سياحة ثقافية

ما بقي من قلعة واحة القطيف

 

تضم القطيف العديد من المرافق السّياحيّة كقصر تاروت، عين العودة وحمام تاروت، قصر محمد بن عبد الوهاب الفيحاني، ومدفن جاوان (ياوان) الأثري. وتعتبر قلعة القطيف الأثريّة أبرز هذه الأماكن التي تختزل ذاكرة شعبٍ وأرض تفيض عزًا وخيرًا.

 

نبذة عن القلعة

يعرّف البعض هذه القلعة بأنّها تاريخ مدفون في مبانٍ متآكلة. وتعتبر هذه القلعة أو ما بقي منها إرثًا ثمينًا لواحة القطيف. تم إنشاؤها عام 216 هجري وهي مبنى كبير يضم غرفًا وردهات ومخابئ تقع في قلب مدينة القطيف، بناها الساسانيون في القرن الثالث الميلادي على تلّ مرتفع، وكان فيها قصر البلاط الملكي وقصور الضيافة وحظائر المواشي، وقد اتخذت قاعدة عسكرية ثم مستودعاً للبضائع وفي وقت لاحق مقراً للسكن.

 وكان لها سور منيع جدد بناؤه في عهد السلطان سليم الثاني، ثم في عهد والي الأتراك علي باشا سنة 1093هـ، وكان بالقلعة أحد عشر مسجداً. وقد تم هدمها في ثمانينات القرن العشرين على يد الحكومة السعودية.

 

الهيكليّة المعماريّة للقلعة

آحادٌ محدودة من بيوت متراصّة، متداخلة، كما كانت في الزمن القديم. جدار البيت بجدار بيت الجار، وممرّ مسقوف يتّكئ على جدران بيوت الحيّ بمودّة وتراضٍ. ونوافذ تلتقط الهواء من عفوية الريح العابرة، وأزقّة تتذكر خطوات العابرين وعرق الكادحين وأشياء الناس القديمة.

يقوم طراز البيوت في هذه القلعة على فكرة تُعرف بـ «السافات»، وهي رصف طبقة إسمنتية، ثم طبقة أخرى حجرية، يقسم بعدها الحائط إلى جدار مصمت ونقيله، وصلخ، ثم يختم بما يعرف «بالرباط»، أمّا مساحة تلك البيوت فقد بلغت نحو 200 متر مربع أو تقل قليلاً. ومازالت بعض البيوت لليوم تُبهر الزائر بروعة النقوش كبيت "البيات" الذي مازال مفتوح الأبواب في حي الخان بالقطيف، وبيتين للجشي يعجز اللسان عن وصفهما، لما تميزا بدقة البناء المعماري القديم الذي يعجز الفن المعماري الحديث من مقاربة فنهما.

 

قلعة صمود تصارع الطّبيعة

يعود صمود المنازل التي بنيت منذ آلاف السنين إلى مادة «الجص» المقاومة لعوامل التعرية والزمن، استخدمها البناؤون الأوائل في البناء حسبما يؤكده الباحث في التراث والمؤرخ عبد الرسول الغريافي. وأرجع الغريافي سبب استخدام البنائين الأوائل مادة «الجص» المقاومة، لغرض أن تبقى تلك المنازل فترة زمنية طويلة تصل لآلاف السنين، وخير شاهد معبد حمام تاروت الذي تقام فوقه قلعة الحمام. كما وكشف أن مادة «الجص» مادة تصنع على أرض القطيف، ويقوم بصناعتها «الجصاص» الذي يحرق الطين قبل استخدامه في عملية البناء.

اشتهرت القطيف منذ القدم بالفنون العمرانية الدقيقة الرائعة خصوصاً في بناء الأعمدة والأقواس المتميزة، ونعومة المسح، ومدى استقامتها، إلى جانب التفنن في بناء أنواع من السقوف وأشهرها الجذوع المسجنة، والجندل، والباسجيل، والجريد وغيره، وليست هذه القلعة إلّا تجسيدًا لكل هذا الإبداع والإتقان.

ويوضح الغريافي أن البحوث والمتابعات والدراسات بينت أن بناء هذه المنازل على هذا المنوال بدأ منذ نشأتِ القطيف مع وجود بعض التطورات في الفنون المعمارية، ودليل على ذلك هو ما استشف من اكتشافات للمعابد والقلاع وآثار القرى والعيون وغيرها من جدران أبنية المرافق العامة.

ويقول الغريافي إنّ هذا النمط من البناء امتد حتى بداية السبعينيات من القرن المنصرم، أي أنه انتهى مع بداية دخول صندوق التنمية العقاري، حينها ترك الناس ما يسمى بـ "البناء العربي".

 

واقع القلعة اليوم

حتّى اليوم لا يوجد إحصاء رسمي بعدد المنازل، وإن كانت قليلة جدًّا، المتبقية التّابعة للقلعة، والتي أصبحت بمعظمها أملاكا خاصة أو أوقافا وقفها أصحابها لأعمال الخير. وأشهر هذه المنازل منزل الشيخ منصور البيات – رحمه الله- وكذلك منزل السيد جعفر الدعلوج الواقع على الشارع العام، إلى جانب قهوة الغراب الشعبية في حي الشريعة.

وللأسف غدت بيوت القطيف القديمة  بيوتًا يسكنها الدّمار والخراب بعدما كانت  بيوت نواخذة وتجار. واكتظّ بعضها بالعمالة الوافدة خاصة في حي باب الشمال الذي يزخر بالمباني التراثية، الّتي يعتبر إهمالها خسارة خصوصاً أن هذه الأحياء كانت فيما مضى مركزاً تجارياً، وما زالت تمتلك المقومات التي تجعل منها قريةً سياحية وتجارية.

 

حتى متى إعادة الإعمار!

هذا ما تبقّى من قلعة القطيف التي صنعت لنفسها مكاناً تاريخياً منذ إحراق القرامطة مدينة الزارة عام 283 هـ  حتى نُشوء المدن الجديدة في الساحل الشرقيّ بعد النفط.

وهناك عدة تجارب جميلة في بعض مناطق، منها قرية مفتاحة التشكيلية بأبها، كيف تم ترميمها وتحويلها لمركز ثقافي مهم في منطقة عسير، وكذلك قرية ذي عين في الباحة، وقرية الغاط، وقلعة القطيف لا تقل في عمرها الزمني أو زخمها التّراثي عن تلك المواقع، ولم يتبق منها إلّا الجزء القليل بسبب إهمال من هنا أو قلّة وعي وتدبير من هناك، وتستحق بعضًا من اهتمام الجهات المختصّة، لما فيه من مصلحة عامّة، فهي بعض من نعيم هذا الأرض الذي سيُسألُ عنه أصحابه يومًا ما.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد