مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد مهدي الآصفي
عن الكاتب :
عالم ومفكر اسلامي كبير، واستاذ في الحوزة العلمية، توفي(٤/٦/٢٠١٥)

ما لا ينبغي من الدعاء (1)

نتحدث عمّا لا ينبغي من الدعاء، وهو طائفة من العناوين نستخرجها من نصوص القرآن والحديث، وإليك طائفة من هذه العناوين مما لا ينبغي الدعاء له:

 

1 ـ الدعاء على خلاف سنن الله العامة في الكون والحياة:

 

وقد دعا الله تعالی نوح (عليه ‌السلام) أن يشفّعه في ولده، وينجيه من الغرق، بناءً على وعد وعده الله تعالى في نجاة أهله، فلم يستجب الله لعبده ونبيه نوح (عليه ‌السلام) وردّ دعاءه، وقال له: (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) ووعظه ألّا يعود لمثل هذا الدعاء.

 

(وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ õ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ õ قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ) [1].

 

وقد كان من حق نوح (عليه ‌السلام) أن يسأل الله تعالى نجاة من كان من أهله. أما من لم يكن من أهله فلا يحق له أن يسأله له النجاة من الغرق.

 

ولم يكن ابنه من أهله، وهذا هو حكم الله، ولم يكن يحق لنوح (عليه ‌السلام) أن يسأل الله تعالی علی خلاف قوانينه وأحكامه.

 

ولننظر في جواب نوح (عليه ‌السلام)، وهو جواب العبد المنيب الذي يسرع إلى مرضاة ربه، ويعوذ به أن يسأله ما ليس له به علم، وينيط نجاحه وفوزه برحمته ومغفرته تعالى.

 

إن فهم سنن الله تعالى أمر لابدّ منه في الدعاء، وليست مهمّة الدعاء اختراق هذه السنن وتجاوزها، وإنما مهمّة الدعاء توجيه العبد إلى السؤال من الله في دائرة سننه وقوانينه، إن سنن الله تجسد دائماً إرادته تعالى التكوينية، ومهمة الدعاء استعطاف إرادة الله وليس تجاوزها واختراقها، والله تعالىٰ يقول: (وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّـهِ تَحْوِيلًا).

 

والنظام الكوني هو تجسيد وتبلور لإرادة الله الذي لا يصلح أمر الكون من دونه؛ ولا يصح أن يطلب العبد في الدعاء تغييره. فإن الدعاء من أبواب رحمة الله تعالى لعباده؛ وإرادة الله تعالى مطابقة دائماً لرحمته ولا يصح من العبد أن يسأل الله تعالى تغييرها واستبدالها.

 

لا تختلف سنة عن سنّة، فكل سنّة تمثل إرادة الله، وكل إرادة لله تمثل رحمة الله وحكمته اللتين لا رحمة ولا حكمة فوقهما، سواء في ذلك السنن الكونية والتاريخية والاجتماعية.

 

فمن سنن الله تعالى مثلاً حاجة الناس بعضهم إلى بعض في شؤون دينهم ودنياهم، وليس من الصحيح أن يطلب الإنسان من الله تعالى أن يغنيه عن الآخرين ولا يحوجه إلى خلقه، فهو دعاء على خلاف سنة الله تعالى وإرادته تماماً.

 

وقد ورد في الحديث عن أمير المؤمنين علي (عليه ‌السلام) أنه قال: «قلت: اللّهم لا تحوجني إلى أحد من خلقك، فقال رسول الله (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم): يا علي، لا تقولن هكذا، فليس من أحد إلّا وهو محتاج إلى الناس. قال: فقلت: كيف (أقول) يا رسول الله؟ قال: قل: اللّهم لا تحوجني إلى شرار خلقك» [2].

 

وروي عن شعيب عن أبي عبدالله (عليه ‌السلام) في حديث أنه قال له: «ادع الله أن يغنيني عن خلقه. قال: إن الله قسّم رزق من شاء على يدي من شاء، ولكن اسأل الله أن يغنيك عن الحاجة التي تضطرك إلى لئام خلقه» [3].

 

وبهذا الفهم للدعاء تجد أن النصوص الإسلامية تحدّد للدعاء دائرة واقعية وتخرج الدعاء عن الدوائر غير الواقعية والخيالية.

 

وتؤكد هذه النصوص حقيقة هامّة في طريقة وأسلوب معيشة الإنسان المسلم. فكما يجب أن يكون سعيه وحركته واقعيين، وبعيدين عن الخيال، كذلك يجب أن يكون دعاؤه في نفس الدائرة الواقعية.

 

روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه ‌السلام) أنه سأله شيخ من الشام: «أي دعوة أضلّ؟ فقال: الداعي بما لا يكون» [4].

 

وما لا يكون هو ما يقع خارج دائرة سنن الله المتعارفة في حياة الإنسان، ولا يكون التفكير فيه والسعي إليه واقعياً. وفي عدة الداعي عن أمير المؤمنين (عليه ‌السلام): «من سأل فوق قدره استحق الحرمان» [5].

 

واعتقد أن المقصود بالسؤال (فوق قدره) هو السؤال فيما لا يكون طلبه واقعياً.

 

2 ـ الدعاء بما لا يحل:

 

وكما لا ينبغي السؤال والدعاء بما لا يكون كذلك لا ينبغي الدعاء بما لا يحلّ، وكلاهما من باب واحد ؛ فإن الأوّل خروج على إرادة الله التكوينية، والثاني خروج علىٰ إرادة الله التشريعية.

 

يقول تعالى: (إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّـهُ لَهُمْ) [6].

 

وقد روي عن أمير المؤمنين (عليه ‌السلام): «لا تسأل ما لا يكون وما لا يحل» [7].

 

3 ـ تمني زوال نعمة الغير:

 

ومما لا يجوز في الدعاء أن يتمنى الإنسان أن ينقل الله تعالىٰ النعمة من الآخرين إلى الداعي. يقول تعالى: (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّـهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ) [8].

 

وليس من بأس على الإنسان أن يتمنى من الله النعمة، ويتمنى أن ينعم عليه مثل ما أنعم على الآخرين وأفضل منهم، ولكن ما لا يحبه الله تعالى لعباده أن يطيل الإنسان النظر إلى ما انعم الله على عباده من النعمة. يقول تعالى: (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [9].

 

ولا يحب الله تعالى لعباده أن يتمنى الإنسان أن ينقل الله تعالى النعمة من الآخرين إليه. فإن فيه من تمني سلب النعمة عن الآخرين ما لا يرتضيه الله تعالى لعباده، وفيه من ضيق النظر والأفق في الأمنيات والتمنيات ما لا يحبه الله تعالى لعباده. إن سلطان الله واسع وخزانته لا نفاد لها، وملكه لا حد له، وليس من بأس على الإنسان أن يطلب من الله كلّ شيء، وأن يتمنى أن يرزقه الله أفضل مما رزق الآخرين. وقد ورد في الدعاء «اللّهم آثرني ولا تؤثر عليّ أحداً». «واجعلني من أفضل عبادك نصيباً عندك، وأقربهم منزلة منك، وأخصّهم زلفة لديك». هذا كلّه لا بأس به، ويحبه الله تعالى؛ أمّا أن يتمنى أن يسلب الله النعمة من الآخرين فلا يحبه الله، ولا يحتاج ربنا إذا أراد أن يرزق عبداً من عباده نعمة أن يسلبها من غيره ويمنحها إيّاه.

 

روى عبدالرحمان بن أبي نجران قال: «سألت أبا عبدالله (عليه ‌السلام) عن قول الله عزّوجلّ: (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّـهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ) قال: لا يتمنى الرجل إمرأة الرجل ولا ابنته، ولكن يتمنى مثلها» [10].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] هود : 45 ـ 47.

[2] بحار الأنوار 93 : 325.

[3] أصول الكافي : 438 ، وسائل الشيعة 4 : 1170 ، ح 8946.

[4] بحار الأنوار 93 : 324.

[5] بحار الأنوار 93 : 327 ، ح 11.

[6] التوبة : 80.

[7] بحار الأنوار 93 : 324.

[8] النساء : 32.

[9] طه : 131.

[10] تفسير العياشي : 239.

 

 

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد