
كمال الدين ميثم البحراني
قال أمير المؤمنين عليه السلام: "انْظُرُوا إِلى الدُّنْيَا نَظَرَ الزَّاهِدِينَ فِيهَا، الصَّادِفِين (المُعرضين) عَنْهَا، فَإِنَّهَا وَاللّهِ عَمَّا قَلِيل تُزِيلُ الثَّاوِيَ (الـمُقيم) السَّاكِنَ، وَتَفْجَعُ الْمُتْرَفَ الآمِنَ، لاَ يَرْجِعُ مَا تَوَلَّى مِنْهَا فَأَدْبَرَ، وَلاَ يُدْرى مَا هُوَ آت مِنْهَا فَيُنْتَظَرَ.
سُرُورُهَا مَشُوبٌ بِالْحُزْنِ، وَجَلَدُ الرِّجَالِ (أي قوّتهم) فِيهَا إِلَى الضَّعْفِ وَالْوَهْنِ، فَلا يَغُرَّنَّكُمْ كَثْرَةُ مَا يُعْجِبُكُمْ فِيهَا لِقِلَّةِ مَا يَصْحَبُكُمْ مِنْهَا.
رَحِمَ اللّهُ امْرَأً تَفَكَّرَ فَاعْتَبَرَ، واعْتَبَرَ فَأَبْصَرَ، فَكَأَنَّ مَا هُوَ كَائِنٌ مِنَ الدُّنْيَا عَنْ قَلِيل لَمْ يَكُنْ، وَكَأَنَّ مَا هُوَ كَائِنٌ مِنَ الآخِرَةِ عَمَّا قَلَيل لَمْ يَزَلْ، وَكُلُّ مَعْدُود مُنْقَض، وَكُلُّ مُتَوَقَّع آت، وَكُلُّ آت قَرِيبٌ دَانٍ".
حاصل الكلام تزهيد الدنيا والتحذير منها، فأمَرَهُم أنْ ينظروا إليها نَظَرَ الزاهدين فيها المُعرضين عنها أمرٌ لهم بتركها واحتقارها إلّا بمقدار الضرورة إلى ما تقوم به الضرورة ثم أردفه بذكر معائبها الـمُنفّرة:
فالأوّل: إزالتها للمُقيم بها المطمئن إليها عمّا رَكَنَ إليه منها. ("تُزِيلُ الثَّاوِيَ السَّاكِنَ")
الثاني: فجيعتها للمُترف المتنعّم بها -الذي خَدَعَتْهُ بأمانيها حتّى أمِنَ فيها- بسلب ما ركَنَ إليه وأمِنَ عليه. ("وَتَفْجَعُ الْمُتْرَفَ الآمِنَ")
الثالث: كونها لا يرجع ما تولّى منها فأدْبَرَ من شبابٍ وصحّةٍ ومالٍ وعُمرٍ ونحوه. ("لاَ يَرْجِعُ مَا تَوَلَّى مِنْهَا فَأَدْبَرَ")
الرابع: كونها لا يدري ما هو آتٍ من مصائبها فينتظر ويحترز منه. ("وَلاَ يُدْرى مَا هُوَ آت مِنْهَا فَيُنْتَظَرَ")
الخامس: شوب سرورها بالحزن، إذ كان مسرورها لا يعدم في كلّ أوان فوتَ مطلوبٍ أو فقدَ محبوب. ("سُرُورُهَا مَشُوبٌ بِالْحُزْنِ")
السادس: انتهاء قوّة أهلها وجلدهم إلى الضعف كما قال تعالى: {ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً} (الروم: 54) ("وَجَلَدُ الرِّجَالِ فِيهَا إِلَى الضَّعْفِ وَالْوَهْنِ")
وَزَهِدَ بعضُ الصالحين في الدنيا فقال: "عيشٌ مشوبٌ بسُقم، منساقٌ إلى هرم، مختومٌ بِعَدمٍ، مستعقبٌ بندمٍ، هل يجوز التنافس فيه؟!"
ثم نهى عن الاغترار بكثرة ما يُعجبهم منه، وعلّل حُسن ذلك الانتهاء بقلّة ما يصحبُهُم منها ("فَلا يَغُرَّنَّكُمْ كَثْرَةُ مَا يُعْجِبُكُمْ فِيهَا لِقِلَّةِ مَا يَصْحَبُكُمْ مِنْهَا")، فإنّ المنافسة إنّما ينبغي أن يكون باقياً للإنسان حيث كان كان، وأشار بقليل ما يصحبهم منها إلى الكفن ونحوه.
ثمّ دعا لمَنْ تفكّر فأفاده فكره عبرة (رَحِمَ اللّهُ امْرَأً تَفَكَّرَ فَاعْتَبَرَ، واعْتَبَرَ فَأَبْصَرَ"): أي انتقال الذهن إلى ما هو الحق من وجوب ترك الدنيا والعمل للآخرة، فإفادة ذلك الانتقال إدراكاً للحقّ ومشاهدة ببصر البصيرة له.
ثمّ أردفه بتشبيه وجود متاع الدنيا الحاضر بعدمه ("فَكَأَنَّ مَا هُوَ كَائِنٌ مِنَ الدُّنْيَا عَنْ قَلِيل لَمْ يَكُنْ")، تنبيهاً على سرعة لحوق عدمه بوجوده، فكأنّ وجوده شبيهٌ بأنْ لم يكن لسرعة زواله.
وكذلك تشبيه عدم الآخرة الآن وما يلحق فيها من الثواب والعقاب بوجودها الدائم ("وَكَأَنَّ مَا هُوَ كَائِنٌ مِنَ الآخِرَةِ عَمَّا قَلَيل لَمْ يَزَلْ"): أي كأنّها لسرعة وجودها ولحوقها لم تزل موجودة.
ونبّه بقوله "وَكُلُّ مَعْدُود مُنْقَض" على انقضاء مُدد الأعمار لكونها معدودة الأيام والساعات والأنفاس.
وقوله "وَكُلُّ مُتَوَقَّع آت، وَكُلُّ آت قَرِيبٌ دَانٍ" والإشارة به إلى "الموت" وما بعده.
ـــــــ
صفات الأيديولوجي؛ معاينة لرحلة الفاعل في ممارسة الأفكار (1)
محمود حيدر
معنى (عيش) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ
الفيض الكاشاني
التعلم القائم على اللعب: طرق مُثبتة لتعزيز نمو دماغ الطفل وتطوّر إدراكه وشحذ ذكائه
عدنان الحاجي
مناجاة الزاهدين: زهد أحباب الله (1)
الشيخ محمد مصباح يزدي
في رحاب بقية الله: العدالة المهدويّة ترسم المستقبل
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ
الشيخ محمد جواد مغنية
في رحاب بقية الله: ليمكّننّ له الدين
الشيخ معين دقيق العاملي
النّفاق والتّظاهر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
حياتنا بين البخل والترف
الشيخ حسين مظاهري
الصّاعدون كثيرًا
حبيب المعاتيق
أم البنين .. رواية من وجع الطف
حسين حسن آل جامع
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
جمعيّة الجشّ الخيريّة تختتم حملتها للتّبرّع بالدّم
الصّاعدون كثيرًا
صفات الأيديولوجي؛ معاينة لرحلة الفاعل في ممارسة الأفكار (1)
معنى (عيش) في القرآن الكريم
لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ
التعلم القائم على اللعب: طرق مُثبتة لتعزيز نمو دماغ الطفل وتطوّر إدراكه وشحذ ذكائه
زكي السّالم: (ديوانك الشّعريّ بين النّطورة والدّندرة والطّنقرة)
أم البنين .. رواية من وجع الطف
مناجاة الزاهدين: زهد أحباب الله (1)
في رحاب بقية الله: العدالة المهدويّة ترسم المستقبل