحت بين طائفتين فإنها ستصلح أيضاً على صعيد الأفراد، لأن العلاقة بين الطوائف والتجمعات هي العلاقة الأساسية، وهي التي تخلق الحضارة إن كانت إيجابية، أو تركسنا في التخلف بل إلى الجاهلية إن كانت سلبية.
وهكذا فإن من حكم التجمعات الإيمانية مثل الحج -كأكبر تجمع إيماني - وصلاة الجمعة والجماعة، إلى أصغر عمل يقوم به المجموع؛ أن نفـهم الدين فـي إطاره الجماعي.
ومن أبرز وأهم الأدعية التي أوصي الإنسان المسلم أن يدعو بها، قوله تعالى على لسان يوسف الصديق عليه السلام: ﴿فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالأَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ (يوسف/101)، وفي آيـة أخرى يقول سبحانه: ﴿وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ (التوبة/119).
وعلى هذا الأساس فإن التعاليـم الإلهيــة ينبغـي أن توضع ضمـن إطـار بناء المجتمع المثالي، وإذا ما ضمنا تحقيق هذا المجتمع فإن الفرد المثالي سيكون وجوده مضمونًا أيضاً. فالفرد هو اللبنة الأولى في بناء كيان المجمتع، وهذا ما يقتضي من الإنسان أن لا يعيش فرداً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحج ضيافة الله / محمد تقي مدرسي.
السيد عباس نور الدين
محمود حيدر
عدنان الحاجي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ محمد مهدي الآصفي
الشيخ محمد صنقور
الشيخ محمد مصباح يزدي
الشيخ محمد مهدي النراقي
الشيخ باقر القرشي
الشيخ محمد الريشهري
حسين حسن آل جامع
الشيخ علي الجشي
عبدالله طاهر المعيبد
حبيب المعاتيق
شفيق معتوق العبادي
جاسم بن محمد بن عساكر
رائد أنيس الجشي
ناجي حرابة
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد
فتح صفحة جديدة مع الله تعالى
ميتافيزيقا المثنَّى؛ دُربة المعرفة إلى توحيد الله وتوحيد العالم (2)
علماء فلك يرصدون جرمًا غامضًا يصدر ومضات غريبة إلى الأرض كل 44 دقيقة
أهميّة الحجّ بين الواجبات الإسلاميّة
عرفة منزل الدعاء والاستجابة
ميتافيزيقا المثنَّى؛ دُربة المعرفة إلى توحيد الله وتوحيد العالم (1)
عرفة روح الحج
﴿عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾
المسيرة الإلهية الكبرى
ماذا يهدف إليه الحجّ؟